30

949 23 0
                                    


الفصل الثلاثون :

( سامحني يا عمر أرجوك .......... )
عقد حاجبيه وهو ينظر الي وجهها المرفوع اليه باستجداء .... بينما قلبها الصغير كان يرجف بذعر تحت كفه حيث ذراعه تلتف حول خصرها باسترخاء ....
و الآن لم يعد قلبها هو فقط من يرتجف ... الا أن جسدها كله كان ينتفض برعب , مما زاد قلق عمر بل و خوفه عليها ... لكن ما أن فتح فمه ليسألها عم بها بخوف حتى و جدها تحيد بنظراتها عنه في اتجاه محدد ...
فتبع نظراتها , الى أن تسمر مكانه و تشنجت عضلات جسده كلها وهو يرى ما كان يخيفها بتلك الصورة ...
حيث وجد ذلك اللزج المدعو خطيبها يوما .... يقترب منهما و كفيه في جيبي بنطاله ... ببطء حيةٍ رقطاء و على فمه ابتسامة غل لا يمكن اغفالها ....
شعر عمر في تلك اللحظة بأن الدم يغلي ساخنا في عروقه و بأنه على وشكِ ارتكاب حماقة ما ... الا أن ارتجاف رنيم تحت ذراعه جعله يسيطر على البقية الباقية من هدوؤه ... فشدد ذراعه على خصرها في حركةٍ تملكية وهو يشدها الى جذعه القوي ....
الى أن وصل اليهما بتراخٍ يثير القشعرة في الجسد .... بينما كانت رنيم تنقل ثقلها من ساقٍ لأخرى و كأنها تتخاذل و توشك على السقوط ......
قال نائل أخيرا بصوتٍ لدن و ابتسامةٍ متشفية
( مبارك يا رنيم ..... لم أستطع أن أترك المناسبة دون أن أبارك لكِ , رغم أنكِ لم تدعينني لزفافك )
ازداد ارتجاف رنيم و حاولت النطق بتلجلج بلهجةٍ معتذرة أكثر مما ينبغي و كأنها تترجاه لسببٍ مجهول
( أنا .... أنا ...آسفة جدا ... لقد جاء كل شيء سريعا و لم أتمكن من ...... )
قاطعها عمر بصوتٍ قاطع قوي كحد السيف وهو يشدد أكثر على خصرها يكاد يقسمه دون وعي ....
( الوضع غير مناسب يا سيد نائل .......كما هو وجودك هنا غير مناسب )
احمر وجه رنيم بشدة من هول احراج ما قاله ... لم تعتد تلك الصراحة , و الأسوأ أن نظرة نائل التي أطلت من عينيه بما فيها من حقدٍ دفين ارعبتها و أعلمتها بأنه لن يمرر ذلك على خير ... انها تعلم تلك النظرة علم اليقين و قد ادركتها منذ أن دخل من باب القاعة .....
و بالفعل حين فتح نائل فمه ليتكلم قال بمنتهى الهدوء
( لا تقلق يا سيد عمر .... أنا سأغادر حالا, لكن ليس قبل أن أهنيء رنيم .... فما بيننا لم يكن بقليل )
هدر عمر بصوتٍ أثار الفزع في أعصاب رنيم لكن لحسن الحظ أن الموسيقى الصاخبة منعت وصوله الى آذان باقي المدعويين
( ليس بينكما شيء ... ولم يكن يوما , فانصرف من فضلك , لقد هنأتها بالفعل ..... )
ازدادت ابتسامة نائل التواءا على نحوٍ مقزز خبيث دون أي احساس بالكرامة ..., أثار قشعريرة في جسد رنيم و تعجبت من مقدرتها على الاصرار يوما على القبول بمثل ذلك الشخص .... كيف كانت ستعيش معه !! .... كيف كانت ستسمح له بلمسها !! .....
ازدادت قشعريرتها .... و ازداد رعبها على فرحتها التي لم تهنأ بها بعد
و تحول رعبها الى حالة غثيان ما أن توالت كلماته التالية أمام عينيها الزائغتين
؛( لكني أريد أن أهنئها على شيء آخر أبدعت به .... على قدرتها الفائقة على اللعب بي لآخر يوم قبل خطبتك لها )
ترك عمر خصر رنيم بعنف وهو يمد يده ليمسك بذراع نائل بقوة وهو يهمس بلهجة خطرة أمام وجهه
( أنا لا أسمح لك ... ولولا أنني لا أريد الفضائح لكنت رميتك خارجا , و الآن اخرج قبل أن أفقد السيطرة على الذرة المتبقية من التحضر لدي ........ )
نقل نائل نظره من كف عمر المتشبثة بذراعه ... الى وجهه بكل برود و استهانة , قبل أن يقول بمنتهى البرود
( حالا .... لكن ليس قبل أن أخبرك بأن حرمك المصون , كانت خطيبتي في نفس الوقت الذي كنتما مرتبطان فيه , .... و أنها أعادت الي خاتمي يوم أن تقدمت الي خطبتها صباحا !!.................)
للحظاتٍ عم السكون المرعب على ثلاثتهم ... الا من شهقة أنين صامتةٍ أفلتت من بين شفتي رنيم خلف عمر , التي التقطتها آذانه المرهفة في تلك اللحظة أكثر من اي وقتٍ مضى .... فالتفت اليها نصف التفاتة ينظر اليها بطرف عينه .... يريد أن يلتقط منها الإشارة فقط كي يسحق عظامه ....
الا أن نظرة وحيدة اليها كانت كفيلة بأن تجمده مكانه ... عيناه مسمرتان عليها و هي تغطي وجهها بكفيها دون عينيها المرعوبتين الشاخصتين اليه بذعر..... يكاد يكون ارتجافها اهتزازا لا اراديا ملحوظا و بقوة ....
بينما التوسل يكاد ان يقفز من بين الرعبِ في نظراتها ....
حينها تابع نائل بعد أن تأكد من نجاح خطته في الجامهما بالصدمة .....
( ظللت عدة ايام قبلها اراقبها ما ان ساورني الشك في طريقة قبولها بالعودة الي .... حينها اكتشفت عملها ... ثم اكتشفت انها تخلع خاتمها ما ان تدخل ... الى ان اكتشفت علاقتها بمديرها .... و قبل ان اواجهها , كانت قد اتت الي صباحا لتضع الخاتم امامي بكل هدوء مدعية بانه لا نصيب .....
انا اعرف متى تنتهي قضيتي تحديدا ... و رنيم كانت قضية خاسرة من البداية , الا ان الفضول جعلني اصمت للنهاية , لكني لم اصبر طويلا ....ليلتها ذهبت الي بيتها لأجد أنها تخطب في نفس اليوم الذي تخلع فيه خاتمها السابق !! ...... )
عاد الصمت المهلك بينهما ... عيناه تخترقانِ عينيها ... تتوسلانِ اليها و تأمرانها بقسوتهما أن تكذب ما نطق به هذا الحقير للتو ....
الا أن نظرة الرعب و ضياع تركيزها كانت كفيلة بأن تخبره الواقع بكل ضآلته ....
لم يشعر بأن نائل قد ربت على ذراعه باستهانة قائلا بخفة
( يجب أن تحكم عليها الطوق من الآن ...... لو قررت المتابعة معها , فعلاقتها باثنين في آنٍ واحد ليست إشارة جيدة )
التفت عمر في دوامةٍ اعصارية ضخمه , لتسبقه قبضته دون وعي و تضرب فك نائل بكل ما يعتمل في صدره من غضب بركاني و امتهان لرجولته في تلك اللحظة ....
تراجع نائل عدة خطوات من شدة الضربة حتى أن سقط على بعض المدعوين خلفه دون أن يسقط أرضا .... و سط صيحات الجميع من حوله ......
استقام نائل بغضب يهدر بكلماتٍ غير مفهومة وهو يتلمس شفتيه النازفتين .... الا أنه لم يتمكن من الإقتراب لخطوةٍ واحدة خاصة حين برز جاسر في لحظةٍ ليقف أمامه كجبلٍ عملاق بملامح مخيفة ... و من نظرة واحدة منه الي وجه عمر المرعب في تلك اللحظة .... لم يحتج لأكثر من ذلك كي يستدير الي نائل ممسكا بذراعه وهو يقول بصوتٍ خافت
( من الأفضل أن تنصرف الآن لأنك تفسد زفافي ..... ولو كنت مكانك لما فعلت ذلك في زفافٍ ......كانت زفته بالمديّ "المطاوي " .......... )
نقل نائل نظراته بين الرجال اللذين بدأوا في التجمع من اللا مكان .... و بعد عدة لحظات تمكن من اظهار تلك الإبتسامة الثعبانية المقززة .... فقال بصوته اللزج وهو يمسح الدم عن فكه بظاهر يده
( لا بأس ..... لقد قدمت واجب التهنئة الذي جئت من أجله و انتهى الأمر .... و أنا اعذر العريس رغم كل شيء )
ثم استدار لينصرف وسط دهشة الحضور جميعا .... و رعب والدي رنيم اللذين التفا من حولها ... بينما ارتفع صوت جاسر عاليا بقوة
( لماذا توقف الغناء ...... اليوم يوم عرسي و أنا أريد الرقص حتى الساعات الأولى من الصباح , ..... هيا .... )
ثم نظر الى حنين التي كانت واقفة في أحد أركان القاعة و يدها على فمها بذهول تراقب ذلك الموقف الذي لم ترى عمر فيه من قبل بتلك الصورة ....
ظل جاسر ينظر اليها مدققا قبل أن يشير اليها بإصبعه مجددا كي تأتِ اليه . الا أنها ما أن وعت له حتى انحنت قليلا لتمسك طبقات الثوب الغزيرة بكلتا قبضتيها ثم تستقيم لتنصرف من بابٍ جانبي من القاعة مهرولة ...
الا أنه لم يكن ليتركها تغيب عن ناظريه للحظةٍ واحدةٍ فاندفع خلفها متخللا سيل المدعوين الواقفين يتابعون العريس الذي ضرب أحد المهنئين بكل إهتمام ....
غافلين عن الآخر الذي كان يجري خلف عروسه التي تبدو و كأنها تهرب جريا من شياطين تلاحقها ....
.................................................. .................................................. ...........................

بأمر الحب 🌺بـقـلم تـمـيـمـة نـبــيـــل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن