الفصل الثامن و العشرين :
يذرع الممر الطويل جيئة و ذهابا و هو على حافة بركان ... مضى على خروجها من غرفة الجراحة بضع دقائق و لم يخرج أحد من غرفتها حتى الآن ....
انه يوشك على أن يقتل الجميع في سبيل الإطمئنان عليها
يالهي ... متى أصبحت بمثل تلك الأهمية اليه ... متى أصبحت روحه التي تسكن جسدا غير جسده ....
هل حدث هذا بين يومٍ وليلة ... أم حدث منذ سنواتٍ و سنوات ....
خرج أخيرا الطبيب من غرفة حنين , فاندفع جاسر اليه بقوة دون أن يجرؤ على السؤال , فربت الطبيب على كتفه برفق وهو يقول
( انها بخير الآن ... التصادم كون لها تجمع دموي لكن تم التخلص منه ... أما الجنين فللأسف لم نستطع انقاذه , لقد كان في أسابيعه الأولى و لم يصمد الحمل أمام تلك الردة القوية ....
أنتما لازلتما شابين .. فليعوضكما الله خيرا ...... )
اهتزت حدقتا جاسر و نبض قلبه بأسى و قسوة ... ثم قال أخيرا بصوتٍ متحشرج
( هل يمكنني أن أراها ؟؟ ....... )
اومأ الطبيب وهو يقول
( نعم ... لكن لدقائق فقط , انها مجهدة الآن , بالإضافة الى حالتها النفسية السيئة , لذا ستحتاج الى الدعم منك حاليا )
أومأ جاسر برأسه ... سيعطيها حياته و ليس دعمه فقط ...
أخذ نفسا عميقا وهو يدخل الغرفة لينظر بوجوم و قلب مثقل الي طفلته الصغيرة التي ترقد في فراش المشفى ...
ابتلع ريقه بصمت وهو يراها بعينيها المتسعتين حتى كادتا أن تبتلعا وجهها الصغير كله ... شاحبة لدرجة مخيفة جدا ...
يالهي ... كم اختلف وجهها الآن عنه في الصباح حين كانت مشرقة و متوردة كوردة نضرة .... هل اجتماعه بها له مثل ذلك الأثر القاتل عليها ....
الن تكتفي من الكوارث التي يسببها لها ... لو لم يأتِ لرؤيتها صباحا لما عبرت الطريق دون حرص هربا منه ...
كان مشتاقا اليها ... فقط كان مشتاقا اليها و يود رؤيتها ....
اقترب منها ببطء وهو يخشى أن يخيفها أو يرعبها بمعنى أصح .... نقل عينيه منها الى الممرضة التي كانت تتأكد من تثبيت ابرة المحلول في كفها الصغير .... و الذي رقد بضعف على بطنها المصابة .....
ابتسمت له الممرضة بعطف ثم أومأت له بخروجها كي تمنحه بعض الوقت مع زوجته .....
بعد خروجها أقترب جاسر أكثر , يكاد أن يلامس الأرض البيضاء حتى وصل اليها ... ينظر اليها دون أن تنظر اليه ....
اهتزت عضلة في وجهه و هو يحاول احكام سيطرته على انفعالاته .... ثم همس قبل أن يستطيع منع نفسه
( حنين ...... )
لم يبدو عليها أنها قد سمعته للحظات , ثم ببطء حولت عينيها المتسعتين اليه دون أن تتكلم ... فانحنى اليها بلهفة يمرر كفه على رأسها برفق ... يبتسم لعينيها المحدقتين به ... ثم همس أكثر خفوتا
( كيف حالك الآن ؟؟ ........ )
لم ترد .... طبعا و ماذا ينتظر ردا على سؤالٍ غبي كهذا .... لكنها على الأقل لم تنفجر في وجهه , ... الحمد لله ..
لكن هل هذا فألا طيبا أم العكس ؟ ....
تنهد بتوتر قبل أن يبتسم لها بحنان ناقض خشونة وجهه وهو يمشط مقدمة شعرها بأصابعه هامسا
( لا بأس ..... لا تخافي , المهم أنكِ بخير )
ظلت تنظر الي عينيه قليلا قبل أن ترتجف شفتيها بعجز و تبدأ عينيها في البكاء و هزت رأسها نفيا بضعف وهي تهمس بصوتٍ لم يسمعه للوهلة الأولى
( لا ..... لست بخير )
ثم أغمضت عينيها و اهتزت كتفيها في نحيب مضنٍ صامت .... أفزعه على الرغم من نعومته ...
لذا لم يتمالك نفسه وهو يستلق بجوارها .... رافعا اياها قليلا بحرص ليضمها بين ذراعيه الي صدره بقوةٍ ... تأوهت قليلا الا أنه لم يبالِ وهو يشعر أن ضمها له الآن أهم من أي ألم جسدي تشعر به ...
و ما أن سقط رأسها على صدره حتى انفجرت باكية بعنف كما لم تبكِ من قبل ...
تعلقت بعنقه بضعف و هي تبكي و تبكي ... بينما أخذ هو يضمها الي صدره بأقصى ما يستطيع في حدود مراعاته لكدماتها .... بينما أغمض عينيه بألم يسند ذقنه الى قمة رأسها ...
غير مصدق بأنها تقبل بأن تشاركه ألمها في تلك اللحظة .... و لولا قسوة فقده للجنين الذي طالما تمناه منها بهذه الطريقة المرعبة و على حين غفلة ... لكان طار فرحا بلجوئها اليه و افضائها بدموعها اليه هو دون غيره ...
أقسم في داخله انه لن يخذلها مجددا طالما في صدره نفس يتردد ...
لكن الآن ... كيف يواسيها ؟ ... أنه ليس ضليعا في مثل تلك الأمور .... لذا لم يجد سوى أن شدد من ضمها اليه و
اخذ يتخلل خصلات شعرها بأصابعه و هو يتمتم لها بهمسٍ مختنق في أذنها ....
بمرور الدقائق كانت عاصفة البكاء قد هدأت قليلا ... لتتحول الى تنهيداتٍ ناعمة بعد أن بللت قميصه تماما ...
وهو يلامس بشرتها المبللة كذلك بنعومة لكي تهدأ تماما ....
و أخيرا حين شعر بأنها على استعدادٍ لأن تسمع بضع كلمات ... همس لها بخفوت
( لا بأس حنينتي .... انها ليست نهاية العالم , يمكننا انجاب عشرة أطفال ... بل اثنا عشر , حسب قدرتك على التحمل )
لم يسمع منها ردا ... فشجعه ذلك في حد ذاته لأن يتابع بهدوء
( احد عشر ذكرا .... و بنت ... لتساعدكِ في شؤون البيت و يمكنك تربيتها كما تحبين .... طالما أنها لن تخرج من باب البيت ....
أما الذكور فأنا من سأتولى تربيتهم .... سيخرجون الى العمل معي بجانب الدراسة ... سأصنع منهم رجالا أشداء
أيعجبك ذلك ؟؟
أنتِ فقط تعافي و أنا سأجعلك لا تلاحقين على كثرة الأطفال )
سمع حركة عند باب الغرفة .. فنظر بطرف عينه ليجد عاصم واقفا مكفهر الوجه على وشكِ طرده من جوار حنين ... لذا انتظر هجومه وهو يقسم لو أزعج حنين حاليا فلن يكفيه عمره لحظتها ...
الا أن عاصم ظل ينظر اليه بغضب لكن يتخلل ادراك غامض ... قبل أن يخرج من الغرفة دون كلمة واحدة ....
عاد جاسر لينظر الى حنين التي كانت على وشكِ أن تغفو على صدره .... فابتسم لها بمرارة وهو يقاوم الغصة المؤلمة في حلقه ... قبل أنه يقول لها هامسا
( هل تريدين النوم ؟؟ ....... )
ظن أنه يكلم نفسه لمجرد أن يهدئها صوته ... الا أنه صدم للمرة الثانية برؤية رأسها يتحرك و هي تومىء له موافقة بضعف و عينيها تكاد تنغلقان .....
شعر في تلك اللحظة بتضخم في قلبه ... ... و عرف بأنه لن ينسى تلك اللحظة أبدا , .... دون أن يعرف سببا لتميزها عن غيرها من ملايين اللحظات بينهما ....
فابتسم أكثر قليلا دون أن يفارق الحزن عينيه وهو يهمس
( حسنا ..... نامي , لن أتركك أبدا )
أغمضت حنين عينيها و كأنها كانت تنتظر أمره الهاديء لتستلم للهروب في سباتٍ عميق .. لكن آخر ما سمعته قبل أن تغيب عن الوعي ... هو صوته البعيد جدا وهو يقول
( لقد كنت أريد هذا الطفل أكثر من أي شيء في هذه الدنيا .... و لا يزال سيظل المفضل عندي أبدا )
ثم شعرت بملمس شفتين على كفها قبل أن يضيع العالم من حولها ....
.................................................. .................................................. .........................
خرج جاسر من الغرفة رغما عنه لعدم ثقته في مشاعره وهو معها أكثر من ذلك ... فوجد عاصم مستندا الى جدار الممر واضعا يديه في جيبي بنطاله مطرقا برأسه ...
و ما أن شعر بخروج جاسر حتى رفع رأسه ليقول بخفوت
( كيف هي الآن ؟......... )
أخذ جاسر نفسا مرتجفا قبل أن يقول بثبات زائف
( ستكون بخير ....... )
أومأ عاصم برأسه .. ثم قال بصرامة
( كيف حدث ما حدث تحديدا ؟ ..... )
استند جاسر بظهره الي الجدار المقابل , ملقيا وزنه اليه بتعب وهو يحكي لعاصم ما حدث في ايجاز ..... الا أنه تعجب حين لم تظهر الدهشة على عاصم الذي بدا متجهما لكن .... متفهما .... على عكس ما توقع ...
فقال جاسر بوجوم و كأنه يحدث نفسه
( تبدو و كأنك تعلم حالة غياب الوعي التي أصابتها ....... )
مضت فترة قبل أن يقول عاصم بجفاء ...
( انها عادة ما تغيب عن الوعي ما أن ترى حادثا أو تسمع صيحة أو صراخا ..... انها كذلك منذ ....... )
توقف عاصم عن المتابعة , فسأل جاسر يحثه
( منذ ؟؟ .......... )
قال عاصم بصوتٍ خافت
( منذ ..... حادثة أختك )
تثلجت عينا جاسر و الألم البعيد يعود اليه في لحظةٍ خاطفة ...ليعود و يتوارى خلف الحاضر ... حيث حنين ...
لما لم يفكر من قبل بتأثير المنظر الذي رأته في طفولتها عليها ..... لأنه يحتاج أن يكون قد صنع من حجر كي ينسى ما أصاب أخته ... و يفكر في تأثير ما حدث على أخرى ...
منذ سنوات وهو يحاسب نفسه على ترككه لها و ما تبع زواجهما من كوارث و ما فعله بها .....
لكنه أغلف تماما تلك الطفلة التي أطلت من فوق سور السطح لتنظر برعب الي الأسفل حيث ........
ابتلع ريقه بمرارة و هو يغمض عينيه محاولا تناسي الأمر من جديد ... و كل ما يفكر به حاليا هو حنين و التي من الواضع أنها لم تتجاوز الأمر بعد كل تلك السنوات ....
أفاق على صوت عاصم الذي يسأله بخشونة
( لقد فقدت الجنين .......... )
هل كان هذا سؤال أم اقرار واقع .... أم أنه أكثر من ذلك ,
شعر جاسر بحقيقة الموقف لأول مرة منذ أن سقطت حنين أمامه ... لقد فقدت الرابط الوحيد بينهما و الذي من أجله كانت ستتنازل و تقبل بالعودة اليه ....
فما الذي سيجبرها الآن على العودة !! .....أو يجبر عاصم على الموافقة من جديد !!
هل عادا الي نقطة الصفر من جديد ؟؟ ..... لا والله لن يحدث , لن يسمح بأن تكون الصلة بينهما متمثلة في جنين واحد لم تقدر له الحياة
لذا رد بجملةٍ واحدة على عبارة عاصم رشوان بلهجةٍ قاطعة
( ولكنها لم تفقدني أنا بعد ......... )
.................................................. .................................................. .......................
في اليوم التالي دخل جاسر الى المشفى صباحا بعد أن تركها لمدة ساعة واحدة لا أكثر .... لقد أمضى ليلته معها , دون أن يبالي باعتراض عاصم ... أو حتى زوجة عمها الباكية و التي جائت تتعثر في خطواتها ...
الا أنه أصر عليها في الليل أن تغادر مع عاصم لأنه الأولى في المبيت معها ....
حينها تجهم عاصم و هتف بصلابة بأن هذا لا يجوز و أنه لا مكان له هنا حاليا نظرا للظروف ... و تواجده مثير للشبهات ....
الا أن جاسر كان حاسما وهو يرد بنبرةٍ قاطعة
(بل إن عدم تواجدي هو الأكثر ضررا لها .... فضلا عن أنها تحتاج لوجودي بجوارها , فهي تتعافى من اصابات نتج عنها حالة اجهاض .... لذا وجود زوجها معها أمام أي أحد يعلم بوجودها هنا افضل من بقائها بمفردها ... و أنا الآن آخر اهتمامي هو تفسير وقت زواجنا الغير معلن ...... )
تذمر عاصم و هو ينظر اليه بغضبٍ بالغ .. وهو يشعر مجددا بأنه مقيدا بذلك الأحمق الذي دمر حياة ابنة عمه ولا يزال يدمرها ... الا أنه لم يجد بدا من الرضوخ و تركه معها , ..... كزوجها .....
و أصطحب أمه الباكية المنتحبة معه بصعوبة تكاد تكون آمرة ....
و هكذا أمضى جاسر ليلته معها .... جالسا على الكرسي الصغير المجاور لسريرها ... لم تغفل عيناه عنها للحظة , ....
يراقبها و كأنه يخشى إن نام لدقيقة واحدة فسيفتح عينيه ليجدها قد هربت منه ....
لم يستطع ليلة أمس أن يمنع نفسه من النهوض اليها بين حينٍ و آخر .... لينحني اليها مداعبا شعرها كي يتأكد من نومها ... فينحني اكثر , ليشبع جوعه بقبلاتٍ كادت أن تمزقه من شوقه اليها , و مقدار سيطرته على نفسه كي لا يتجاوز حدوده فيوقظها , لتجده يقبلها بشوق ٍ فترتعب منه ....
ليلةٍ كاملة وهو يغدو ما بين الكرسي و سريرها ... يشبعها قبلاتٍ لا تشبعه ... يبتسم بشوقٍ لشفتيها القريبتين من شفتيه .....
لا تسلم وجنتيها و عنقها من غزو شفتيه كذلك ......
لو ترك نفسه لهواها , لاندفع اليها مغرقا اياها في نوبةِ عشقٍ لا قرار لها .... كيف تثير مشاعره الهمجية وهي في وضعٍ كهذا .... ضعيفة , مصابة . , عاجزة كل العجز ....
تثيره قوتها و جنونها في محاربته ... و يثيره ضعفها و غيابها عنه بنفس القدر .....
تتأوه قليلا من فترةٍ لأخرى ... فيعتبرها تناديه لينهض اليها بسرعة منحنيا الي اذنها هامسا باسمها ... لكنها تئن قليلا قبل أن تستسلم للسباتِ من جديد , فيحررها مبتسما دون أن ينسى قبلته بعد عناء المسافةِ من كرسيه لسريرها ...
و حين أطل الصباح ... بقى الى جوارها و هي لا تزال نائمة كطفلة مجهدة ... يتطلع اليها في ضوء أشعة الشمس الخجولة ... ثم اتخذ قراره بأن يسعدها قليلا .... فانصرف بسرعة ليعود بأسرع ما يمكنه قبل أن تستيقظ فترتعب لوجودها وحيدة ....
وها هو الآن يدخل من باب المشفى تلحقه أعين الممرضات بفرحٍ و سعادة و غيرة .....
بينما كان يشعر بداخله بالإمتعاض من منظره المخزي الذي تهور به دون تفكير طويل .....
دخل ممرات المشفى بحرج و استياء .... فمن كان يتخيل أن يرى جاسر رشيد .... يمسك في قبضة يده خيوط العشرات من البالونات الملونة المتطايرة في الهواء ... و مربوطة معا بشريط أحمر كبير لامع ... في منتصفه دمية دب بني ناعم الفراء ... متمسك هو الآخر بالخيوط جيدا كي لا تطير لأعلى ....
انه يبدو حاليا بمنتهى الغباء .... كانت فكرة فاشلة لا تتفتق الا عن المساكين ذهنيا ....
هذا كله نتيجة ليلة أمس العاطفية الحزينة والتي قضاها معها وهو يقبلها بحرية دون أن يمنعه أحد ..... ليستيقظ وهو مصاب بتلك النوبة الشاعرية الحمقاء و الرغبة في رؤية ابتسامتها .....
لكنه إن كان متأملا في أن يرى ابتسامتها .... فقد خاب أمله ....
فما أن دخل غرفتها حتى فوجىء بها مستيقظةٍ ما بين الرقود و الجلوس .... تتطلع الى النافذة بشرود , و ما أن رأته حتى تجهمت و ارتدت نفس نظرة الكره العتادة له
تنهد جاسر باحباط .... على الأقل قد عادت الي طبيعتها و هذا مؤشر حسن لصحتها .....
دخل جارا البالونات خلفه و التي ما أن رأتها حتى اتسعت عيناها بصدمة وهي تنظر بتوجس الي ما ينتويه بتلك البالونات ....
اقترب منها جاسر ليهمس بحبور
( صباح الخير ...... كيف حالك اليوم ؟ )
أخذ نفسها يتعالى بكرهٍ وهي تنظر اليه شزرا ثم قالت تبصق الكلمات في وجهه
( مالذي أتى بك الي هنا ؟ ..... أملت أن أكون قد تخلصت منك للأبد )
تجمدت ملامحه و تسمر مكانه بلا أي تعبير ... وهو يسمعها تلقي بأكبر مخاوفه حاليا عفويا و دون قصد ...
الا أنه أخفى مشاعره بمهارةٍ وهو يتصنع المرح مقربا البالونات بجوار سريرها
فألقى الدمية الدب أرضا , لتستقر جالسة هناك ممسكة بالخيوط و تمنع البالونات من التطاير بالغاز الخفيف حتى سقف الغرفة ....
نظرت حنين الي البالونات بطرفِ عينيها ثم هتفت بجنون
( ما تلك الأشياء السخيفة التي تحملها معك ..... أتظن نفسك مضحكا ؟؟ )
تظاهر جاسر بالدهشة وهو ينظر بخاطرٍ منكسر منها الي البالونات ..... ثم اقترب ليجلس بجوارها على السرير دون استئذان , ليلف ذراعه خلف ظهرها , جاذبا اياها الي صدره مفاجئا إياها , لكنها صرخت ما أن وجدت صوتها ....
( ابتعد عني ....... )
الا أن حركتها أوجعت جروحها المتخلفة عن الإجهاض بالإضافة الي بطنها المصابة بكدمة داخلية ..... فتأوهت مغمضة عينيها ....
حينها شدها الي صدره أكثر و برفق .... مبعدا شعرها المتساقط على وجهها بأصابعه هامسا بجديةٍ في أذنها
( توقفي عن إيذاء نفسك ...... )
صرخت وهي تحاول التلوي بضعف بين ذراعيه
( ما يؤذيني هو قربك مني ...... ابتعد عني , لا أطيق لمستك لي )
ابتلع ألمه بصعوبة ....انها ناجحة تماما في رميه بكلماتها السامة و التي تصيبه في مقتل .... لا بأس ...
المهم أنها بخير .... هذا كل ما يهم حاليا ....
فشدها الي صدره برفق وهو يلامس بيده الأخرى خيوط البالونات فتتلاعب برقةٍ حول بعضها ....
ضم رأسها بكفه الي كتفه بالقوة وهو يدعوها للنظر الي البالونات .... ثم قال متأملا وهو ينظر اليها كذلك
( الا تعجبك ؟؟ .......... )
هتفت حنين بغضب و هي تحاول أن تنزع رأسها الا أن كفه كانت تعوق حركتها اليائسة
( انها مقرفة ......... )
تظاهر جاسر بالجرح و هو ينظر اليها مقطبا , .... ثم عاد لينظر الي البالونات بحزن ليقول
( كنت أظن أنها ستعجبك ...... لكن طالما أنها تثير غضبك بهذا الشكل يمكننا التخلص منها ببساطة )
و قبل أن تسأله عما يقصده , كان قد أخرج مديته من جيب بنطاله .... و دون انتظار فجر احدى البالونات بطرف سنها ....
انتفضت حنين من تحت ذراعه من صوت انفجارها ....
ثم انتفضتت مرة أخرى حين فجر واحدة ثانية .... فصرخت بحنق
( توقف عن ذلك ........ )
الا أنه فجر واحدة أخرى .... ثم اثنتين معا , حينها انهارت أعصاب حنين و هي تهتف بجنون
( توقف .... توقف , لا أحب ذلك الصوت )
توقف جاسر عما يفعل لينظر اليها مبتسما وهو يقول ببشاشة
( اذن ...... هل تريدينها , ام أتخلص من الباقي ؟ )
قالت من بين أسنانها تتميز حنقا و غيظا
( اتركها في أي زاوية ..... و ابتعد عني من فضلك , الا ترى أنني متعبة ..... الا يوجد في قلبك ذرة رحمة ؟ )
ادخل مديته في جيبه ,,ليمد يده و يرفع ذقنها لتنظر اليه ....
مرت عدة لحظات و عيناه تسبحان في خضار عينيها الداكن السري .... و رأسه ينخفض اليها ببطء , فتسمرت مكانها ترتعد و شفتاها ترتجفان بوضوح ....
لكنه لم يقبلها ... بل توقف على بعدِ شعرةٍ من شفتيها ليهمس بهدوء
؛( حين أجلب لكِ شيئا مجددا ..... تشكريني بكل أدب ووداعة , لا أحب أن أرى أمتعاضك هذا كثيرا ...... )
ثم كشر بفظاظةٍ مداعبا ... لعينيها الخائفتين ... فابتلعت ريقها بضعف ....
ورفع كفها الضعيفة و المنغرزة ابرة المحلول بظاهرها .... الي شفتيه ليقبلها برقةٍ ليتبع تلك القبلة بعدة قبلاتٍ على كلِ اصبعٍ من أصابعها .....
كم هو متفائل ... وماذا يقصد ؟ ..... أنه سيجلب لها الكثير من الأشياء ؟؟ .....
نعم ... فهو يجلب لها الأذى و المرار .... و رفع ضغط الدم .... بالإضافة الي القدرة الخارقة التي تنبعث بداخلها على كره انسان .... وهو ما لم تعرفه مع احدٍ سواه ....
ليلة أمس ... ليست واضحة أمامها تماما ... لكن بعض اللحظات الخاطفة تتراءى لها .... كلما فتحت عينيها ... تصطدم برؤيته جالسا يحدق بها من على كرسيه ... لكنها لا تتذكر شيئا بعد تلك اللقطات ... سوى بعض الأحلام .... وهو ينحني اليها ليداعبها و ......
عقدت حاجبيها بفزع و هي تنفض الفكرة من رأسها .... لن يجرؤ على ذلك , مهما بلغت حقارته ....
أن يتقرب منها و هي في غير وعيٍ منها ..... لكنها تقريبا تشعر بملمس .... شفتينِ تغزوانِ شفتيها ... مرارا ....
نبض قلبها بعنف و هي تعلم بيقين أنها لن تتأكد يوما إن كان ذلك حقيقة .... ام مجرد كابوس .....
همست بقوةٍ وهي تحاول الهروب مما تفكر به ... ومن وجوده بقربها ....
( متى سأخرج من هنا ....... أريد العودة الي بيتي )
للحظاتٍ لم تسمع منه ردا ... فتجرأت على النظر اليه , لتجده ينظر اليها بتعبيرٍ غامض غير مقروء ... و حين تكلم أخيرا ... قال بصوته العميق
( و بيتك ينتظر عودة صاحبته بفارغ الصبر .......... )
عضت على شفتها بقلق وهي تنظر اليه بغضب ثم قالت حين لم تستطع أن تمنع نفسها
( أي بيتٍ تقصد ؟؟ ........ )
قال دون أن تهتز عضلةٍ في وجهه الصلب
( وهل لكِ سوى بيتٍ واحد ؟؟ .... انه البيت الذي طالبتي بأن يكون ملكك )
هتفت حنين بخوف وهي تحاول التحرر من ذراعه الحديدية
( أنت تتوهم إن ظننت بأنني سأخرج من هنا الي بيتك ........ )
الا أنه شدد عليها أكثر و ازدادت ملامحه قسوةٍ في لحظةٍ خاطفة ..فارتعدت .... لكنه لم يلبث أن أرخى ملامحه و ذراعه حول كتفيها قليلا و قال مصححا بهدوء
( بيتك أنتِ .... و لو كنتِ كريمة الأخلاق فستسمحين لي بتلقيبه ... بيتنا )
تشنج جسدها لا اراديا .. فاحنى رأسه ليقبل جبهتها برقةٍ وهو يهمس ملامسا بشرتها بشفتيه الدافئتين
( لا بأس ... لا داعى للتوتر حاليا , .... لم نسأل الطبيب بعد عن موعد خروجك ... حينها سوف نقرر بهدوء متى ستعودين معي الي بيتنا )
أغمضت عينيها بتشنج ... و جسدها يتحول الي لوحٍ جليدي بين ذراعيه ... ثم همست بتوتر من بين أسنانها
( أين عمتى ؟؟ .... و اين عاصم .... لماذا لم يبقى أحدا منهما معي )
ربت على وجنتها بنعومةٍ يهدئها ثم قال بخفوت
( لقد أصريت عليهما أن يغادرا لأبقى أنا معكِ .... حيث مكاني المنطقي )
تأففت حنين بقوةٍ و نفاذ صبر .... بينما قلبها المرتجف لا يتناسب مع فظاظتها الظاهرية ...
بينما تابع جاسر مغيرا الموضوع وهو يهمس بين خصلاتِ شعرها المتناثرة حول وجهها المحني هربا منه ...
( أتعلمين .... لقد اضفت بعض التعديلات للبيت , .... ستأسرك ما أن ترينها .... أتريدين معرفة بعضها ؟؟ )
لم ترد حنين ... و لم ترفع راسها اليه ... لكن تغير سرعة نفسها و خفقان قلبها تحت كفه مباشرة شجعه على أن يتابع بهدوء
( لقد أضفت السمك الملون للنافورة في الحديقة الخلفية ... و التي تطل عليها غرفتنا , ستستيقظين كل يومٍ لترينه أمامك .... , كما وضعت طائري كانريا صفراوي اللون في فقصٍ مزين بغرفتنا كذلك ... لكنهما مزعجين للغاية لذا فقد قررت نقلهما للطابق السفلي ..... يمكنك اللعب معهما صباحا ....
و صنعت أرجوحة لكِ .... و يمكنك أن تسمحي للصغار بأن يتأرجحون بها إن أردتِ ....
أما في الطابق العلوي .... فقد جهزت غرفة أطفال كاملة ... لم أجهزها بنفسي , بل أسندت الأمر لأحسن مصمم في البلد ...
ما أن دخلتها حتى خاطبت ابني سرا و قلت له " أصبحت لك غرفة ... لم يحلم أباك بدخول مثلها يوما أيها الوغد الصغير " ...... )
رفعت رأسها اليه تنظر له بشراراتٍ حانقة , فابتسم لعينيها و تابع بهدوء فظ
( اسمعي ..... أنا لست بارعا في أمور المواساة و تجنب الاحاديث المؤلمة و كل تلك الأمور العاطفية السخيفة ...
لذا لن أمتنع عن وصف الغرفة لكِ لمجرد أنكِ قد فقدتِ الطفل
ستكون هذه الغرفة من نصيب طفل محظوظ جديد ... ثم آخر ... ثم آخر ... ثم أخرى .... الي أن نقسم يوما أننا قد اكتفينا أطفالا ..... )
تنهدت بغضب و همست بفحيح من بين أسنانها
( الا تمتلك ذرة مشاعر انسانية ........... لقد فقدت طفلة للتو , و ها أنت تكلمني عن المزيد من الأطفال ... منك أنت !!!! ... )
عقد جاسر حاجبيه وهو يقول بحيرة
( ممن اذن ؟؟!!! ............. )
تأففت حنين و أدارت وجهها الي النافذة و همست بمرارة
( وفر كل ذلك العناء عن نفسك ..... لم يصبح هذا البيت بيتي بعد )
مد جاسر يده الى ذقنها ليعيد وجهها اليه قائلا بصوتٍ عميق ارسل رجفة في أوصالها
( سيصبح خلال أيام ... ما أن تستعيدين صحتك بالكامل , سأفي بوعدي ... و أنتِ ؟؟ ..... )
تجرأت على النظر اليه لتهمس بكره
( أنا ماذا ؟؟ ......... )
رد جاسر بلهجةٍ تحمل ألف معنى
؛( هل ستفين بوعدك .... و تعودين اليّ أمام العالم كله ؟؟ )
صمتت لفترة طويلة و هي تطالع عينيه المدققتين فيها بقسوة ... و حين طال صمتها قال بهدوء حاسم
( مكانك ليس معهم يا حنين ... أيامك في بيت رشوان أصبحت أيام ضيافة منذ قترة طويلة ... و أنتِ تزيدينها يوما بعد يوم .... بينما بيتك ينتظرك مفتوح الأبواب لكِ )
ثم قال بهدوء ظللته بعض القسوة
( و فقدانك الجنين لن يغير شيء من قبولك ....... )
هل هذا تهديد ؟؟ .... ارتعد جسدها الهش بين ذراعيه و اتسعت عينيها للحظة ... فابتسم بمرح و تحولت نظراته لنظرات عميقة السواد كادت أن تبتلعها وقال بصوتٍ عاد الي صفائه
( اليس كذلك ؟؟ ...........)
خرج نفس مرتجف خائف من بين شفتيها المرتجفتين ثم أغمضت عينيها يأسا وهي ترجع رأسها للخلف بتعب ... لكنها لم تجد ظهر السرير ... بل كانت كتفه في انتظارها ...... مما زاد يأسها ....
.................................................. .................................................. ........................
تنظر الي اسمه المضاء ليلا في ظلمة غرفتها ... منذ اسبوع وهو يتجاهلها تماما ... وكأنه علم بالأمر !!! ....
من ذلك اليوم الذي اعادت فيه خاتم الخطبة الي اصبعها ليلا ..... و خلعته صباحا ....
حين اتجهت للعمل , لم تجد منه اي ترحيب .. ولا حتى معاملة عادية كأي زميلة له , مما جعلها شعورها باهتمامه بها يتقوى أكثر و أكثر ....
هل ما تفعله يعتبر دنيئا الي تلك الدرجة التي تجعلها تشعر بالحقارة من نفسها و لا تطيق أن تنظر الي صورتها في المرآة ...
لكنها كلما أعادت التفكير في الأمر ... أعادت لنفسها سؤال حور المنطقي ....
لماذا تشعر بالحقارة ؟؟ .... ومن تخون ؟؟؟ .....
فليس بينها و بين عمر أي شيء لتخون به نائل ..... و أيضا ليس بينهما شيئ يجعل عودتها لنائل تعد خيانة لعمر ........
انها لا تخون كليهما اطلاقا .....و اخفاء امر خطبتها تعتبره فترة اختبار لنائل جزاءا لما فعله بها الى أن يثبت بأنه أهلا لها ....
اليس كذلك ؟؟؟؟
مدت اصابعها المرتجفة تريد أن تلقي عليه التحية و التي ضن عليها بها طوال اليوم , الا أنها كانت خائفة من أن يصدها ... و هي لم تعد تحتمل المزيد من القسوة من أي انسان ....
ارجعت يدها مرة ثانية ... مستلقية على جانبها , تحدق في الشاشة المضيئة بقوة في الظلام ....
تكلم .... اكتب اي شيء .... عاتبني .... اصرخ بي أو افعل أي شيء .....
لا تكن كلوح الخشب .......
حين شعرت بأن أعصابها على وشكِ الانهيار .... مدت يدها مجددا سريعا ثم كتبت قبل أن تتردد
( مرحبا !! ....... )
انتظرت قليلا ... طويلا .... طويلا .... وهي ترى كلمة ( تمت رؤية الرسالة ) ....
لكن لا اجابة ....
يجب على موقع التواصل الاجتماعي أن يوفر تلك الجملة التابعة
( تمت رؤية الرسالة .. الا أن المرسل اليه لم يهتم و لم يعبرك بالرد )
انتظرت و انتظرت .... لكن بلا أمل ..... حتى امتلأت عينيها بالدموع التي شوشت الرؤية أمامها تماما حتى اختلطت الحروف ببعضها ....
ثم فجأة رأت الكلمة التي زادت من ضربات قلبها حد الألم وهي ( جاري الكتابة )
استقامت جالسة تنتفض ... انه يرد عليها .... انتظرت .... انتظرت ....
ماذا يكتب كل ذلك ؟؟ ..... قصيدة أم معلقة ؟؟ ..... هل يعاتبها بمنتهى الشوق ؟ ..... أم هل سيترجاها مطولا و مستعرضا .....
انتظرت .... وهي تقضم أصابعها بخوف الى أن وصلتها رسالته أخيرا
( مرحبا ........ )
مرحبا !! .... هل هذا هو ما أبدع في كتابته عمرا بأكمله حتى أتلف أعصابها ......
ردت عليه بأعصاب مستنزفة
( كيف حالك ؟ .... لم يعد يتسنى لنا الحديث طويلا في العمل )
اضطرت للانتظار مطولا ... حتى رد عليها مجددا
( لا أحب أن أشغلك عن عملك ... و عن حياتك )
و عن حياتك .... جاءت في سطرٍ منفرد و كأنه يريد أن يخبرها بقراره في الخروج من حياتها ....
لم تستطع تحمل الألم وهي تكتب له برجفة حزن
( لم تعد تسألني عن أحوالي .... و عن حياتي .... و عن .... آخر ما آلت اليه أموري )
رد عليها
( تركت لكِ الوقت لتقرري .... )
كتبت له بارتجاف
( لكني .... كنت أحتاج لرأيك )
فرد عليها بحروفٍ جليدية
؛( انها حياتك ... و أنتِ وحدك من تستطيعين مساعدة نفسك ... لن يساعدك أحد , ولا حتى أيا من
( فرصك العديدة )
الزواج ليس عبارة عن عملية انقاذ ...... )
ابتسمت بحزن وعشق ... حتى وهو يلفظها من حياته , ينصحها للمرة الأخيرة
كتبت له بترجي
( أرجوك ..... لا تتركني هكذا , حتى لو لم ترد أن تشاركني في قراري لكن على الأقل لا تحرمني من صداقتك )
انتظرت قليلا تكاد تلتهم الثواني التي تفصلها عن رده ... الى أن وصلها أخيرا
( أنا بجوارك دائما يا رنيم .... ما أن تحتاجيني , ستجديني أمامك في لمح البصر )
ابتسمت و أفلتت منها ضحكة معذبة قصيرة .... في نفس اللحظة التي افلتت منها دموعها و شهقة بكاء مختنقة ...
.................................................. .................................................. ...........................
ما أن دخلت الممر المؤدي الي مكتبها صباحا حتى تسمرت مكانها و هي تجده واقفا عند الباب في انتظارها يتكىء على الجدار ....
ارتجفت و نبض قلبها بعنف ما أن رأته ينظر اليها مبتسما بحنانٍ خشن .... لم تكد تمر بضع ساعات على محادثتهما سويا ....
عادت لسيرها متعثرة و هي تشعر بأن عرجها أصبح شديد الوضوح أمام عينيه المحدقتين بها ....
تطوفان بها من أولها لآخرها ... و تشعرانها بأنها أميرة تتهادى ... دون أن يشعرها بأنه ينهش من جسدها ... احساس غريب و كأنه يرى روحها تتهادى ....
و عيناه تبتسمان أكثر مع كلِ خطوةٍ تخطوها تجاهه ....
بينما احمر وجهها أكثر و أكثر حتى بدت مثيرة للشفقة ... و كي تكمل صورتها الحمقاء كل زوايا الغباء ... ما أن وصلت اليه و ابتسم لها مرحبا ابتسامته الأخاذة حتى اختارت تلك اللحظة لتتعثر ساقها السليمة في ساقها العرجاء فانكبت عليه وهي تعلم في جزءٍ من اللحظة أنها ستقع على الأرض لا محالة ...
لكنها وجدته في لمح يندفع ليمسك بها من تحت ذراعيها كالأطفال ... الا أنها كانت قد انزلقت بفعل كعبي ساقيها العاليين وهما يخدشان الأرض المصقولة بجنون و هي تحارب للتوازن دون جدوى ....
بينما كان عمر منحنيا وهو تقريبا يحملها من تحت ذراعيها ضاحكا بمرحٍ بم تره على ملامحه من قبل ... مما أثار جنون غضبها وهي تصرخ
؛( توقف عن الضحك و دعني أستقيم ........ )
قال عمر بصعوبةٍ من بين ضحكه العالي حتى دمعت عيناه
( ربما إن توقفتِ عن المحاربة و التزلج على الأرض بهاذين السنّين الرفيعين كإبرتين .... ستستطيعين النهوض حينها )
زفرت رنيم بنفاذ صبر و تشبثت بذراعيه وهو لا يزال ممسكا بها الأطفال ... و نجحت أخيرا في تثبيت كعبي حذائها كمخالب القطة على الأسطح الناعمة في أفلام الكارتون .... ليحملها عمر في حركة واحدة بكفيه حتى استقامت واقفة تلهث أخيرا .....
كان عمر لا يزال يضحك و قد فقد القدرة على التوقف .... حتى ضربته رنيم على ذراعه بقسوة وهي تهتف بغضب
( توقف ..... هذا ليس مضحكا , أنت تسخر من اصابتي )
ازال عمر يديه على مضضٍ لم تلحظه و اللتين انزلقتا الي خصرها ما أن وقفت .... فأخذت تعدل من سترتها بنفاذ صبر و هي تزفر غضبا , ثم دون كلام تجاوزته لتدخل الي مكتبها متجهمة محمرة الوجه ....
الا أنه لحقها بسرعةٍ وهو يقول ببساطة
( أنتِ يا آنسة ..... ماذا فعلت لتتركيني هكذا ؟ ... هل هذا جزائي لإنقاذك من الوقوع على وجهك , .... من يرك الآن لا يسمعك بالأمس و أنتِ تترجينني قائلة
أرجوك يا عمر لا تتركني .... أرجوك يا عمر لا تتخلى عني )
قال الجملتين الأخيرتين وهو يقلد صوتها الأنثوي بدلالٍ و طفولية ...
فنظرت اليه مذهولة وقد تحول احمرار وجهها الي احمرار غضب و جنون و هي تهتف
( أنا لم أقل ذلك .... و أنا لا أتكلم بتلك الطريقة السخيفة ..... نحن لم نتكلم أصلا بالأمس , لقد كنا نتحدث كتابة , فكيف سمعت صوتي و أنا أتكلم بتلك الطريقة الحمقاء )
عاد عمر للضحك عاليا وهو يراها توشك على فقد أعصابها من استفزازه لها و الذي نجح بمنتهى البساطة ....
تأففت رنيم مجددا و هي تتركه لتلقي بأغراضها على سطح المكتب ....
وهمت بأن تجلس و تتجاهله ... الا أنه أمسك بذراعها ما أن مرت بجواره , ليديرها اليه برفق و قد خفت ضحكه الا أن الابتسامة لم تهرب من عينيه و من على شفتيه وهو ينظر في عمق عينيها المذهولتين المرفوعتين اليه
ظل ينظر اليها قليلا قبل أن يهمس بحنان
( أنتِ تعلمين طبعا أنني من المستحيل أن أسخر من اصابتك ..... اليس كذلك ؟ )
أومأت رنيم برأسها دون وعي و كأنها منومة مغنطيسيا بفعل قربه منها و امساكه بها قبل أن تهمس بطاعة
(نعم ........ )
أومأ عمر برأسه هو الآخر مبتسما ثم قال بخفوت
؛( جيد ....... )
ثم سكت قليلا قبل أن يقول بلهجةٍ لم تسمعها منه قبلا
( لأنني على العكس تماما .... اراكِ مميزة بطريقة تثير الاعجاب )
همست رنيم وهي لا تزال خارج نطاق المنطق
؛( توقف عن ذلك ............ )
مد يده ليبعد خصلة شارده متطايرة من شعرها ... دون أن يلمسها حقا , لكن الخصلة الناعمة تطايرت للخلف من بين اصبعيه لترتاح مع باقي شعرها ....
ثم همس بهدوء واثق
( لما أتوقف ؟ ..... أنا معجبا بكِ , الا تعلمين ذلك ؟؟ )
همست رنيم دون فهم , لكن بصراخ قلبٍ عاجز
( لا .......... )
تابع عمر مبتسما
( اذن يجب أن تعلمي بأنني معجبا بكل ما يحيط بكِ ..... مشيتك التي تكاد تلامس الأرض و تمايلك الذي لا تملكين القدرة على ايقافه و أنتِ بكل حماقة تظنينه عيبا ....
و .......... )
كادت أن تستغيث باكية متضرعة حين توقف فجأة وهي تقول بلهفة لم تستطع اخفاؤها
( و ..... ماذا ؟؟ .... لماذا توقفت ؟؟ )
اتسعت ابتسامة عمر وهو يقول ببشاشة
( الم تطلبي مني أن أتوقف ....... اذن يجب أن أمتثل لطلباتك , يكفيكِ اليوم هذا القدر من المعلومات ..... لا تكوني طماعة ..... )
ثم تركها ليخرج الا أنها نادته بعذاب
( عمر ....... )
وحين التفت اليها , همست بتضرع
( ماذا تقصد ؟؟ ....... أنا لا أفهمك )
شملت ابتسامته كل ذرةٍ من ملامحه وهو يقول بخفوت متنهد
( سأعمل منذ اليوم على إفهامك ما أقصد ....... و ما أريد )
ثم انصرف خارجا .... تاركا إياها تلهث من عنف مشاعرها ... من ذعرٍ و ذهول ... و عدم تصديق , ... أو ذعرا من التصديق .... لا يمكن أن تكون تتوهم الآن .... مستحيل ....
جرت على ملاذها دون تفكير .... لترتمي على كرسيها , ملتقطة هاتفها تبحث بعشوائية عن اسم ..... حوور ....
.................................................. .................................................. ............................
بعد مرور عدة أيام قليلة من بقائها في المشفى .... بناءا على رغبة زوجها و اصراره , على الرغم من أنها كان من الممكن أن تخرج قبل هذا الموعد بيومين ....
الا أنه حين أصر حازما صارما .... لم يستطع أحد منعه , حتى عاصم رشوان ... الذي فضل القبول بغضبٍ موقود على أن يستلم لعندٍ لا مبرر له حاليا وقد يكون في غير مصلحة حنين ....
بينما لم يعلم أحد أن السبب الحقيقي في اصرار الزوج بشراسةٍ على بقائها يومين آخرين .... هو استمتاعه بتلك الساعات التي يسرقها من الزمن ببقائه معها و مراقبتها ليلا و هي نائمة ....
على الرغم من استعادتها لرفضها و نفورها منه ... الا أنها لم تكن لتفتعل فضيحة في المشفى ... خاصة و قد أعلن للجميع ... حتى عاملات النظافة , أنها زوجته .... و كأنهم كانوا يحتاجون الى تأكيده من الأساس !!!!
كانت تراقب مرحه و انبساطته وهي تتميز غيظا و قهرا .... لا أحد يشعر بها .... لا أحد يدرك ما تعانيه .....
لقد فقدت طفلة للتو .... وها هو يتعامل بكل أريحية مع الجميع دون أن يحمل للدنيا ذرة هم .....
لكن بعد أن مر اليومان كحلمٍ سريع بالنسبة له ... و ككابوس مريع بالنسبةِ لها .... لم يستطع أن يمنع خروجها ,
وكم تغير مرحه و انطفأ شعاع عينيه .... و عاد ليرتدي القناع الحجري من جديد ...
كانت حنين جالسة على حافة فراشها ظهرا ... و هي تنتظر أن يأتي عاصم أو مالك ... مع زوجة عمها لإصطحابها ... لكن مرت ساعة قبل أن أن يحضر أيا منهم ....
كان الوقت يمر ببطء فظيع و هي جالسة بوجوم مطرقة برأسها ... تتدلى ضفيرتها الطويلة على أحد كتفيها ... تلك الضفيرة التي عرضت عليها الممرضة الطيبة المتوسطة العمر أن تضفرها لها ما أن رأت حنين تجاهد مع شعرها الطويل حتى تعبت ذراعاها المنهكتان المصابتان بالكدمات ....
و ما أن انتهت حتى ساعدتها على ارتداء ثوبها البسيط الذي جلبته لها زوجة عمها من يومين ....
و كم بدت شديدة الهشاشة و الضعف ... و هي محنية الرأس كزهرةٍ ذابلة ....و هي جالسة على الحافة بجوار حقيبتها الصغيرة المحتوية على بعض أغراضها .....
هذا هو ما فكر به و هو يتأملها خلسة قبل أن تنتبه لوجوده ..... كان يشعر و كأنه سيقتلع جزءا من روحه وهو يرجعها الآن لبيت عمها من جديد ....
كم كانت الليالي الماضية غالية على قلبه ... اعتاد أن يراقبها أثناء نومها و يسمع تنهداتها و أنينها ...
طبعا هذا بعد أن يعود للغرفة ... بعد نومها ,... و بعد طردها له من الغرفة كل ليلة .... فلا يعود الا بعد أن يطمئن لأنها قد راحت في سباتٍ عميق .... حينها يأتي وقته الخاص معها ...... وهو يجلس على كرسيه المجاور لها ... مسندا ظهره ... مكتفا ذراعيه ... مادا ساقيه .....
يراقبها بشبه باتسامة حزينة ..... بعد أن يكون قد تحرر من قيود المرح الزائف الذي يفرضه على نفسه طوال اليوم كي يرفه عنها دون جدوى .....
تماما كما يراقبها الآن .... لكن الفارق انها مستيقظة ... ذابلة .... هشة و قابلة للعطب.... هذا إن كان فيها شيئا ما لا يزال سليما قابلا للعطب حتى الآن ....
كم تبدو وحيدة و حزينة .... و كم يرغب لو أخفاها بين ضلوعه لعله يمتص ألمها ليأخذه هو بدلا منها .....
اعتدل في فوقفته ... ليقرر أن يدخل اليها بعد أن أشفق عليها تماما من طول انتظارها وحيدة ...
رفعت حنين رأسها اليه ما أن أحست بخطواته الى الغرفة ....
حينها راقب انطباعاتها ... من دهشة ... لتقطيب ... لغضب ... و حتى الانكسار المعهود اليه الذي يراه في عينيها كلما نظرت اليه ....
ابتلع بؤسه وهو يرسم قناع المرح الأحمق قائلا بثقة
( هل تأخرت عليكِ ؟ .......... )
قالت مباشرة بلهجةٍ جافة ... مخدوشة
( اين عاصم و عمتي ؟؟ ..... لماذا لم يحضرا لإصطحابي ؟؟ )
اتسعت ابتسامة جاسر , الا أنه هز كتفيه بلا مبالاة .. وهو يقول ببساطة
( لقد كان عاصم منشغلا .... لذا رحب بأن أقلك أنا ... بينما زوجة عمك فضلت أن تنتظرك بالبيت , خاصة أن عاصم لن يأتي و هي لا تطيقني ... لتوافق بأن أحضرها معي الى هنا ..... )
اقترب حاجبي حنين قليلا دون أن ينعقدا ... بينما مالت عيناها بشرودٍ مرير و ارتجفت شفتاها قليلا و هي لا تجد القدرة على الرد .... بينما الإحراج بدا و كأنه سيلتهمها و الحزن يسانده ...
حينها لم يطاوعه قلبه وهو يندفع اليها ليجثو أمامها ممسكا بركبتيها قائلا بابتسامة حنونة
( حسنا .... أنتِ طيبة و تقعين في الفخ بسهولة , .... ليست تلك حقيقة الأمور ,في الواقع لقد نشب بيني و بين عاصم شجارا مجددا حول من سيصطحبك للبيت ... و كان هو مصرا بأنه لا يريد رؤيتي مجددا ... فأخبرته بأن يأخذ رغبته تلك ليبللها و يشربها .... و سأعفيك من باقي الألفاظ ... لذا اضطر في النهاية للتسليم بأن زوجك هو من يجب أن يحضرك من المشفى .... ثم اخذ على عاتقه مهمة اقناع أمه )
عقدت حنين حاجبيها و ضيقت عينيها بكرهٍ عاد لينبعث في عينيها بكل قوة ثم مدت كلتا يديها كي تدفعه لعله يسقط أرضا الا أنه بدا كسورٍ حجري ضاحك بخفوت ... فهتفت بمرارة
( اولا ... أنت .... أنت .... أنت ........ )
ابتسم جاسر بعطف و شفقة قبل أن يساعدها وهو يجذبها من ضفيرتها قليلا
( ما رأيك بأن تدخلي على ثانيا ... قبل أن تسبب أولا, اختناقك ...... )
عادت لتدفعه بجنون
( ثانيا اسمها والدته .... و ليست أمه , إنها زوجة عمي و هي بمثابة أمي , لذا يجب عليك أن تحترمها و لا تقلل من شأنها من الآن فصاعدا ......... )
لم يضحك بحماقة كما تعودت منه .... و حين طال صمت مريب نظرت الى عينيه لتجده صامتا محدقا بها بجدية بينما عيناه تبرقان بسعادة غريبة ....و يده تتحرك ببطء على نعومة الضفيرة
الى أن قال أخيرا مبددا الصمت ....
( تريديني أن أحسن معاملتي لأمك من الآن فصاعدا ..... هل هذا معناه أنكِ قررتِ متابعة مشروع زواجنا برغبتك رغم ما حدث ؟؟ )
لم ترد حنين لفترة طويلة وهي تنظر اليه بقسوة .... ثم قالت أخيرا متهكمة بسخرية مريرة
( قررت .... متابعة مشروع زواجنا ؟؟!!!! )
ثم تابعت بأشد قسوة
( وهل تركت لي أي مجال لاتخاذ أي قرار بإرادتي ؟؟ ..... أم أنك نسيت بأنك قد تكرمت و تابعت بنفسك مشروع زواجنا قولا و فعلا ....... )
تجمدت عيناه و تسمر مكانه... و شعرت بيده تشتد على ضفيرتها قليلا حتى خافت أن يقتلعها ..... , ثم قال بلا تعبير بعد صمت طويل
( أنتِ لا تنوين ترك الأمر اليس كذلك ؟ ..... تنتهزين كل فرصة لطعني به منتهى السادية , حتى بدأت أشعر بأنني اختطفت فتاة و اغتصبتها ..... )
رفعت عينيها الى عينيه ... لتنظر اليه بعدم استيعاب , ثم همست بقسوةٍ مريرة
( وهذا ما فعلته ..... , فلا توهم نفسك بغير ذلك )
مد يديه ليمسك بذراعيها بقوةٍ وهو يهزها قليلا ... قائلا بنفس القسوة
( أنتِ زوجتي ..... زوجتي ... آن الأوان لتضعي تلك الكلمة بقلبك و تغلقي عليها الأبواب كي تقتنعي بها , قد أكون أخطأت بحقك , الا أنني لم أرتكب جريمة لأني استعدتك .... الجريمة لم تكن مني يا حنين , لقد سامحتِ الجميع و رفضتِ أن تسامحينني ..... فأي عدلٍ هذا ؟؟ )
نظرت اليه بعدم تصديق و هي تهز رأسها قليلا ,..... ثم أغمضت عينيها أخيرا و همست بعد فترة طويلة بتعب
( أريد أن أعود الي بيتي .... أرجوك )
لم يجادلها وهو يرفع يده ليبعد بضع خصلاتٍ متناثرة على جانب وجهها المحني بانهزام ... ثم همس اخيرا
( مضطرا أنا لإعادتك لبيت عمك مؤقتا حتى تتعافين تماما ... لكن لو أحببتِ , فقد اطلبي و أنا آخذك الي بيتك ... بعيدا عن الجميع , ... انه أنا حنين , أنه أنا من تشبثتِ بعنقي و نمتِ على صدري حين فقدت طفلتنا )
وضع يده على بطنها و كأنه يخفف من ألمها ... الا أن شهقة بكاء صغيرة أفلتت من بين شفتيها , و انسابت الدموع من تحت جفنيها المطبقين ....
حينها احاط وجهها بكفيه ليجذبه لأسفل حتى وصل الي وجهه , فقبل شفتيها المرتجفتين بكاءا بعمقٍ أذاب بها شيئا ما لم تستطع تحديده ... الا أن رجفتها المعتادة كانت أقوى و هي تئن هامسة ببكاء
( ارجوك ابتعد عني ...... )
فجذب ذراعيها اليه ليضمها كلها الي صدره رغم ممانعتها الضعيفة وأخذ يهمس فوق صدغها وهو يدلك ظهرها بقوة
( لا بأس .... لا بأس , لن يظل الألم طويلا .... و سترين ذلك )
.................................................. .................................................. ..........................
كم يوم مر منذ آخر مرة رآها فيها ؟؟ .... منذ أن .....
تأوه مالك بداخله مجددا وهو يتجول في الحي خارجا الى الطريق العام ...صباحا ككل يوم عله يراها ....
حتى تلك اللحظة لا يزال يسأل نفسه , ما الذي دهاه ليتصرف بذلك الشكل الحيواني ... و معها هي بالذات ...
شتم نفسه سرا للمرة ال .... لقد فقد حتى عد المرات التي شتم نفسه بها ,
انه لم يجرؤ حتى على الذهاب لأحلام و مواجهتها هناك .... كان ينتظر على سطحه ربما يراها على سطح نوار دون جدوى ....
كان يتباطأ كل يوم وهو يسير صباحا خارجا للطريق العام عله يراها لكن أيضا دون جدوى ....
و كأنها اختفت تماما ....
لم تمر ليلة الا وهو مستلقيا على فراشه يحدق بالسقف المظلم , يسترجع تلك اللحظات الدنيئة في حياته ... بكافة تفاصيلها ... و التي لم تتعدى بضع لحظات ....
بدلا من أن يحاول نسيانها , كان شيئا ما يجعله يسترجعها مجددا ليلة بعد ليلة .... و أكثر ما يقتله .....
أنه كان مستمتعا بتلك اللحظات !! .... لذا لا يجد القدرة على نسيانها .....
هذا ما كان واضحا وضوح الشمس بجانب الشعور بالذنب الذي ينهشه نهشا ....
يستعيد تلك اللحظات المعدودة التي لامس فيها نعومة بشرتها ....
حين ضاقت عيناه و كادتا أن تنطبقا , الا أنه لمح زرقة عينيها و هي تزداد تشبعا في زرقتها , مع مشاعرها التي ارتجفت حين لامسها ...
لقد شعر بجسدها الغض كله ينتفض قريبا منه , ... و ليس من الخوف ....
يالهي .... شاب تعدى الثلاثين و يقف عاجزا محللا للمشاعر التي انتابته حي لامس فتاة!! .... ربما للمرة الأولى في حياته ....
بمشاعر رجل .... و ليس كما كان يحمل نوار سابقا .... حتى حين كبرت قليلا و امتنع عن تلك التصرفات , كان ذلك لمجرد أن يدللها و يشعرها بأنها قد نضجت قليلا ...
الا أن مشاعره الحسية لم تتجه نحوها بتلك الطريقة أبدا .... و بعدها ... بدا و كأنه قد أغلق الباب بأكمله ......
انه انسان طبيعي تماما , و له رغباته ... لكنه لم يغذيها يوما بنظرةٍ محرمة الى فتاة ... او صورة ... أو مشهد ...
دائما ما كان يسيطر على ذلك الجانب بقوة التزامه ... بجانب شيئا آخر أفقده الرغبة في السعادة ...
فما الذي دهاه ... ما الذي دهاه .... ركل حصوة بغضب و هو يسير هائما , كفيه في جيبي بنطاله ....
أخذ يسير من زقاقٍ الي زقاق ... دون أن يخرج للطريق العام ... و دون أن يدري , سحبته قدماه الي بيتٍ على بعدِ عدة أزقة متشابكة .....
لا يعلم بأنه ما أن مر مبتعدا .... حتى خرجت هي من باب بيت أحلام ترتجف ...
استأذنت لتمر بين سيدتين تقفان عند باب البيت تتحدثان ... فأفسحا لها قليلا فتجاوزتهما متوترة وهي تشعر بأن أعينهما تكاد تخترقها حيث صمتتا تماما و تبعتاها بنظراتهما وهي تسير مهرولة عنهما ....
همست احدى السيدتين الى الأخرى
( هذه هي .... الفتاة التي تسكن مع احلام , .... و التي نزلت باكية من السطح , .....لقد تصنعت بانني دخلت و أغلقت الباب , الى أن اطمأن و نزل خلفها يظن بأن أحدا لم يره ... )
همست الأخرى بفضول وهي تربت على صدرها برعب زائف مقيت
( يا حفيظ ... يا حفيظ .... من كان يظن أن ابن رشوان الصغير بهذه الأخلاق ..... لقد كان أفضلهم )
همست السيدة الأولى
( استغفر الله العظيم .... لا أريد أن أتكلم فأنا لدي بنات .... لكنها لسيت المرة الأولى التي يتقابلان فيها سرا .... فوق السطح و أحيانا يذهب اليها حين تخرج أحلام لتقضي غرضا ..... و قد رآهما ابني يتقابلان خارج الحي عند أول الطريق عدة مرات ......... )
سكتت لحظة ثم جذبت الأخرى من ذراعها لتهمس وهي تفشي سرا
( و اسكتي ماذا .....لقد أخذ يعصر تفكيره أين رآها من قبل , الى أن تذكر أخيرا أنه رآها مرة تعمل في مكان مشبوه )
شهقت الأخرى و هي تضرب صدرها بكفها ... لتقول مذعورة
( شقق أم ماذا ؟؟ ..... و لماذا يذهب ابنك الى هذه الأماكن ؟؟ ... )
قالت ألأولى بسرعة
( انه مكان يقدمون فيه المشروبات الروحية .... و أنتى تعلمين ابني يشربها من حين لآخر على نحوٍ خفيف .... المهم أن هذا المكان والله أعلم .... ستارا لأعمال مشبوهة ...... )
شهقت صديقتها وهي تمسك بذرعها لتقول بضميرٍ حي
( كفى .... كفى يا حفيظة , لدينا بنات ..... استغفر الله .... لكن اخبريني ,أتعلم أحلام بما يدور في بيتها ؟؟؟
أصلا من زمن و انا أقول بأن دخوله وخروجه من عندها ليس تصرفا سليما ...... خاصة و أنها امرأة تسكن بمفردها ..... الخطأ يجر الخطأ ...... استغفر الله العظيم .... )
أنت تقرأ
بأمر الحب 🌺بـقـلم تـمـيـمـة نـبــيـــل 🌺
Romanceأهو ذاك العذر الذي تتشبث به حين تتسرب الى حياة الآخرين ... متشربين كل ذرة من أرواحهم ... معللين الإمتلاك وكأن العذر مبرر أنه بأمر من الحب حين نراهن لتربح قلوبا.... دون أن ننظر إليها ..... دون أن نشعر بما تنبض به اتحتوينا أم خدعنا أنفسنا من ا...