الخاتمة :
" عدني أنك لن تبعدني عنك مجددا .......... "
" و إن أبعدتك .... هل ستبتعدين ؟؟ ..... و إن ابتعدتِ .... هل ستعودين ؟؟ "
" تعلم أنني سأعود دائما ........لا أقوى على فراقك , فلا تستغل ذلك ...... "
أرجع رأسه للخلف مغمضا عينيه و هو يتذكر ذلك الحوار بينهما ذات يوم .... ذات يوم سعيد ... كانا فيه أقرب ما يكون من ملامسة النجوم ....
لأنه يوم لم يعيشاه منذ بدء زواجهما ..... يوم رميا فيه بكل اختلافاتهما و الحواجز بينهما , ليضمها اليه .... فقط يضمها و يخبرها كم يحبها ......
نسى أن يخبرها وقتها بأنه يحبها داخل حدود معينة .... و جدران حجرية .....
يحبها صورة في إطار يرسم حوافه بنفسه .... كي لا يجرح أصابعه من جديد .....
يوما بعد يوم منذ أن طردها من حياته وهو يفكر ..... و يسأل نفسه , هل كان ليطردها بتلك الوحشية لو كانت قد اعترفت له ببساطة بأنها ذهبت ذات يوم الى طبيب ما برفقة ابنها و الحقير الذي أوهمها بذلك و بحسن نواياه ... هل كان ليسامحها بعد غضب مهول ؟؟ .....
فهل طردها لأن الموضوع قد تفاقم بعدها و مس كرامته ؟!! .....
هل طردها لأن ذلك الحقير قد نسج من حولها شبكة خداع و تعدى عليها ؟!! .....
هل كان ليسامحها قبل أن يحدث ما حدث ؟؟ ....
لم يكن يوما منافقا مع نفسه بتلك الصورة .... لكنه اختبر ألما فاق ما ظن من تحضره و تفهمه ......
هل يريد استرجاعها ؟؟ ...... توقف عند هذا السؤال منذ أيام طويلة و ليالي مضنية .... وهو يظن أن الأمور ستستقر بدونها كما استقرت من قبل في فراقها ....
لكن هذه المرة الأمور لم تستقر ..... هو و معتز و بيتهما ... و حياتهما كلها .......
تتسرب إليه بين كل لحظة و أخرى ..... الى أن اعترف .... اعترف لنفسه أخيرا ....
أن حبه لها كان حديثا ..... حديثا جدا .......
لم يكن يحبها منذ بداية زواجهما ..... فقط يفعل ما يستطيع لإرضائها و إرضاء ضميره .......
حبه بدأ حين بدأ يهتم .... يهتم باكتشاف اي شيء جميل بها .... ليجدها تسارع بخلق شيء جديد جميل ....
كانت تحاول ..... و تختلق ما يمكن أن يعجبه و يرضيه ......
أحب تسربه الى داخل نفسها الحقيقية ....... و أحبها ...........
فتح عينيه لينظر الى معتز النائم بجواره ......وهمس بخفوت وهو يلاعب شعره النام
(؛ هل اشتقت لها ؟ ......... هل ترغب في أن تعود لتعيش معنا ؟؟ )
ظل ينظر اليه طويلا ..... وهو يفكر بالغد , حين سيذهب ليأخذه مساءا .............
.................................................. .................................................. .............................
اوقف سيارته قبل ساعتين من مغيب الشمس أمام بوابة البيت .... ليخرج منها ببطء , و يتجه الى البوابة ..... لكن ما أن وصل اليها حتى توقف ينظر من خلال أعمدتها الحديدية .... ممسكا بأحدها وهو يخلع نظارته السوداء ببطء
كانت هناك ..... في الحديقة .....
تركض خلف معتز .... و ضحكاتها الرنانة تصل اذنية كموسيقى غجرية لم يسمعها منذ فترة طويلة .... و شعرها الأسود الطويل تركته طليقا ليهيج من حولها ما أن أمسكت بمعتز لتسقط به أرضا وهو فوقها ....
كانا الإثنان عبارة عن موجتين من الجنون و الشعر الأسود المتطاير .....
فكر أنه لم يحلق شعره منذ أن ابتعدت حور ..... بعد أن كان يضايقها بالأمر و يأخذه للحلاق رغما عنها ....
و هي تتذمر شاكية بأنها تحب شعره الناعم و تحب أن تراه طويلا لتغرق وجهها به .....
ظل للحظات طويلة ينظر اليهما شبه مأسورا بتلك اللوحة الجميلة التي يملكها في حياته ......
فهل لازال يملكها بالفعل ؟؟؟ ..........
انتبه فجأة الى أن عيني حور مثبتتين في عينيه ..... فاعتدل بثبات يومىء لها برأسه .....بينما اختفت الإبتسامة عن وجهها تماما ..... حتى الإبتسامة أصبحت غير قادرة على التكفل بها حين تراه ؟!! ......
نهضت حور من على الأرض ببطء وهي تنفض ملابسها ... بينما أمتلأ شعرها بالعشب الأخضر ...... و اقتربت من البوابة بثبات تحت أنظاره المدققة بكل تفصيلةٍ منها ....
الى أن وصلت الى البوابة تفتحها بهدوء و هي مطرقة برأسها و شعرها يحجب وجهها عنه ..... وكم تمنى في تلك اللحظة بأن يقوم بحركته التي يحبها ...... أن يفتح غلاف هديته كما كان يطلق عليها ... و يبعد موجات الشعر بكفيه من على جانبي وجهها كي يتمكن من رؤية عينيها ......
وقفت حور أمامه لحظة قبل أن ترفع وجهها بهدوء اليه , لتبتسم ابتسامة هادئة على الرغم من توجس عينيها و هي تقول بهدوء
( مرحبا نادر!! ...........)
تنحنح ليبدأ في الكلام ... ثم قال بإتزان و بملامح ثابتة
( مرحبا حور ...... آسف لأنني جئت هكذا فجأة , لكنني مضطر اليوم لأن آخذ معتز مبكرا .... )
انعقد حاجبيها قليلا و مالت عيناها حزنا و دهشة و هي تقول بخفوت
( مبكرا هكذا ؟!! ....... لم أشبع منه بعد , ..... ليس هذا الموعد الذي اعتدت أن تأتي لتأخذه فيه .... )
شعر بتأنيب ضمير يحرق صدره , الا أنه جمد قلبه و هو يقول معتذرا ....
( أعرف ...... للأسف , لدي مناوبة عمل لن تنتهي قبل وقت متأخر من الليل .... و لن أتمكن من المجىء وقتها )
قالت حور مدافعة و حاجبيها و عينيها تحفران في صدره علاماتٍ و تقاطعات
( اذن دعه يبيت معي الليلة ....... ما المشكلة ؟!! )
تنحنح نادر ليقول بخفوت محاولا الصمود
( للأسف سيارة المدرسة تأتي مبكرا جدا ...... ... سادعه يبيت معك , في ليلة تسبق يوم عطلة ..... )
ظلت تنظر اليه بحاجبين منعقدين و عينين مائلتين حزنا ...دون أن ترد ..... فابعد عينيه عن عينيها , ليقول ما أتى من أجله
( كيف حالك يا حوور ؟؟ ........ )
" كيف حالك مجددا !! ..... حتى بات يكره تلك التحية من أعماقه "
ردت حور بهدوء لا تعبير فيه
( بخير ...... شكرا )
سكت نادر قليلا ..... ليقول متأملا لها
( تبدين في أفضل حال ........... )
أطرقت برأسها و هي تنظر الي معتز الذي كان يركض و يلعب بكرته في الحديقة ..... ثم قالت بخفوت
( نعم ....... في خير حال , شكرا )
سألها نادر بهدوء
( أرجو أن تكوني قد امتنعتِ عن كل ما يضرك ..... و الا فأنا لن ........ )
قاطعته حور تنظر اليه بثبات و حزم
( لا داعي للتهديد يا نادر ...... فأسرتي تساندني على أحسن وجه )
قال نادر بخفوت
( لم أكن أهددك ........ كنت ...... قلقا عليك )
نظرت حور الي عينيه بلا تعبير ... ثم قالت بهدوء
( شكرا ...... لكن لا داعي للقلق , ....... كانت مرحلة و مرت ..... و بعد أن وقفت على قدميّ, أدركت بأن لا شيء يستحق أن أدمر نفسي من أجله ........ )
كانت رسالتها واضحة ..... و على الرغم من أن هذا ما كان يحاول جاهدا اقحامه برأسها سابقا .... الا أنها اليوم ضربته في مقتل بتلك العبارة .....
يالهذا التناقض الذي يكاد معه مؤخرا الا يتعرف على نفسه .....
ليست هي ....... ليست هي مطلقا .......
و مع هذا .... لا يمنع شعورا بالرغبة في خطفها و سجنها بعيدا , ليهزها طويلا ... طويلا ..... مسددا كل ديونها تجاهه .... ثم يضمها الى صدره بعدها ليأمرها صارخا
" عودي ...... و لا تبتعدي مجددا )
طال الصمت الموجع بينهما , ليقول نادر محاولا إظهار العفوية .... و إخفاء الغصة الغريبة في حلقه
( جيد ....... اسمعي , لما لا .... نرتب يوما نقضيه سويا مع معتز ..... لا أريده أن يشعر بذلك الجفاء بيننا جليا )
" هل هو أحمق ؟!!! ..... هل بدا أحمق كما خيلت اليه كلماته التي رتبها طوال الليل ؟!!!.....
و التي ما أن نطقها الآن حتى أشعرته بمنتهى الغباء ..... منتهى منتهى الغباء ......
لقد ضربها و رماها خارجا .... و اخذ معتز منها ..... و الآن لم لا يجد عذرا اقل اثارة للشفقة , سوى تلك الحجة الغبية في ألا يشعر معتز بالجفاء بينهما !!!!!
لكن بالأمس وهو يحضر الحوار , لم يشعر بغباء الإقتراح كما هو الآن
هل هي تشعر بغباؤه الآن ؟؟؟ ......... هل تكرهه كثيرا و تدعي عليه ؟؟؟ ..... "
نظر اليها بلا تعبير هو الآخر على الرغم من مشاعره المتلاطمة وهو يتمنى لو كان قص لسانه قبل أن يبدو بمثل هذه السخافة .......
لكن ملامحها كانت في صلابة الرخام الأبيض وهي تنظر اليه طويلا بصمت دون أن ترمش بجفنيها حتى ....
ثم فتحت شفتيها أخيرا لتقول بهدوء قاصف لروحه
( لا أظن إنها فكرة جيدة .......دعها للوقت , ..... ربما تمكننا يوما ما من القاء ما كان خلف ظهورنا .... و حينها ...... حينها سنتمكن من قضاء الوقت معا ...... كأى اثنان انفصلا و بقيا بعلاقةٍ متحضرة فيما بينهما ..... )
لو كانت الكلمات تقتل , لربما لوضع يده الآن على صدره من تلك الشظية التي رمته بها ..... ليست تلك هي حور .... ليست حور التي وعدته الا تبتعد عنه مهما فعل .....
فتح فمه ليهتف بها غاضبا ..... لكن بماذا ؟؟!!! ........
الا أنها سبقته و هي تستدير عنه ملوحة لمعتز أن يأتي فجاء راكضا يضحك .....
انحنت حور اليه تشير اليه بأن يذهب مع والده و سيعود اليها سريعا ..... و هي ستأتي اليه عند علية .....
بينما كان نادر يراقبهما بقلبٍ مجروح .... مذهول ..... و يراقب معتز الذي بان التذمر على وجهه ثم بدء تبلل عينيه بالدموع ....
" هل أصبح الآن هو الشخص الشرير ؟!!! ...... "
لكن معتز امتثل وهو يقترب صاغرا مطرقا من أبيه الذي أمسك بيده ....
رفع نادر عينيه الى عيني حور .... ليقول بهدوء ميت
؛( الي اللقاء ياحور ......... )
أومأت برأسها وهي تكتف ذراعيها قائلة بخفوت
( الى اللقاء يا نادر ....... )
ابتعد مع معتز بتثاقل عدة خطوات ..... لكن صوتها أوقفه وهي تناديه بهدوء
( نادر .......... )
التفت اليها سريعا ..... ليعود اليها , بينما كانت قد غابت قليلا عند مدخل باب البيت لتعود اليه بحقيبة ظهر معتز وهي تقول
( لا داعي لأن تجهزه بشيء كل مرة ....... فقد جهزت له كل ما يحتاجه هنا , ........فقط ألبسه )
ثم ضحكت برقة لتتابع
( و حتى يمكنك ألا تلبسه ...... دعه يأتي بالبيجاما فأنتما تنزلان مبكرا جدا و أنا سألبسه خلال اليوم ...... لكن تأكد من دخوله الحمام قبلا ........ )
" أنتِ أيتها الدخيلة على حياتي أنا و ابني .............. عودي الينا "
أومأ نادر دون أن يجد القدرة على الكلام .... ثم التقط الحقيبة منها محاولا لمس اكبر عدد من أصابعها .... فقد مرة وقت طويل منذ أن رقدت تلك الكف الصغيرة البيضاء في كفه .... منذ أن تشبثت بأصابعه .....
هل تأثرت بلمسته و ازدادت نبضات باطن رسغها ؟؟؟؟
( لقد ذهب الي الحمام للتو ...... فلا تقلق من طول المسافة )
كان ردها الهاديء هو أبلغ رد على سؤاله الخفي ...... بقى صامتا ينظر الي وجهها المبتسم بحزن وهي تنظر الي معتز .... فقال بخفوت
( آآآه .... نعم ..... الحمد لله أن طمأنتِني ...... شكرا ..... الى اللقاء )
ثم دخل السيارة بعد أن أجلس معتز .... و ما ان ابتعد حتى رآها في المرآة تخرج من البوابة لتقف تنظر اليهما وهي تلوح بحزن ......
أراد أن يعود و يرجع معتز الى أحضانها و يخبرها أنه ما أخذه الا ليجتذب معها الكلام ..... لكن وجوم مشاعره في تلك اللحظة كان أقسى من أن يعود .....
.................................................. .................................................. ............................
خرجت من الحمام .. مطرقة الرأس .... موجوعة القلب .... كسيرة النفس ......
نسيت بأنها كانت قد حضرت نفسها في الحمام من أجله و من أجل الإحتفال الصغير الخاص الذي أعدته له كمفاجأةٍ دون علمه .....
وقد ملأت الغرفة شموعا أضائتها قبل صعوده السلم الى غرفتهما .... لتجري بعدها الى الحمام و تغلق الباب على نفسها ......
نسته تماما بعدها لمدة خمسة عشر دقيقة .... و هو يطرق عليها الباب مبتهجا بذلك الإحتفال من الشموع وورق الورد الأحمر المنثور فوق السرير المزين بمفرش زفافهما الحريري ذو الأشرطة المزينة ....
و ها هي تخرج اليه بقميص نومها الطويل الفيروزي .... الذي هو رغم طوله أبعد ما يكون عن الإحتشام ....
لكنها لم تلحظ نظراته المبهورة وهو يلتهمها كلها من قمة شعرها العسلي حتى أظافر قدميها التي طبعت زهرة بيضاء صغيرة على كلا منهم .....
وقفت أمامه مطرقة الرأس ..... بينما وصلها صوته الهامس بمشاعر هوجاء
( حبيبتي فيروزتي يا بنت السلطان ..... هل أعلقك كحجر فيروز ثمين في سلسلة مفاتيحي الآن كي لا تفارقين جيبي ليل نهار ..... أم الأسهل أن ألقي بذلك القميص بعيدا كي لا يشتت انتباهي ....... فاللون الفيروزي يتعب نظري عادة بعد لحظة الإنبهار الأولى ....... )
لم ترد عليه و لم تستجب الى دعاباته و غزله ...... بينما همس هو وهو يخلع سترته و يفك أزرار قميصه بنفاذ صبر ..... قائلا بخشونة ...
( ربما لو كنتِ ارتديته بعد طعام العشاء كان ليكون أفضل لمعدتي المسكينة التي لم يدخلها شيء منذ الصباح ..... فأنا الآن مضطر الا أبارح تلك الغرفة حتى الصباح ........ )
اقترب منها أخيرا ليمسك بذراعيها ناظرا الى قمة رأسها العسلي المنحني أمامه ..... فأحنى رأسه هامسا برقة
( هل يمكنني أن أقبلك ؟ ........... )
هزت رأسها نفيا دون أن تجيب أو حتى أن ترفع وجهها اليه .... فابتسم بمكر ليقول واثقا
( لا ؟!! ..... و من ينتظر اذنك اصلا , .... هل يطلب أحد الإذن فيما يخصه !! ...... ارفعي وجهك )
عادت لتهز رأسها نفيا مرة أخرى ..... فابتسم أكثر وهو يقول بنعومة مقتربا منها أكثر
( لا ؟!!! ...... هل تستفزيني ؟؟ ...... أنا أحذرك .... أنا جائع , و أنا لا أكون في أفضل حالاتي و أنا جائع )
لكنها لم ترفع وجهها ..... فمال اليها دون اذنٍ آخر ليقبل زوايا شفتيها بحب , الا أنه تجمد مكانه حين لامست شفتيه دموعها الصامتة .....
صعق عاصم و رفع رأسه هامسا بخوف وهو يمسك كتفيها بقوة
( تبكين يا صبا ؟!! ..... لماذا حبيبتي ؟؟ .... ماذا بكِ ؟؟ ..... )
هزت رأسها نفيا مرة أخرى دون رد الا أن شهقة باكية صغيرة أفلتت منها رغما عنها .... فعبس عاصم بشدة ليحملها بين ذراعية فجأة و يتجه بها الى السرير و جلس عليه و أجلسها على ركبتيها و بقى عدة لحظات محاولا إستيعاب بكائها الصامت .... ثم همس في أذنها وهو يتلمس ذراعها براقة
( طمئنيني فقط ...... هل يؤلمك شيء ؟ .... هل ضايقك أحد ؟؟ ...... هل هو لسان حور الأفعواني ؟؟ ..... أنا ادرى الناس بها ..... منذ أن أتت و كلماتها الطائشة تطيح و تضرب في الجميع كقوالب الحجر , لكنها تعود و تندم بعدها صدقيني .... كنت أظنها قد هدأت في الأيام الأخيرة و ارتاحت نفسها قليلا لكن ... .....)
هزت صبا رأسها نفيا مجددا و هي تهمس هذه المرة
( حور ليس لها دخل أبدا يا عاصم ....... اتركها في حالها )
همس عاصم و قد زاد قلقه أكثر حين ضاع منه سبب بسيط كإختلافات حور و صبا و بدأت الهواجس المخيفة تلعب برأسه .... فقال بجدية
( تكلمي يا صبا ....... لقد بدأت أن أقلق )
أخذت صبا نفسا مرتجفا قبل أن تهمس بإحباط
( أنا لست حامل ............. )
ظل ينظر اليها قليلا دون أي تعبير و كأنه لم يسمع شيئا .... بينما بدى الغباء على وجهه , قبل أن يبدأ احمرار الغضب في الإنتشار فوق وجهه .... ثم هتف أخيرا بغضب
( والله يا صبا أنتِ تستحقين ان يتم ضربك ... الى أن يظهر لك من يدافع عنكِ ....... يا حمقاء لقد أرعبتني )
تأفف بضيق و هو يزفر براحة في نفس الوقت ..... ثم نظر اليها وهي تمسح دموعها برقةٍ و دون صوت .... فلانت ملامحه و رق قلبه لها ..... فهمس لها مبتسما
( حسنا يا صغيرة العقل ....... ما الذي ذكرك بالأمر الآن تحديدا بعد أن أعددتِ كل هذه الإحتفالات المثيرة للإهتمام من أجلي ...... هل ارتديت القميص الفيروزي كي تبكين بنفسٍ مفتوحة بين أحضاني !!! ..... )
هزت رأسها نفيا بعد أن توقفت دموعها ... دون أن يغادر الإحباط ملامحها ثم همست
( كنت متأكدة أنني حامل هذه المرة ...... لقد مر من الوقت ما يكفي لأصبح أكثر من متأكدة , حتى أنني من صغر عقلي أجلت الإختبار الى حين موعد وصولك كي نبكي سويا في نفس اللحظة .........لكني لست .... )
ظل عاصم ينظر اليها بوجوم قليلا .... قبل أن يقول بمرح زائف
( كي نبكي سويا ؟!!! ....... ياللكآبة !! ...... و يا لخسارة القميص الفيروزي !! )
لم ترد على مزاحه ولم ترفع وجهها اليه .... فمد يده متنهدا ليرجع خصلة من شعرها خلف اذنها كي يرى وجهها المنكس ليقول برفق
( صبا ..... ارجوكِ انسي هذا الموضوع قليلا , منذ أن ذهبت للطبيبة من عدة اشهر و أنتِ قد حولتِ حياتنا الى جدول بمواعيد و حسابات ..... اريد فقط أن أحظى بك بين ذراعيّ دون عبء انتظار النتيجة ...... )
همست صبا دون أن تنظر اليه
( لقد مر أكثر من عام يا عاصم ........ )
رد عاصم مبتسما وهو يداعب وجنتها المحمرة ....
( ولو عشر سنوات ......... )
همست صبا بمزيد من الحزن
( ولكني أعاني من مشاكل صحية قد تطول ......... )
همس عاصم بحزن وقد استبدل اصابعه بشفتيه
؛( لا يوجعني فيها سوى آلامك .......... )
رفعت عينيها الحمراوين الى عينيه ..... ثم همست بإختناق
( حقا ؟!!!! ............ )
ابتسم عاصم لعينيها الجميلتين و همس بعشق
( هل عندكِ شك أنكِ أحلى و أغلى امرأةٍ في الدنيا ؟؟ ........ )
ابتسمت له بعشقٍ يذوب من عينيها لعينيه .... هامسة بصوتٍ لم يسمعه تقريبا , بل قرأ شفتيها
( أنا أحبك يا عاصم ......... )
همس عاصم من عمق قلبه و كيانه و كأنه يحاول جاهدا أن يقنعها متأوها
( و أنا أعشقك يا روح عاصم ..........ثم لماذا اليأس ؟؟ .... يوما سأذكرك حين تحملين طفلنا و تنسينني أنا تماما و حينها سأتذمر منه و أرميه خارج الغرفة كالقطط المُسرّبة )
ابتسمت صبا بحزن لتهمس برقة
( لا يهمني الطفل يا عاصم ...... أريده ... بل أتمناه , لكنني لن أموت بدونه ..... انه رزق من رب العالمين )
همس عاصم وهو يضمها اكثر اليه
( اذن ما المشكلة ؟؟ ................ )
استكانت على صدره قليلا .... قبل أن ترفع وجهها اليه لتهمس بضعف
( أخشى أن ...... تتزوج غيري يوما ما ...... )
اتسعت عينا عاصم بدهشة ..... الا أنها تابعت بهدوء و اتزان
( اتذكر حين هددتني ذات مرة بأنك ستتزوج حنين بعد أن تخلصها من جاسر ؟؟ ....... لقد صدقتك حينها .... صدقتك لأن هذا البيت و مثله من البيوت لها قوانين تختلف عن قوانين و قواعد بيتي الذي نشأت به .....
صدقت أنك من الممكن أن تتزوج حنين حفاظا على سمعتها حتى ولو كان هذا ضد رغبتك ..... لكن كونها ابنة عمك و قد اصابت سمعتها اي شيء فأنت على استعداد لتخرس ألسنة أيا كان ... و تتزوجها ...... )
صمت عاصم بعينين متسعتين ... و فمٍ فاغر قليلا .... لكنه لم يجد ما يسعفه به تفكيره كي يرد في التو .... فتابعت هي بهدوء
( أتعلم ما أكثر ما صدمني ؟؟ ...... هو أنني للحظة ... للحظة فقط نسيت مشكلة حنين و ألمها و احترق صدري بنارٍ لا تهدأ ..... شعرت بقلبي يتمزق و أنا أتخيل مشاركة امرأةٍ اخرى لك .......
و الآن ..... الآن .... من ثاني أهم القوانين في هذا البيت , .... هو الوريث الذي تدعو عمتى من أجله ليل نهار ... في وجودي و في غيره .....
الطفل الذي سيحمل اسم رشوان ..... انها ليست مسألة عابرة , كما في باقي البيوت ربما ......
لذلك تتجدد تلك النار في صدري مجددا .... أكثر ما يصدمني في نفسي هو أنني يجب علي كإنسانة مؤمنة ... أن أطلب منك أن تتزوج اذا ما حدث و فقدت الأمل في العلاج .......
لكني لن أستطيع ذلك , رغما عني لن أستطيع ..... إنه يفوق قدرتي أن تشاركني بك غيري , كما أنني لن أستطيع تحريم ما حلل الله .... لذا سأرحل بمعروف .... و أترك قلبي ميتا .... هل صٌدمت في ؟؟ ....... )
سكت عاصم قليلا ينظر اليها دون تعبير مقروء ..... ثم تكلم أخيرا ببطء و هدوء
( حسنا ...... أجيبيني على سؤالٍ واحد .... هل نفذت تهديدي و تزوجت حنين لأطبق أولى قوانين هذا البيت و مثله من البيوت ؟؟؟ ......... )
ظلت صبا تنظر اليه بعينين حمراوين قليلا قبل أن تهز رأسها نفيا ببطء .... أومأ عاصم برأسه ثم قال بهدوء
( جيد .......... سؤال آخر , هل نفذت أي قوانين خاصة بهذا البيت .. و أنا أتعامل معك ؟؟ ....... )
عادت لتهز رأسها نفيا بصمت ..... فأومأ برأسه مجددا ليقول بهدوء
( جيد ...... سؤال أخير , هل تبين لكِ الآن أنك معدومة العقل و لست حتى صغيرته ؟؟ ........ )
ابتلعت ريقها دون أن تجيب نفيا هذه المرة ..... فقال عاصم بخشونة
( أجيبي ..... لن أتركك حتى تقولي " أنا غبية " ..... هيا ..... ولو بقينا هنا لأسبوع ..... لن أترك الى أن تقولي " أنا غبية " ........ )
همست صبا بجدية
( عاصم ........ هل يمكن .... أن تفكر في الزواج من أجل طفل ذات يوم ؟؟ ..... )
سكت عاصم وهو ينظر الي عينيها بجدية أخافتها ..... ثم قال أخيرا بهدوء
( ممكن ....... لأنني بشر )
فغرت شفتيها و شعرت بطعنةٍ في قلبها .... و النيران .... النيران بدأت تحرقها لتعذبها حية دون رحمة ... وهي تتماسك و تقوي نفسها كي لا تعترض على مشيئة الله ....
فأومأت برأسها مطرقة بتفهم .... لكنها لم تستطع أن تنطق ... فقط تحتاج الوقت لتتعامل مع ألمها القوي و تبتلعه ...... الا أن صوت عاصم جاء هادئا قاطعا
( لكن هناك مشكلة واحدة فقط ............. )
رفعت وجهها اليه ... تنظر اليه بصمت , دون أن تنطق و الا فسوف تنفجر بالبكاء .... فتكلم عاصم أخيرا ناظرا الي عينيها بوضوح
( المشكلة هي أنني سأكون مجبرا على أن أعدل بينكما ..... ....
و هذا هو ما لن أستطيعه ..... لن أقوى على العدل بينك و بين امرأة سأتزوجها لأنجب منها ....
لن أعدل معها في قلبي .. ولا في وقتي .... و لا في تفهمي و تحملي لها ......
لقد جعلتِ من ذلك مستحيلا يا بنت السلطان ..... لذا لن أظلم امرأة أخرى في زواجي منها بتلك الطريقة أبدا ...
لأنها لن تكون أبدا في مثل مكانتك عندي .........)
امتلأت عيناها دموعا بمنتهى القسوة ... و ارتجفت شفتاها بشدة .... و نبض قلبها بعنف و هي تهمس بإنفعال
( حقا يا عاصم ؟؟ ............ )
نظر اليها طويلا قبل أن يجيب بخفوت
( هل عندكِ شك أنكِ أحلى و أغلى امرأة في الدنيا ؟؟ ...... )
ضحكت وهي تبكي بنعومةٍ لتهز رأسها نفيا بثقة ...... فابتلع عاصم غصة في حلقه ليقول بخشونة
( اذن ...... هل سيكون للقميص الفيروزي التعيس أي دورٍ الليلة .... أم أنه للعرض فقط ؟؟ .....)
ضحكت مجددا وهي تمسح دموعها الغزيرة المنسابة دون توقف .... لتومىء برأسها دون أن تجيب ....
فتنهد عاصم بصوتٍ جهوري مغمضا عينيه مرجعا رأسه للخلف .... هاتفا
( الحمد لله ...... كنت قد بدأت أن أيأس ..... )
ثم فتح عينيه و نظر اليها ليقول مبتسما بخبث
( ولو كنت يأست كنت سأنفذ قانون البيت الثالث في هذه الحالة .......... )
احمر وجه صبا بشدة ... لتهمس بترقب
( وما هو القانون الثالث في هذه الحالة ؟؟ ......................... )
أجاب عاصم بثقة و كبرياء
( حين تغضب المرأة زوجها ........ ينزل الي أمه كي تطعمه )
ضربته صبا على صدره عابسة ... بعد أن رفعها معه الى عالم حالم مترقب ..... فضحك عاصم بقوةٍ ليميل بها و يسقط معها فوق السرير هامسا
( الليلة يا صبا ..... لا جداول و لا حسابات و لا انتظار و ترقب للنتائج ..... الليلة أنا و أنتِ و القميص الفيرزوي فقط ......... )
أومأت برأسها عاشقة حالمة ..... هامسة راضية
( أحبك أكثر من نفسي ......... )
لكن الرد لم يصلها شفهيا .... ربما لو انتظرت بعد أن يأكل في اليوم التالي ............
.................................................. .................................................. ............................
اجتمعت العائلة ... في مائدة ضخمة , احتفالا ببدء المشروع ... روضة الأطقال (**فكرتي**) .....
لذا أصر عاصم على دعوتهم جميعا الى العشاء خارجا .... على الرغم من رفض روعة القاطع ثم تذمرها ثم قبولها على مضض .....
فقد كانت تستطيع صنع طعام بيتي أفضل الف مرة من طعام الأسواق الذي لا يعلم مصدره أو نظافته الا الله ....
كما أنها لا تحب الخروج من البيت .... الا ان عاصم أصر بشدة .... ففرحته الخفية بحور فاقت حتى فرحته بحنين ... حنين دائما كانت قوية و يعتمد عليها ... و ما أن تقع حتى تنهض سريعا بمرونة .....
أما حور فلم تسير في خط حياتها سوى بضع خطوات .... بينما الباقي كان سلسلة من الوقعات .....
لذا أصر على عزيمتهم في أغلى مكان ....." مطعم مشويات و محشوات ".... يكاد يكون شعبيا بجدارة.... لكنه اليوم يشعر بالجوع و يرغب في الأكل بشراهة .... وأكل المطاعم الراقية لن يجديه نفعا .....
لذا و بعد تذمر حور الشديد من اختيار المكان وافقت صاغرة بعد أن قال عاصم بصرامة
( أنا من سأدفع ..... أي أنني أنا رأس المال لذا أنا من سيقرر المكان ...... إن أردتِ إختيار المكان , فلتذهبي اليه ببطاقتك الذهبية و احجزي طاولة بمفردك و تمتعي بالإحتفال وحيدة مع الأكل المسلوق و الطحالب ........ )
لكن كانت هناك مشكلة واحدة للأسف ... و هي اضطرارهم صاغرين لدعوة جاسر رشيد ...
بما أنه زوج حنين رغم أنفهم .... لذا توجب عليهم البدء في محاولة تقبله .... خاصة بعد أن بدأ يقبل على الأختلاط من جديد بعد الحادث .....
لذا بعد أن تعامل عاصم مع تذمر حوربسبب المكان ... ثم تذمر روعة بسبب الأكل خارجا ...
بدأ صابرا في التعامل مع تذمر مالك في تقبل وجود جاسر في حدث عائلي خاص .... خاصة بعد حركته الأخيرة في توظيف أثير دون علمه .......
لكن في النهاية امتثل الجميع .....
كما أن صبا يجب أن تكون سعيدة اليوم ..... ولو اضطر الى تكميمهم و تقيدهم كلهم و شحنهم الى المطعم ..... انه لا يوفر جهدا عاطفيا و غزليا في سبيل ارضائها ... حسنا و ارضاء نفسه ايضا ....
الا أنها في حاجة للجمعة و الضحك و المرح ...... و طالما أن بنت السلطان في حاجة لشيء , فلن يوفر جهد في سبيل تحقيقه .......
كان عاصم يهمس لصبا .... لا يكاد يتركها تغيب عن نظره .... يبتسم لها و يداعبها ... و يضع الطعام في طبقها كلما نفذ ......
غزله كان شغوفا لكن راقيا .....
الشيء الوحيد الغير راقي هو تشميره لكمي قميصه حين وصل الطعام للمائدة .... و أكله بيده , راضيا غير مباليا ...فالليلة .... الليلة هو في عشاء مع أحب الناس الي قلبه ....مع عائلته .... و ليس في عشاء عمل محنط .....
أما مالك و أثير .... فكان غزلهما جزءا من فيلم كارتون رومانسي
( ريبانزل ... ذات الشعر الذهبي الطويل و اللص الذي أحبته ....... )
همساتهما و انفعالاتهما ببعضهما وردية ...... نظراته لها متأملة و مبتهجة .... يراها و يضحك منها و هي تأكل من هنا و تتذوق من هناك.....
بينما جاسر و حنين كانا حكاية أخرى .....
حيث نشب بينهما خلافٍ قبل أن يصلا مباشرة .... وهو ما يعرف بالخلاف الإفتراضي ....
حيث كانت جالسة بجواره في السيارة التي يقودها سائقه و هما في طريقهما الى المطعم ....
فمال اليها جاسر هامسا بوله
؛( ألم أقل لكِ كم تبدين جميلة اليوم ؟؟ ......... )
همست حنين محاولة الا يصل صوتهما الى السائق
( لا لم تقل ..... و أمامك ثلاث ثوانٍ فقط لتسمعني شيئا عن جمالي و الا عقابك معي الليلة سيكون عسيرا ..... )
همس جاسر لأذنها فقط
( لا .... لا .... كله الا عقابك , لقد طال الإنتظار و تعب القلب يا زيتونة ....... )
امتعضت حنين وهي تهمس
( باقي ثانيتين و كلمة زيتونة ليست ضمن الغزل المعترف به دوليا ......... )
همس جاسر لها
( و ما ذنبي إن كانت عيناكِ بخضار الزيتون ؟؟ ....... و ما حيلتي و قد عشقت الزيتون من بعد أن عشقت عيناك فاستبدلت التفاح به ........ )
تسللت ابتسامة خائنة من تحت شفتيها الممتعضتين كذبا ... لكنها همست بحزم
؛( باقي ثانية واحدة و ستنام الليلة في المرآب ..........مع المسامير و السحالي البرية )
نظر بسرعةٍ الي الشعر الطويل النائم على كتفٍ واحد ....
الغيرة تقتله من كلِ عينٍ ستقع عليه الليلة .... لقد استطال و سافر مبتعدا ليسبح حتى خصرها النحيل يكاد أن يتجاوزه .... في مثل هذا اليوم من العام الماضي كان شعرها يتجاوز منتصف ظهرها بقليل .... فكيف طال بهذا الشكل الغريب ....
أما آن اليها أن تتعقل و ترتدي الحجاب ؟!! .... من في مثل عمرها قد مضى على حجابهن ما يزيد عن عشر سنوات !! .....
تأفف في نفسه وهو يتطلع شوقا الى ثوبها الجميل المنقوش بورود خوخية وذو الأكمام المنتفخة و المجموعة في رباط أنيق تحت مرفقها ......و الخصر النحيف نحافة خاتمها في اصبعه .....
و عيناها ..... آآآهٍ من عينيها و الكحل يظللهما ببراعة .... فتفتح خضارهما و ظهر بخجل ..... بينما الشفتين المكتنزتين غارتا من خوخات الثوب لتتلون بنفس اللون .....
حفنة مشتعلة من الجرأة و البراءة ........ من المرح و الشرود ..... من ذا الذي يجرؤ على الا يعشقها ؟!! ....
همس أخيرا وهو يميل اليها أكثر ....
( جمالك الليلة .... ألجمني و لا أجد القدرة على الكلام بما يليق به )
زمت حنين شفتيها الشهيتين و كتفت ذراعيها و هي تهمس متذمرة مستاءة
( إنها حجة المتحاذقين و متبلدي المشاعر ........ )
همس جاسر مسترضيا
( بريء ..... لكن لو تكلمت فقد لا يعجبك وصفي )
التفتت اليه هامسة بابتسامة خائنة
( حاول ............ )
فمال أكثر ليهمس بنعومةٍ إنما بخشونة
( أنتِ زيتونة مُخللة ......... )
تأففت حنين بصوتٍ عالٍ وهي تدير وجهها الى النافذة من جديد حتى أن السائق نظر اليها في مرآة السيارة
فهمس جاسر محذرا و مهددا
( هشششششش ....... )
همست له بجفاء دون أن تلتفت اليه
( القي التحية الى السحالي الليلة بالنيابة عني ....... )
فتابع جاسر دون أن يعيرها انتباها
( تفتح شهيتي .... لكن لا تشبعني .... تغيظني بمرارتها , لكن يبقى منها أثرا أحلى من الشهد بعد تذوقها .... تمتع عيني بلونها الأخضر بينما عسلها ينساب عليها فيزيدها بريقا ...... )
ظلت تنظر الى الليل الممتد من النافذة أمامها .... بينما شفتيها فاغرتان .... و قلبها يرقص و أذنيها تطربان بما تسمع .... التفتت اليه أخيرا , لتهمس بغيرة ....
( من علمك هذا الكلام ؟ ......... )
ابتسم لها جاسر ليهمس بحب
( لقد ارتجلته حالا من وحي عينيكِ ..... إنها قصيدتي الزيتونية )
انسابت ضحكة هامسة من بين شفتيها .... فهمست حبا و دلالا
( أهي رشوة ....كي أترك مشروعي و آتي للعمل معك ؟؟ .....أم رشوة كي لا تبيت مع السحالي ؟؟ .... )
ابتسم ليميل الي أكثر و أكثر ..... غير مباليا بسائقه المتلصص , طالما أنه لن يسمع شيئا .... ثم همس
( طبعا كي أبيت في حضن زيتونتي ...... أما العمل , فمشروعك لا بأس به لأنه لا وظائف شاغرة لدي حاليا )
نظرت اليه حنين بإهتمام لتقول
( ومن ستكون مساعدتك الجديدة ؟؟ ........... )
رد عليها ببساطة
( حتى الآن لم تتقدم الشقراء زرقاء العينين باستقالتها ....... )
اتسعت عينا حنين بذهول و هي تهتف مستهجنة
( ياااا سلااااااام !!! ........... لقد انقطعت عن العمل لشهرين دون ابداء أسباب و بعد هذا تنتظر استقالتها !!! ..... الا ترى أنك تبدي اهتماما أكثر من اللازم ؟!!! ....... الا يكفي انك كدت أن تسبب جريمة في العائلة بسببها ؟؟ )
عبس جاسر من لهجتها المتهمة بشيءٍ ارتكبه و يجهله ..... فقال بحيرة
( ومن قال أنني سألح عليها في العمل عندي ؟!!! ..... )
هتفت حنين بذهول
( و تلح أيضا ؟!! .......... )
عقد جاسر حاجبيه ليقول بدهشة
( قلت من قال أنني سألح ؟!!! ..... هل اذنيك سليمتين أم ماذا!!! )
كتفت حنين ذراعيها وهي تلتفت اليه بكليتها قائلة بجدية
( كنت أظن أن الموضوع أصبح منتهيا ........... )
هتف جاسر بحيرة
( و ماذا قلت أنا ؟!! ........ كل ما قلته هو انها قد تنال بعض المعاملة المميزة نظرا لصلة القرابة , فلو أحبت العودة لعملها فسأوافق ..... ظننته جميلا أو معروفا ..... خاصة انها لم تنقطع عن العمل طوال فترة بقائي في المشفى بناءا على أوامرك ......أم نسيتِ ذلك !! ...... )
قالت حنين بجدية و قسوة
( اذن ماذا لو اردت أن أقبل العمل الذي عرضته عليّ؟؟ ........ كيف ستتصرف حينها ؟؟ )
ضرب جاسر كفا على كف وهو يقول حائرا
( آمنت بالله العظيم ....... يا بنت الحلال الى أين نحن ذاهبان الليلة اذن ؟!!! ..... اليس هذا الإحتفال ببدء مشروعك ؟!! )
صممت حنين ضاربة الأرض بقدمها قائلة بجدية
( افترض ........... )
هتف جاسر بعدم فهم
( افترض ماذا تحديدا ؟!!! .......... )
قالت حنين دون رحمة
( افترض أنني أردت الوظيفة التي سبق أن عرضتها علي ...... و افترض أن أثير عادت للعمل لديك ..... فمن منّا ستختار ؟؟؟ ......... )
نظر اليها جاسر و كأنه ينظر الي مجنونة ... ثم قال بهدوء
( لا أحب الأسئلة الإفتراضية ..... إنها لا تصل الي أي نتيجة )
لكن حنين أصرت بجدية
( أنا مصرة ........ افترض و أجبني )
ظل جاسر ينظر الي ملامحها الصلبة لفترة ثم رفع حاجبيه قائلا بهدوء
( حسنا ...... كما تشائين , ...... سأمنحها وظيفتها , أولا لأنها تحتاجها بينما أنتِ لا .... و لا أقصد الجانب المادي خاصة بعد زواجها من ابن عمك ..... ثانيا لأنها لم تفعل شيئا كي أطردها من العمل و أستبدلها بكِ ...... ثالثا لأنني عرض عليك الوظيفة من قبل و أنتِ رفضتها ..... فقبلتها هي على الرغم مما سببته لها من مشاكل .... )
ظلت حنين تنظر اليه غير مصدقة .... ثم همست مبهوتة بخفوت
( لكني زوجتك ....... حنين ......حنين حبيبتك ..... . بهذه البساطة تستبدلني ؟!! )
رفع حاجبيه بذهول
( متى استبدلتك ؟؟؟ ...... و بمن ؟؟؟؟ ...... )
التفتتت حنين الى النافذة هامسة
( لا أريد التكلم في الموضوع أكثر ............ )
نظر اليها جاسر بنفس الذهول ثم هتف أمامه بصرامة
( أسرع قليلا ....... فالجو بات خانقا هنا )
و هاهما الآن جالسان كقضبين متنافرين .... و فم كلا منهما بطولِ شبرين .......
لكن عامة كان كل شيءٍ لطيفا وديعا ........
الى أن رفع عاصم كأس الخروب قائلا بمرح
( نخب مشروع حنين و حور الجديد .......... و عسى أن يكون فاتحة خير عليهما )
حينها هتفت أثير بلهفة
( و أنا معهما ...... لقد نَسِيتَني ......... )
ضحك عاصم عاليا .... ليومىء برأسه و كأنه يسترضي ابنته
( نخب مشروع حنين و حور و أثير معهما ........... )
بينما أمسك مالك بكفها يرفعها الي فمه ليقبلها مبتسما بحنان غير مباليا بالمكان العام ....
بينما التفت جاسر الى حنين بذهول قائلا بسعادة زائفة
( و أثير معهما !!!!!!! ....... ياله من خبرٍ مبهج الليلة !!! ...... )
ارتبكت حنين و هي تطرق برأسها هامسة من بين أسنانها
( الغبية ......... الغبية ...... )
مال اليها جاسر ممسكا بكأس الخروب هامسا لأذنها
( ألف سلامة للخلافات الإفتراضية ........... )
نظرت اليه حنين هامسة بارتباك تحاول أن تكون قدر الموقف
( ليس هذا بيت القصيد ...... كانت لي وجهة نظر أحببت اثباتها بغض النظر أين ستعمل أثير في الواقع ..... )
نظر اليها جاسر نظرة مخيفة .... ثم قال بهدوء
( حسنا يا زيتونة ...... لنا حساب لدى عودتنا ...... فقط اصبري )
ارتجفت للحظات قبل أن يرغمها على ارتشاف الخروب من كأسه هامسا
( اشربي و هدئي أعصابك ..... اشربي )
ابتلعت ببطء ..... و هي تشعر بأنها بالفعل قد تجاوزت حدودها ..... لذا آثرت أن تمرر الليلة على خير و الا تستفزه أكثر ........
أنت تقرأ
بأمر الحب 🌺بـقـلم تـمـيـمـة نـبــيـــل 🌺
Romanceأهو ذاك العذر الذي تتشبث به حين تتسرب الى حياة الآخرين ... متشربين كل ذرة من أرواحهم ... معللين الإمتلاك وكأن العذر مبرر أنه بأمر من الحب حين نراهن لتربح قلوبا.... دون أن ننظر إليها ..... دون أن نشعر بما تنبض به اتحتوينا أم خدعنا أنفسنا من ا...