الفصل التاسع و الثلاثون :
حين حل الصباح كانت لا تزال تغني و تعمل في المرآب دون كلل أو تعب ..... بل كانت متأكدة من أنها ستتعب و تتعذب إن ذهبت الى سريرها الخالي .... لذا دب بداخلها نشاط العمل و أخذت تعمل و تعمل ... حتى الساعات الأولى من الصباح ... و حين شعرت بتشنج عضلات جسدها , نهضت من مكانها لتتحرك و تتمايل على أنغام الموسيقى الخفيفة المنبعثة من المذياع صباحا .....
نست نفسها تماما و هي تتمايل بنعومةٍ لا تكاد تكون رقصا .... بل هي حالة طيران على أجنحة العصافير و أنغام الموسيقى و هي مغمضة عينيها ...." لم يتبقى سوى بضعة أيام " .... " فقط بضعة أيام "
كانت مغمضة عينيها مبتسمة و هي تتمايل فوق السحاب الى أن حانت منها التفاتة فتحت معها عينيها , لتجد رجلا خشن الملامح ينظر اليها من باب المرآب المفتوح قليلا و علامات عدم الإستيعاب تبدو على وجهه
صرخت حنين عاليا و هي تتراجع للخلف ملتقطة أول ما تمكنت من الإمساك به كسلاح و لم يكن سوى مكنسة قديمة متآكلة الشعيرات ..... الا أنها تشبثت بها ترفعها لأعلى و هي تصرخ بارتياع
( من أنت ؟؟ .......... ) , للرجل الذي كان واقفا يتابع باقي العرض المتمثل في الرقص بالمكنسة و هو يحاول أن يفك شفرة ما تفعله ...
فقال الرجل بهدوء بريء
( أنا أحد رجال السيد عاصم و قد وصلت اليوم صباحا ........ )
كان صدر حنين يرتفع و يهبط برعب , أخذ يهدأ تدريجيا قبل أن يتحول تدريجيا أيضا الى غضب ناري و هي تصرخ
( و ماذا تفعل هنا ؟؟؟ ............ )
قال الرجل بفضول وهو يتطلع اليها و هو يعتقد أنها ستفعل شيئا مميزا بتلك المكنسة المرتفعة لأعلى ...
( أتفقد المرآب ........... )
ازداد غضب حنين و هي تخفض مكنستها لتصرخ بصرامة و قد رفعت ذقنها و أنفها و صدرها لتبدو قوية الشكيمة فلا يعتقدها أحد أنثى ضعيفة و يوسوس له عقله بأنها من الممكن أن تكون عرضة لأي أعتداء .....
ثم صرخت بصرامة
( و كيف تتجرأ على التجول هكذا بحرية ؟؟؟ ..... الا تعرف أن للبيت حرمة ...
أتريد أن أخبر السيد عاصم ؟؟ .... ها ؟؟؟ .... أتريد أن أخبره ؟؟ ....... )
ارتفع حاجبي الرجل الضخم بعدم فهم و هو يمد يديه مشيرا ببساطة
( انه المرآب ............ )
صرخت حنين بصرامة و هي تضرب الأرض بقدمها
( هذا المرآب منطقة خاصة ...... و أصبحنا نضع السيارات خارجا ...... )
أطرق الرجل برأسه مع عدم اقتناع
( مفهوم سيدتي ......... ... )
ظلت حنين تنظر اليه بغضب و هي ممسكة بمكنستها المستندة الى الأرض كرمح الغزاة ..... ثم قالت أخيرا بصوتٍ صارم
( و ماذا لديك من عمل بخلاف التطفل على الأماكن الخاصة هنا ؟؟ ....... )
رفع الرجل كتفيه وهو يقول ببساطة
( لا شىء سيدتي ....... لقد طلب منا السيد عاصم التواجد هنا لحراسة ابنة عمه الصغيرة و أنا لم أرها حتى الآن ... )
هتفت حنين و هي تضرب الأرض بقدمها مجددا
( أنا ابنة عمه الصغيرة ....... و أنا سيدة متزوجة , و زوجي سيصل خلال يومين ........ )
أطرق الرجل برأسه مجددا و هو يقول بخفوت و أيضا عدم اقتناع
( آسف سيدتي ...... لم يكن لدي الكثير من المعلومات قبل أن آتي , لكن على الأرجح فإن زميلي يعرف كل ذلك )
قالت حنين بصرامة
( نعم يعرف .... و لا يتجول في أنحاء المكان متطفلا ..... )
قال الرجل مجددا وهو لا يعرف تحديدا على ماذا يعتذر
( آسف سيدتي ....... )
ظلت حنين ترمقه بغضب ..... قبل أن تقول بحزم
( حسنا ...... لما لا تشغل وقتك , أترى ألواح ذلك السور المتراصة هناك ؟؟ ...... أتستطيع تركيبها ؟؟ ..... )
نظر الرجل الى الألواح .... ليقول ببساطة
( في بساطة أكل غزل البنات ................. )
ارتفع حاجبي حنين و هي تنظر لضخامته لتقول
( هل تأكل غزل البنات ؟؟ ............. )
عقد الرجل حاجبيه ليقول متحرجا ( في المناسبات ....... )
قالت حنين بحزم
(؛ حسنا ..... من فضلك ابدأ في تركيب ألواح السور .... و ما أن تنتهي حتى تبتعد عن المرآب , اتفقنا ؟؟ .... )
قال الرجل و قد بدأ بالفعل في حمل احدى الألواح على كتفه
( اتفقنا سيدتي ........... )
ثم خرج من المرآب بينما وقفت حنين تمنع ابتسامة من على شفتيها بعد أن بدأت تلتقط أنفاسها قليلا بعد هذا الرعب .......
أول ما تبادر الى ذهنها و هي ترى رجلا غريبا يراقبها و هي ترقص في تلك المنطقة البعيدة و الغير مأهولة
هو صوت جاسر الذي تسلل الى اذنيها بالأمس حين همس لها
" أنه تركها أمانة بين يديها " ....
في لحظةٍ واحدةٍ .... فقط لحظةٍ واحدة أو أقل شعرت بالرعب من أن تضيع الأمانة التي أمنها عليها جاسر في غيابه .....
شعور غريب و هو أن يتوقف التهور من إحساس ينبع من خوف رجل عليها , كي تحفظ نفسها و لا تفعل ما يسوءها ,
الحقيقة أنه احساس رائع ......
اطرقت برأسها و هي تهمس مبتسمة
( فقط عدة أيام ............... )
.................................................. .................................................. .............................
مر اليوم الأول و الثاني .....
و هي تخرج بالسيارة .... مرة كي تشتري المزيد من الدهانات .... و مرة كي تطلب السباك و الكهربائي لتصليح بعض المرافق ....
و مرة أخرى لتعود مخرجة من السيارة , بساط كبير من العشب الصناعي كي تفرشه فوق السطح ....
ليصعد به الرجل آكل غزل البنات .... و يفرشه لها بعد أن قام مشكورا بجلي أرض السطح حتى أصبحت مصقلة ....
ثم ساعدها في تركيب أعمدة أضاءة في الأربعة أركان من السطح .... أعمدة اضاءة قصيرة لا تعلو كثيرا عن سور السطح لكن منظرها مميز ....
بعدها بدأت في رص أواني زهور وردية داكنة حول السطح ..... حتى أصبح كحديقة صغيرة .... لتكمله في اليوم الأخير ببضع كراسي خشبية ذات أذرع حديدية مزخرفة .... اشترتها ليصعد بها الرجل آكل غزل البنات ....
كان الجميع يعمل معها على قدمٍ و ساق ....
السائق و رجلي عاصم و مبروكة ... السيدة التي جلبها عاصم لتساعدها في تنظيف هذا البيت الضخم نسبيا ...
و طبعا الرجل آكل غزل البنات .......
يوما بعد يوم يزداد البيت جمالا في نظرها .... و كل لمحة تضيفها تزيده روعة مهما بلغت بساطتها .....
ذهبت حنين الى غرفتها مساءا بعد أن كان التعب قد هدها طوال اليوم .... لكنها ما أن تمددت قليلا حتى سمعت صوت مزمار سيارة عند البوابة ....
فقفزت من سريرها لتجري الى النافذة لتنظر منها , و اخذت تحدق في السيارة التي دخلت من البوابة التى فتحت لها سريعا ......
سرعان ما مرت اللحظات و هي تفغر فاهها بهمسةٍ باسمه ... و يدها تتلمس زجاج النافذة , ليس اليوم ....
لقد تبقى يومان ... الم يستطع انتظارهما !! ....
راقبته و عيناها تذوبان بدموعٍٍ تختلط بخضارهما رغما عنها و هو يخرج من السيارة بصعوبة , ليعاونه أحد رجاله ... حتى استقام أخيرا بفعل عكازيه ....
ثم أخذ يحدق في دهشة الى رجال عاصم الملتفين من حوله .... و بعد بضعة كلماتٍ لم تتحقق منها وجدته يرفع رأسه بسرعةٍ ناحية نافذتها .... فالتقت أعينهما ..... ليغيب عنهما العالم بأسره ...
لكنه كان أول من تحرك في اتجاه البيت .... بينما تركت النافذة لتركض بهلع الى المرآة في هلع كي تتحقق من منظرها ..... ما الذي تستطيع أن تفعله الآن ؟؟ ...
نزعت ربطة شعرها لتدعه يتحرر حتى خصرها بحرية و جنون .... فزادته جنونا ببضع ضربات من فرشاتها قبل أن تتحرك سريعا كي تنزع القميص الملون البشع و تستبدله بآخر وردي لائم ورود وجنتيها ....
ثم أخذت تغرق نفسها بعطرها الوردي المحبب عله يخفي القليل من رائحة الدهانات رغم أنها تتحمم في اليوم آلاف المرات على أمل الا تلتصق بها تلك الروائح ....
ثم جرت الى الباب ...... فتوقفت لحظة تأخذ نفسا عميقا قبل أن تفتحه و تنزل جارية على السلالم ....
لكنها في منتصف السلم أدركت أنها حافية القدمين .... لكن لا وقت الآن , فتابعت طريقها الى أن تسمرت على الدرجة الأولى .... حين كان هو يقف في منتصف البهو .... ينظر اليها بصمت ....
ازداد تورد وجنتيها بشدة حتى بدت أشبه بوردة ربيع وردية داكنة مشتعلة ...... تعض على شفتها الوردية المكتنزة , ..... أين ضاعت منها كل الكلمات التي كانت قد حضرتها كي تستقبله بها .....
أخذت جاهدة تتذكر أي كلمة لكن دون جدوى .....
قال جاسر أخيرا بحزم دون أن يحيد بعينيه عنها ....
( الجميع ..... الى أماكنكم , ..... حالا ........ )
تحرك الثلاث رجال من خلفه ..... و اللذين قامو بمساعدته لصعود درجات المدخل , وكأنه يحتاج الى ثلاث رجال بالفعل .....
و حين خرجوا ..... لم تتمكن سوى من نزول الدرجة الأخيرة لتقترب منه ببطء و عينيها في عينيه .... تخفضهما لحظة بخجل لتعود و تشتاق الي عينيه فتنظر اليهما مجددا ....
لكن جاسر لم يقترب منها , بل تراجع بعكازيه قليلا حتى أصبح على بعد خطوةٍ من الجدار خلفه , الى أن وصلت اليه حنين ووقفت أمامه تبتسم برقة .... و قلبها يخفق بعنف , فهمست بخجل غبي لا تعرف مصدره
( لقد تأخرت ......... )
على الرغم من أنه بكر في موعد خروجه يومين .... و وصل دون أن تستعد , الا أنها الكلمة التي قفزت الى شفتيها .....
لم يرد جاسر قليلا وهو يحاول الشبع من عينيها الزيتونيتين .... ثم فتح شفتيه أخيرا ليقول بخشونة لأحدٍ خلفها
( و بالنسبة اليك ؟؟ ...... هل الأمر لا يشملك , أم تأتين ببعض الفشار لمتابعة الموقف ؟؟ ...... )
التفتت حنين لتجد مبروكة تقف عند باب المطبخ تراقب الوضع بكل اهتمام .... الا أنها ارتبكت و تراجعت للمطبخ سريعا .....
فعادت حنين لتلتف الي جاسر وهي تهمس بغضب
( لقد أحرجتها ..... حرام علييييييييييي ك )
لم تتمكن من تكملة كلمة " عليك " .... حيث كان قد رفع ذراعيه ليدع العكازين كي يسقطا أرضا قبل أن يمسك بخصرها يجذبها اليها ليسقط بثقله الى الجدار من خلفه ليرتطم به فيدعمه كي لا يسقط ...
بينما ضاعت نهاية كلمتها في قبلته الهائجة التي قضت على كل الأحرف و الكلمات .... لم تشعر حنين بأي شيء آخر حولها , سوى طفلها الوحيد الذي عاد اليها , فرفعت ذراعيها تتعلق بعنقه ... تستند الي صدره يسندهما الجدار معا .... تقابل شوقه بآخر أكبر منه , فبات كالمجنون و هو يقابل احساسا من جهتها لم يعرفه من قبل ... حتى في ليلتهما السعيدة الوحيدة لم تكن بمثل هذا التوهج و الإشتعال .....
كان ينهل من شوقها دون حساب ..... يروي كل ذرة من شوق الأيام المعذبة السابقة .... ينتقم منها لكل ما سببته له من حرمان و ينتقم من نفسه قبلها ....
كان اسمها هو الكلمة الوحيدة التي تصل لأذنها حين يلتقط نفسا قصيرا قبل أن يغرقه بشوقه من جديد قبل أن تكتمل حروفه الأربعة .....
حرر شفتيها أخيرا كي تخفي وجهها بعنقه ترتجف بعنف ... و الأغرب أنها تشعر به يرتجف مثلها ....
همس أخيرا فوق فرق شعرها الحريري الذي تحبه شفتيه ...
( أنتِ لستِ فقط غير مطيعة ..... بل أنتِ ذات رأس تستحق التكسير من شدة صلابتها , ألم آمرك بالذهاب الي بيت عمك حتى آتي و آخذك ؟؟ ..... و كل هذا الوقت تخدعيني بعين وقحة ... يا وقحة يا صاحبة القميص الأبيض .... )
رفعت حنين عينيها اليه لتهمس و هي لا تزال تلهث كحاله ...
( و أنت أخبرتني أنك ستأتي لتأخذني فور خروجك و لم تفعل ...... يا صاحب الثلاث ورقات )
رفع جاسر حاجبه ليقول مبررا بصرامة
( الا يسمح لي على الأقل بأخذ حمام ؟!!! .......... )
عبست حنين و هي تقول
( توقف عن خداعي ..... هل كنت ستأتي الي من فورك ؟؟ .... )
سكت جاسر قليلا قبل أن يقول
( كنت سأنتظر الى أن أتمكن من مساعدة نفسي ....... )
نظرت الي عينيه بصمت طويلا .... قبل أن تهمس أخيرا
( عامة ..... لقد اتيت الآن الي بيتي , فأرني كيف ستطردني منه .... )
همس جاسر بخشونة
( لا أعتقد أنني سأتمكن من ذلك ........ )
همست حنين لعينيه
( ألن تحاول حتى ؟؟ ............ )
همس جاسر وهو يجذبها الى صدره أكثر ,
( أخبرتك ...... لن أتمكن حتى من المحاولة ...... )
ابتسمت حنين برقة تذيب الحجر و هي تهمس
( جيد ............ )
ثم مالت اليه لتتعلق بعنقه من جديد قبل أن تقبل وجنته , و كانت تعرف بأنه لن يسمح لها بمثل تلك القبلة الوقحة حين أدار لها شفتيه كي يتلقف قبلتها .......
همست حنين و هي تشعر بقوتها تخور و أعصابها تنهار
؛( جاسر توقف ..... توقف أرجوك , منظرنا منحط جدا و نحن في بهو البيت .... لسنا وحدنا )
همس جاسر لها بخشونة ....
( بيتنا و نحن أحرار به ...... كنت قد عزمت على أن أعيش فيه أنا و أنتِ وحدنا , فعدت لأجدك قد أحضرت جيشا ليشاركنا في أهم لحظات الإنجاز ......... )
همست حنين بصعوبة و هي تتفادى شفتيه المجنونتين
( حسنا ... حسنا ..... من فضلك قم بتأجيل لحظات انجازاتك تلك , ...... .. )
ضحكت قليلا وهو لا يعيرها انتباها , قبل أن تقول بصرامة تتخللها الضحكات الخائنة
( توقف حالا ....... أنت لا تزال في وضع لا يسمح لك بمثل ذلك الإنحراف ...... )
تركها قليلا كي يعود الي الإستناد بإجهاد على الجدار .... فهمست حنين تلهث بقلق
( أرأيت .......... )
ثم أمسكت بخصره جيدا و هي تنحني لتلتقط عكازيه ..... ثم تدعمه بهما و هي تقف مع أحدهما تحت ذراعه لترفع وجهها اليه هامسة
( تعال لأريك غرفتك ....... لابد أنك تود الراحة قليلا )
مشى معها جاسر بصعوبة و قد أجهدته الوقفة الطويلة , ثم قال بهدوء
( لقد أصبت في جسدي ..... لكنني لم أفقد الذاكرة )
وصلت به الى غرفة في الطابق السفلي دون أن تتجه الى السلم و هي تقول بهدوء
( لقد جهزت لك هذه الغرفة و نقلت أغراضك اليها ..... و الا كيف كنت ستصعد السلم يا أذكى أخواتك )
قال بوجوم وهو يدخل الى الغرفة المجهزة حديثا
( لقد أصبح بإمكان لسانك أن يلتف حولك من شدة طوله .......... )
قالت حنين
( اذن اصمت و قل لي رأيك بالغرفة ......... )
نظر جاسر حوله بصمت ....
كان قد اشترى أثاث تلك الغرفة على أساس أنها غرفة للضيوف ... غرفة يتم تجهيزها و تسميتها بذلك الإسم دون سبب علمي أو منطقي واحد .... فالضيوف لا يبيتون عند أحد عادة ....
و هم ليس لديهم أقارب يأتون من سفرٍ بعيد .... لكن كان لابد من غرفة الضيوف كي تسعد بها سيدة هذا المنزل
" المبجلة حنين " ...
أثاث الغرفة كان من خشب الزان الأسود .... بسيط و يكاد يكون حديث الطراز .... لكنها كانت صماء حين فرشها و تركها مهجورة ....
أما الآن .... فقد أصبحت ذات لمسةٍ أنثوية جذابة لا يمكن أنكارها ......
لقد فرش السرير بملائة و وسادات سوداء ... الا أن أغطيته كانت وردية داكنة جدا ... درجتها الداكنة ضيعت بعضا من أنوثة الوردي و جعلته مناسبا للون الأسود ...
و مناسبة كذلك للوحة الوردية الداكنة المعبرة عن قلب وردة كبير معلقة فوق السرير .... بالإضافة الى البساط الزغبي الناعم الوردي الداكن كذلك ......
لم يشعر بأنها غرفة أنثوية .... لكن اللمسة الأنثوية لم يمكنه انكارها ببراعتها و رقتها ....
همست حنين بخفوت مترقبة
( ما رأيك ؟؟ ........... )
سار ببطء الى داخل الغرفة لينظر الى القوارير الزجاجية الوردية مختلفة الإستدارات و المتراصة فوق طاولة الزينة السوداء ...
كانت كل لمسة منها هي حنين بذاتها ..... حتى أن القوارير كانت تضم واحدة زيتونية اللون صغيرة بين الأخريات الورديات .....
مد يده ببطء ليلتقط القارورة الزيتونية الزجاجية الشفافة في شفافية عينيها , لينظر اليها طويلا و على شفتيه شبه ابتسامة ....
فقالت حنين بخفوت
( هل هي شاذة بين القوارير الوردية ؟؟؟ .......... )
نظر اليها طويلا قبل أن يهمس بخشونة و تعبير عميق
( بل هي رائعة ......... )
ابتسمت حنين من جديد .. و انتظرته الى أن يقول رأيه , و لم يجعلها تنتظر طويلا حين قال بخفوت
( الغرفة كلها رائعة..... و تشبهك )
اتسعت ابتسامة حنين و هي تقترب منه , لتضع يدها على صدره برفق لتهمس
( ما رأيك أن تنام قليلا قبل أن يتم أعداد طعامك المفضل ؟؟ ....... لا بد أن معدتك قد تحجرت من طعام المشفى )
أومأ جاسر بصمت و هو يعيد النظر الي كافة أنحاء الغرفة .... فساعدته حنين ليجلس على السرير , قبل أن تأتي له من الدولاب بملابس بيتيه مريحة رتبتها بيدها ....
ثم انحنت لتجثو أمامه و هي تفك أزرار قميصه بصمت كي تساعده بعد أن أبعدت عكازيه جانبا ....
لم يشأ أن يتكلم و تركها تفعل كل ما تريده .... يكفيه أن يراقبها و هي تفعل .....
برقتها و جاذبيتها ..... بورديتها و عينيها الزيتونيتين ....... و شعرها المنساب أمامه كليلٍ طويل .... و يديها المتحركتان على صدره بنعومةٍ أقسى من وجع السياط .....
بينما صدره يعلو و يهبط تحت لمستها بسرعة تفضح شعوره .... فيراها تبتسم خفية و قد لاحظت ذلك دون أن تتكلم ... فقط احمرار وجهها هو من تكلم بالنيابة عنها .....
و أخيرا و بعد أن استلقى على ظهره كانت هي تلهث من مساعدته في تبديل بنطاله الجينز بوزنه الثقيل .....
فاستقامت أخيرا قائلة بجهد ...
( ها قد انتهينا ...... هل تريد شيئا قبل أن اذهب ؟؟ .... )
ابتسم لها دون أن يرد .... فعضت على شفتها تمنع ابتسامتها الوقحة و الخجولة .... فاستدارت بسرعة وهي تقول متلعثمة
( نم الآن و ارتاح ......... و سأوقظك ما أن يتم اعداد الطعام .... )
ثم خرجت سريعا تتعثر في عثراتٍ وهمية على الأرض المصقلة الناعمة ..... لتتركه يتنهد كبتا و إحباطا .... و بقلبٍ يخفق بأملٍ خجول يخشى التحرر .....
.................................................. .................................................. .........................
استيقظ جاسر من نومٍ طويلٍ عميق و كأنه لم ينم اطلاقا من قبل ... و كانت حنين قد ساعدته ليجلس مستريحا في سريره قبل ان تأتي له بصينية الطعام بكل ما يحبه .... لتضعها على ركبتيه ثم تجلس أمامه مبتسمة تراقبه بصمت .... و كان هو كذلك يراقبها مبتسما بصمتٍ محبب الى قلبيهما ....
ابتسمت له مجددا وهو يرفع لقمة بيده ليضعها بين شفتيها مبتسما... فتقبلتها منه بصمت ... ثم واحدة تلت أخرى الى أن تذمرت قائلة
( من المفترض أن تأكل أنت .......... )
قال جاسر بصوتٍ خافت
( أحب أطعامك أكثر ............ )
فصمتت لتأخذ بين شفتيها لقمة أخرى و قلبها ينبض بقوة ...... ثم همست و هي تمضغ و تدس خصلة شعر خلف أذنها بخجل
( هل لا حظت الإصلاحات التي أجريتها ؟؟ ..... انتظر لترى السطح , جعلته يبدو رائعا , لكن انتظر لتتمكن من صعود السلم قبلا ...... )
ابتسم جاسر وهو يراقبها ليقول
( نعم لاحظت ...... و أنا .... فخور بك للغاية )
ابتسمت حنين لتخفض رأسها هامسة
( شكرا ............ )
فقال جاسر
( هل تفضلين السطح ؟؟ ....... ظننتك تفضلين الحديقة أكثر )
قالت حنين
( منظر البحر من السطح رائع بشكل مذهل و الجلوس به يفوق كل وصف ......خاصة وقت الشروق و الغروب على حدٍ سواء )
ظل جاسر ينظر اليها متفكرا قليلا قبل أن يهمس أخيرا
( اذن فليكن السطح .......... )
لم تعرف مقصده تماما .... لكنها ابتسمت لتحمسه ...
قال جاسر بعد لحظات
( حنين ..... أريد أن نعود وحدنا فقط بالبيت )
قالت حنين بهدوء
( من الغد سيرحل الجميع ..... كلهم لديهم أعمالهم و كانو هنا معي فقط كي لا أبقى وحيدة , و الآن أنا لم أعد وحدي بالبيت ........ )
ابتسم جاسر و عيناه تنطقان بالكثير مما تتمنى سماعه ................
بعد أن انتهى من طعامه .... أزاحت الصينية لتحمل اليه منشفة مبللة و معطرة أخذت تمسح بها وجهه و فمه و يديه
وهي تقول مبتسمة
( أرأيت بماذا يمسح الناس أيدي بعضهم ؟؟ ..... و ليست تلك الخرقة المبللة بالنزين ... )
ضحك جاسر اليها وهو يمد كلتا ذراعيه اليها ليجذبها اليه ليقبلها بشوق ... و هي تستجيب له بنعومةٍ دون قيود ... و ما أن رفعت عينيها اليه براقتين مشعتين حتى همست بنعومة و بأنفاسٍ ذاهبة
( سأنتقل معك هنا لأتمكن من مساعدتك ......... )
تجمدت عينا جاسر قليلا قبل أن يقول بهدوء
( لا .... لا بأس , ابقي بغرفتك , .... لن أحتاج اليكِ في شيء خلال الليل )
اختفت ابتسامتها و هي تنظر اليه غير مصدقة لما تسمعه منه ... ثم قالت بعد فترة و هي تستقيم واقفة
( الا تريديني معك في نفس الغرفة ؟؟ .......... )
تنهد جاسر وهو يرفع يده الى عينيه مجهدا .... ثم قال متجنبا النظر اليها
( ليس الأمر بهذا الشكل ....... انتظري الى أن أعود الى غرفتي ثم ..... )
لكن حنين قاطعته و هي تقول بصرامة قوية غريبة
( انتظري لحين عودتي للبيت .... انتظري لحين أن أقف على قدمي .... انتظري لحين عودتي لغرفتي .... ما الأمر ؟؟ هل سئمت مني ؟؟....... جاسر كن صريحا معي و تكلم , ..... هل مملت مني بعد أن أنهيت طريقك معي للنهاية ؟؟ )
صرخ جاسر بغضب جعلها تنتفض للوراء قليلا
( يا مجنونة !! ...... هل هذا مظهر رجل سئم منكِ !!! .... هل أنتِ عمياء لا تدركين كم أعاني أشتياقا اليكِ !! )
ظلت حنين صامتة تلهث قليلا .. قبل أن تهمس
( اذن ما الأمر ..... لماذا تبعدني عنك ؟؟ ..... )
تنهد جاسر بإحباط و هو يضغط عينيه مجددا قبل أن يقول بخشونة حادة
( الأمر هو أنني لا أريدك أن تعايشي تلك الصورة ..... لم أتمكن بعد من تكوين رصيد قوي لدي عندك يجعلك تتحملين كل هذا ..... اغتررت بقوتي و انا أحقق لك ما تريدين و لم أحسب حساب أن أسقط ذات يوم لتساعديني مرغمة في كل تلك الأمور التي قد تنفرك .... أمور لا تفعلها و لا تتحملها سوى واحدة تكن الكثير لزوجها ... و أنتِ لا زلتِ في بداية طريقك لتتقبليني ....... )
صمت جاسر محبطا و الغضب يكسو وجهه مبعدا عينيه عنها .... بينما أخذت هي تراقبه قليلا قبل أن تقترب منه بصمت .... ثم وقفت عند حافة فراشه لتقول بهدوء
( هلا توقفت عن وضع القرارات و الاستنتاجات فيما يخصني ؟؟؟ ..... لقد اقتحمت حياتي و ارغمتني على ما لا أحب من قبل ..... لكنك الآن و ما أن بدأت أخيرا في بناء حياتي معك تعود لتتخذ قرارات جديدة مضادة تظن بها أنك تعلم الأصلح لي ...... )
سكتت قليلا تتنفس بغضب قبل أن تقول
( هل هذا مظهر امرأة مرغمة ؟؟ !!......... )
رفع عينيه اليها بصمت وهي تشير الي نفسها ...... جميلة .... يالهي جميلة ......
فقال بخفوت
( لن أستطيع أن أقربك لفترة لا يعلمها سوى الله ........... )
احمر وجه حنين ... لكن عضلة لم تهتز في وجهها و هي تهمس بحزم
( من قال ذلك ؟؟ ............ )
ثم اقتربت منه مبتسمة ليتلقفها على صدره وهي تهمس في اذنه ......
( سأكون أقرب لك من أنفاسك ........ )
.................................................. .................................................. .........................
كانت حور لا تزال حبيسة غرفتها , جالسة على كرسي امام نافذتها , رافعة ركبتيها الى صدرها , ... تنظر من النافذة بشرود ...
لكنها انتفضت حين فتح باب غرفتها بلا استئذان و دخلت حنين كالعاصفة ...فعبست حور و همست بلا حماس
( ألم أسمعك تودعيني لأنك ستبتعدين لفترة ؟؟ ..... هل انتهت الفترة ؟ أم أن تلك هي فكرتك عن فترات الإنشغال في بيتك ؟!! )
اختفت ابتسامة حنين و مطت شفتيها بإمتعاض قبل أن تدخل قائلة ببرود
( بالنسبة لواحدة مثلك من الممكن أن تنسانا لشهور طويلة دون حتى السؤال .... فأنا بالفعل أبدو متضائلة بجانبك )
ثم قالت باستياء
( الناس ترحب بالضيوف عادة ........ )
مطت حور شفتيها و هي تعاود النظر من النافذة قائلة
( هذا إن كانو ضيوفا .... أما أنتِ فقد مكثتِ في هذا البيت أكثر مما مكثت أنا )
تجمد وجه حنين قبل أن تقول بهدوء مستفز
( سمعت أن عاصم قد كسر رقبتك بسبب أقراص الهلاوس .... و أنه يتم تفتيشك يوميا .... جيد فأنتِ تحتاجين للمراقبة ....... )
هتفت حور و هي تنظر اليها بغضب
( لسيت أقراص هلاوس يا جاهلة ............ )
رفعت حنين احدى حاجبيها لتقول ببرود
( تركنا علم المخدرات لأصحاب السوابق أمثالك ........ )
قالت حور دون بهدوء
( أخرجي من هنا و أغلقي الباب خلفك ........ )
زفرت حنين بغضب قبل أن ترتمي جالسة على السرير و هي تقول
( لماذا أنت هكذا ؟؟؟ ..... حقا أسأل بجدية , لماذا أنتِ هكذا ؟؟ ..... لماذا أنتِ دائما ضد نفسك و ضد المجتمع ؟؟ هل ضربتِ رأسك بإحدى درجات السلم و أنتِ صغيرة لهذا كبرتِ بهذا الشكل !! )
عادت لتأفف قبل أن تأخذ نفسا لتهدىء نفسها قبل أن تقول بهدوء
( سمعت بأنك رأيتِ معتز ...............)
ابتسمت حور رغما عنها للنافذة و هي تتذكر اليوم الذي استيقظت به على يدٍ صغيرة تداعب وجنتها , قبل أن ترمش بعينيها عدة مرات لتتأكد من وقوفه بجوار سريرها يوقظها بنفسه ....
لتقض عليه صارخة باسمه و هي تبكي بشدة ... تتشمم رائحته العذبة و تغمر وجهها في شعره الناعم و قد تعلق بعنقها بقوةٍ .... بعدها لا تدري كيف أخذته معها تحت الغطاء لتنام وهو بين ذراعيها في سرعة البرق و كأنها كانت تخشى أن يكون حلما .... لا تعلم حتى الآن لماذا نامت , لكنها حين استيقظت كان جالسا بجوار رأسها فوق وسادتها يلعب بهاتفها يتنظرها الى أن تستيقظ مجددا .....
همست حور دون أن تنظر الى حنين
( نعم ..... قضى و لعب معي يوما ثم أتى والده ليأخذه مساءا )
همست حنين بخفوت
( حسنا ........ هذه خطوة )
أومأت حور برأسها دون أن ترد .... فقالت حنين مغيرة الموضوع
( اسمعي سبب مجيئي اليكِ مرغمة و على عيوني بصراحة ...... )
ردت حور بلا حماس ( ماذا ؟؟ ........... )
كتمت حنين تأففا آخر قبل أن تقول بحماس زائد
( قررت بدء مشروع عمل خاص بي ..............)
نظرت حور اليها بصمت , فرفعت حنين قبضتيها طالبة بعض الدعم و هي تهتف ( يااااااااااااااااي ..... )
الا أنها لم تحصل الا على نظرة متبلدة فأسقطت يديها بإحباط .... لترتدي نفس النظرات المتبلدة وهي تقول
( مرحا ..........)
ثم تنهدت قبل أن تقول بجدية
( السبب الكوني المأسوي الذي جعلني آتي اليكِ اليوم .... هو أنني فكرت في أنكِ ربما لسببٍ آخر أكثر مأساوية ٍ قد ترغبين في مشاركتي ........ )
عقدت حور حاجبيها .... فابتسمت حنين " ها قد حصلت على بعض انتباهها " .....
الا أن حور قالت بحيرة
( ماذا ؟!! ....... لم أعمل في حياتي ...... )
قالت حنين بلهجة طبيعية
( من يبدأ مشروع عمل ... لا يعمل به عادة , فقط يشرف عليه و يموله الى أن ينمو تلقائيا )
ظلت حور تنظر اليها بلا تعبير قبل أن تهمس بحيرة
( هل أنتِ جادة ؟؟ ......... و ماذا عن عملك ؟؟ ........)
صمتت حنين للحظة قبل أن تقول بهدوء
( كان مرحلة في حياتي و قضت وقتها ............)
قالت حور بعد فترة
( جيد ...... أتمنى لك التوفيق , هيا اخرجي )
اتسعت عينا حنين بذهول و غضب قبل أن تهتف
( هل سمعتِ أي شيء مما ذكرته ؟!! ....... لقد طلبت منكِ مشاركتي !! )
قالت حور بتملل
( هل تريدينني أن اصدق بأنكِ ترغبين حقا في مشاركتي !! ..... لماذا أنا تحديدا !! هل هي شفقة أم أنكِ تريدين التفضل علي ؟؟ ...... )
نظرت حنين لأعلى متفكرة قليلا وهي تبتسم قائلة
( الشفقة على حور رشوان !! ...... وقع الجملة يعجبني ...
لا لا انتظري قليلا .... التفضل على حور رشوان !! .... حتى تلك تبدو افضل و افضل )
ثم نظرت الي حور لتقول ببشاشة
( أجبت عن 90% من السؤال .... فبخلاف الشفقة و التفضل , هناك أيضا أن شخصيتك السمجة ستنفعني في العمل .... لكِ بعض السمات تفيد في التعامل في اطار العمل ..... صدقيني لقد عملت لعدة سنوات و أنا أعلم ذلك )
قالت حور بتذمر
( حنين كفاك لعبا و اخرجي من هنا . أنا حتى لا أستطيع التركيز في كلمتين فكيف تريدين أن أشاركك بعملٍ ما ؟؟ )
رفعت حنين كتفيها و هي تقول متحمسة بلهفة تحاول إقناعها
( مشكلة التركيز ليست مشكلة أصلا ..... لا تحتاجين سوى صفعتين و ستكونين على خير ما يرام ....... )
ظلت حور تنظر اليها قليلا قبل أن تسأل بتردد
( و ما هو مشروعك الفذ ؟..............)
أجابت حنين مبتسمة
( لا أعلم بعد .............. )
فقالت حور بهدوء
( اخرجي من هنا يا حنين ...... )
قالت حنين بحماس
( انتظري قليلا ...... عندي عدة أفكار مربحة )
ثم أخرجت من حقيبة يدها مفكرة صغيرة لتفتحها و تنظر الي حور قائلة
( ما رأيك بمقهى راقي؟؟ .......... )
عقدت حور حاجبيها و هي تقول
( وماذا سيكون دورنا فيه ؟؟ ........ نقدم الطلبات أم نقدم عرض راقص ترفيهي )
قالت حنين حانقة
( قلت لك دورنا هو الإشراف ....... و الفكرة الثانية مكتب تصميمات )
قالت حور و هي تنهض بتثاقل لتجلس على حافة السرير بجوار حنين
( تحتاجين لخطف المصممين ذوي الأسماء المشهورة و تلك عملية صعبة ....... )
قالت حنين موافقة
( نعم تلك حقيقة ...... اذن اليكِ الفكرة الأخيرة : روضة أطفال )
نظرت حور الى حنين عاقدة حاجبيها لتقول بتردد
( انها مسؤولية كبيرة ...........)
قالت حنين بحماس
( و ما المشكلة ؟؟ ..... سنبدأها على أكمل وجه ... بالعدد الكافي من المشرفات المتدربات و ذوات الخبرة ... و افضل المعلمات ...... دورنا هو الإشراف على الخطوات فقط ...... )
رفعت حور أصابعها الى فمها تقضم اظافرها بشفتيها قبل أن تقول بتردد متراجع قلق
( و ربما أيضا قسم للأطفال ذوى الإحتياجات الخاصة .... و تنمية قدرات التخاطب و غيرها .... )
قالت حنين و هي تفكر بجدية
( سيكون هذا مشروعا كبيرا و مكلفا .......... )
قالت حور
( لن يكون دورنا هو التعليم او العلاج .... لكن دورنا سيكون توفير انشطة مفيدة لهم , بوجود بعض المختصين بذلك ..... و بالنسبة للتكلفة فما المشكلة ؟؟ .... سنجعل عاصم يشاركنا )
قالت حنين مفكرة و الأبتسامة تحاول التألق على شفتيها تحمسا .... وهي تقول
( سنتعب كثيرا في التراخيص ........ )
قالت حور بهدوء
( وما المشكلة ؟؟ ...... ليس لدينا شيء آخر يشغلنا )
( مرحبا حنين ........ سمعت صوتك و أنا مارة )
رفعت حنين رأسها دون أن تستدير الي الباب لتهمس لحور
( ماذا تفعل أثير هنا ؟؟؟ ......... )
مطت حور شفتيها لتقول
( زفافهما بعد أيام .... و هي تقيم معنا , لتتمكن أمي من تجهيزها , بينما مالك مقيما في البيت القديم كما هو..... )
همست حنين
( نعم .. نعم ..... لقد نسيتها تماما )
ثم استدارت لأثير لتقول مبتسمة
( كيف حالك يا أثير ..... مبارك , ان شاء الله ... هل أنتِ مستعدة ؟؟ ..... )
دخلت أثير بمودة لتجلس دون اذن على الكرسي الذي كانت حور تجلس عليه للتو و هي تهمس بينما وجهها متورد خجلا
( تقريبا ....... بعد قليل سأنزل لأجرب ثوب الزفاف ما أن يصل .... و عمتى تقوم بكل شيء )
ظلت حور و حنين تنظران اليها بشبه ابتسامة لفترة طويلة قبل أن تميل حور الى حنين هامسة
( لن ترحل ..........فلا تنتظري )
تنهدت حنين ثم قالت مستسلمة
( حسنا فلنعد الى موضوعنا ....... لو وجدنا المكان المناسب للروضة فسيكون هذا ثلث الوقت و المجهود المطلوب لفتحها .......لنبدأ بعدها في التقديم لطلب التراخيص في نفس الوقت مع البحث عن المعلمات و المشرفات و المختصين )
هتفت أثير بلهفة
( هل ستفتحان روضة أطفال ؟؟ ..... هل يمكنني العمل معكما ؟؟ .... )
عم صمت طويل المكان ... لا يقطعه سوى تغريد العصافير و حور و حنين تنظران اليها و كأنهما لم تسمعا شيئا .......
فتابعت أثير بلهفة و ترجي
( أنا بارعة مع الأطفال و صبورة و حنونة و أحب اللعب .... )
همست حور بملامح متجمدة
( هذا كثير علي ....... ويفوق كل طاقتي , لم أكد أقتنع بكِ حتى تأتي تلك ال " باربي " لتشاركني بيتي و عملي الذي لم يبدأ أصلا ....... )
مالت اليها حنين لتهمس بخفوت
( دعيها تعمل معنا أرجوكِ كي تترك العمل لدى زوجي ؟؟؟ ....... )
نظرت اليها حور عاقدة حاجبيها بشدة لتهمس بخفوت
؛( هل تغارين على زوجك من زوجة ابن عمك ؟؟ ..... كم أنتِ بذيئة !! )
همست حنين بتراخي
( ليس الأمر كذلك ........ لكن كل ما في الأمر , أنظري اليها !! .... إنها "باربي " كما ذكرتي )
نظرت حور الي أثير التي كانت تميل برأسها عاقدة حاجبيها و هي تحاول قراءة شفاههما لعلها تدرك فيما تتهامسان
فتنهدت حور قائلة باستسلام
( حسنا لا بأس ...... لو وافق مالك )
صفقت أثير بجذل و سعادة كطفلة ستذهب لحفلٍ ما .....فقالت حور لحنين البائسة الناظرة الى خصلات أثير الشقراء المتراقصة ...
( و ما رأيك في رنيم ؟؟ ...... )
نظرت اليها حنين عاقدة حاجبيها و هي تقول
( رنيم قطعة البسكويتة بالشوكولا الذائبة !!! ... سيحبها الأطفال أكثر منا و سيرموننا بالبطاطس بعد التعامل معها )
مطت حور شفتيها و هي تقول مقتنعة
( نعم ..... لن يطيقو التعامل معنا بعد التعامل مع رنيم بالفعل )
ثم صمتت لتتابع مبتسمة بمكر
( ما رأيك بصبا ؟؟ ................)
ضحكت حنين من بين شفتيها اللتين تحاول غلقهما و هي تقول
( صبا !! ....على الأرجح لو أخطأ طفل من الأطفال و قبل صديقته فستبلغ عنه الأحداث ..... )
ضحكت حور و هي تمسك بذراع حنين قائلة من بين ضحكاتها الرنانة منذ فترة طويلة لم تضحكها
( نعم ..... على الأرجح ستفعل )
( سمعتكما على فكرة ...........)
انتفضت كلا من حور و حنين و هما تستديران الى صبا الواقفة عابسة بالباب و مكتفة ذراعيها .... فنهضت أثير لتقول بسرعة
( لم أشترك في هذا الجزء يا صبا ......... )
قالت صبا و هي لا تزال عاقدة حاجبيها
( أعلم حبيبتي ...... هيا تعالي , فستانك وصل )
اتجهت أثير الي صبا تحت أنظار حور و حنين المذهولة قبل أن تقول حور بشراسة
( هل نطردها من العمل الآن ؟؟ ........... )
قالت حنين بهدوء
( بل سنشقيها ............ )
.................................................. .................................................. ...........................
واقفة أمام المرآة الضخمة المذهبة من السقف للأرض .... في فستان الزفاف الأبيض المتسع في دائرةٍ ضخمة ... ذات هيبةٍ و جمال .....
يكشف عن كتفيها البيضاوين المرمريتين .... مزدان خصره بشريط وردي فاتح معقود بوردة رقيقة ....
ماسات صدره وردية قليلا ....و شعرها مرفوع لأعلى بعفوية لتتساقط خصلاته على وجهها الأبيض الوردي .......
كانت تنظر لنفسها و شفتيها مبتسمتان بذهول من روعة الفستان عليها .... بينما وقفت حور و حنين و صبا و أيضا روعة في حالة انشداه من مدى جمالها .... لقد خلقت لتكون عروسا في ليلة زفافها .....
كانت صبا أول من همست مبتسمة
؛( روعة ........... )
فهمست روعة من بين دموعها المنسكبة
( نعم يا ابنتي ....... )
ضحكت صبا و هي تغمض عينيها بمرح لتقول
( لا يا عمتي .... لقد قصدت الفستان ... روعة )
فهمست روعة و هي تمسح دموعها ناظرة ما بين حور المبتسمة الى أثير بكل نقائها فابتسمت من قلبها لتطلق أطول زغرودة عرفها التاريخ .....
لكن و أثناء تعديل كلا منهن لشيء ما في الفستان و هن ملتفاتٍ حول أثير ... سمعن صوت مالك يصدح عاليا من أسفل السلم
( يا أهل البيت .... لقد أتيت منذ زمن و لم يسأل في أحد ..... يا أهل البيت , أني قادم ...... )
اتسعت أعينهن و بدأن في التحرك حول أنفسهن بتوتر ... بينما مالك ينادي بأعلى صوته
( أنا قادم يا صبا ...... بما أنك المحجبة الوحيدة في هذا البيت , فليهديهن الله جميعهن ..... )
رفعت صبا وشاحها فوق رأسها بسرعة و أثير تهتف
( أين أذهب .... أين أذهب ؟؟ ...... )
بينما مالك ينادي عاليا
( زوجتي المصونة ...... لم أحصل حتى على كوب شاي تم شربه من قبل , .... فكم أنا محظوظ بك )
فقالت حور بصرامة
( لما كل هذا الرعب ؟؟ ..... لن يدخل .... لن يجرؤ ..... )
ثم خرجت بهمة و صلابة .... لتقف أمام مالك الذي وصل للغرفة فقالت بحدة
( اذهب من هنا ......... )
عقد مالك حاجبيه ليقول بحيرة
( لما ؟؟ ..... انها غرفة أمي و من حق كل مواطن أن يدخل غرفة أمه في الوقت الذي يحتاجه ...... )
بغض النظر عن مدى بهجته برؤية حور واقفة أمامه بكل شراستها بعد أن تركها بالأمس كعادتها ملقاة على سريرها بيأس و بحالٍ لا يسر عدو او حبيب ....
كتم فرحته ليقول متظاهرا بالصرامة
( ماذا تفعلن بالداخل ؟؟؟ ......... )
قالت حور بحدة
( اثير تجرب فستان الزفاف ..... و من رابع المستحيلات أن تراها به )
و من الداخل حين سمعتها حنين أغمضت عينيها لتقول بيأس حانق
( الغبية ..... لقد أطلقت سراح الوحش )
و كما توقعت سمعت صوت حور وهي تصرخ
( لن تدخل على جثتي ..... هذا فأل سيء , ابتعد من هنا .... لن تراها )
حينها اندفعت صبا لتخرج من الغرفة بملامح صارمة قدر الإمكان و هي تقول
( توقف يا مالك لن تدخل ..... هيا انزل )
بينما كان مالك يحاور حور و يدور حولها و يتفاداها كي يتمكن من الدخول للغرفة بعينين شقيتين تلمعان , ثم نظر الي صبا مندهشا و هو يراها تمد ذراعيها كي لا يدخل الغرفة فقال بدهشة
( حتى أنتِ يا صبا المتعظة ..... تؤمنين بالفأل و الحظ )
لم تخفض صبا ذراعيها و هي تقول بصرامة بينما عيناها تلمعان شقاوة هي الأخرى
( المسألة بالنسبة لي عاطفية و معنوية ..... لن تراها بالفستان قبل الزفاف , كي تتفاجأ بصورتها )
ثبت مالك مكانه ليقول بهدوء مبتسما
( هل هي جميلة ؟؟ ............ )
ابتسمت صبا بعفرتة و هي تجيب
( بل أروع مما تتخيل ........ )
و من الداخل ضربت حنين جبهتها و هي تخفي اثير بثوبها الضخم المنتفش خلف جسدها الضئيل بغباء هاتفة بغضب
( الذكية الأخرى أفسدت الأمر أكثر ..... )
لم تكد تنهي كلماتها حتى اقتحم مالك الغرفة وسط هتاف حور و صبا الغاضب ..... لكن وقبل أن تتسع عيناه و هو يرى كومة بيضاء متكومة على الأرض خلف حنين تحاول أخفاء نفسها كانت حور قد هجمت عليه لتغمض عينيه بكفيها متعلقه بظهره ...... حينها جذبت حنين أثير لتقف و ترجرها خلفها ركضا لتتجاوزا مالك الذي يحاول نزع كفي حور دون أن يسقطها أرضا ...... و ما أن نجح , حتى رأى الكومة البيضاء تخرج جريا من الباب دون أن تتضح معالمها تماما .... فخرج خلفها جريا وهو يهتف بحدة
( ما تلك الأكتاف المكشوفة التي لمحتها ؟؟ !! ......... أثيييير )
الا أنها كانت تركض كالمجنونة ضاحكة بهيستيريا ... ممسكة بتنورة الثوب الضخمة بكلتا قبضتيها ... و حنين تجرها نزولا على السلم ...... و خلفهما صبا تركض و تضحك .....
أدخلتها حنين من باب المطبخ بسرعة و هما تضحكان .... بينما كان مالك قد نزل السلالم كل درجتين معا ....
و ما أن اقترب من باب المطبخ الذي دخلتا منه .... حتى كانت صبا تقف مجددا وهي تمد ذرعيها لتقول بصرامة مزيفة .....
( هل ستتجاوزني !! ..... احترم زوجة اخاك الأكبر يا ولد )
فرفع مالك احدى حاجبيه بتحدي ليقول
( هكذا ؟!!! ..... حسنا يا استاذة , فللمطبخ باب ثاني أم نسيتِ ؟؟ )
ثم استدار ليجري للباب الثاني فصرخت صبا ,
( اخرجا من هنا .........)
فخرجت حنين تجر اثير جريا من نفس الباب ...... ليتبعهما مالك هاتفا
( اثييير ..... تعالي الي هنا حالا ااا )
بينما كانت روعة تهتف من أعلى السلم بغضب
( يا بنااات .... سيتسخ الفستان )
لكن حنين و أثير كانتا تجريان و تضحكان بجنون ... الى أن دخلتا في حجرة الطعام , فهمست حنين ,
( سنخرج من بابها الآخر المطل على السلم مباشرة ... و منه تصعدين جريا لغرفتك و تغلقين بابها خلفك بالمفتاح )
أومأت أثير المتوردة الوجه بسرعة ... و ما أن أشارت اليها حنين و هي تراقب السلم ... حتى انطلقت حنين تجري حاملة فستانها لتصعد السلالم جريا حافية القدمين .... ووصلت الي ممر الغرف .... لكنها شهقت برعب حين امتدت ذراع قوية لتعتقل خصرها و تجذبها الى داخل غرفة الملابس المدفونة في جدار هذا الممر ....
صرخت أثير في الظلام الذي لا تتعدى مساحته مترين في مترين .... الى أن سمعت صوت تكتكة , لترى مالك يجذب حبلا صغيرا أضاء به مصباح وحيد صغير .... يكاد لا يضيء سوى وجهيهما .... بينما كانا يشهقان ضحكا و اشتعالا و هو يحاول حشر الأكوام المتراكمة من الحرير الأبيض في داخل الغرفة الضيقة ....
ما أن أعتادت اثير على الصدمة الأولى .... حتى تلوت و هي تحاول التحرر منه الا أنه كان قد ثبتها تماما و المكان لا يتسع لحركةٍ أكثر ....فتوقفت لاهثة و توقف هو عن الحركة لينظر اليها بكل جمالها على قدر ما أمكنه من ضوء المصباح الضئيل ....
خفق قلبها بعنف و هي تحدق بعينيه المبهورتين ..... لكنها انتفضت فجأة حين سمعت صوت نقرٍ على الباب بقوةٍ وصبا تهتف
( مالك أخرجها من هنا حالا و الا فسأفتح الباب ......... )
ضحك مالك بينما اشتعلت وجنتي أثير ...وهو يعلم بأن صبا لن تفتح الباب ... و بالفعل هتفت صبا
( سأذهب لأخبر عمتي ..... هذا لا يصح )
ثم سمعا صوت أقدامها المسرعة .... بينما كانت حنين تضحك بقوةٍ و هي تقول لحور
( ألم أقل لك !!! ..... لقد ذهبت لتبلغ عنهما )
لم تستطع حور الكلام من شدة البكاء ... لكن ضحكا هذه المرة و هي تمسح دموعها من عاصفة الضحك التي أطاحت بهن ....
نظر مالك الى أثير طويلا بعد أن هدأت أنفاسه ..... ثم همس
؛( لم أضحك يوما مثلما ضحكت الآن ......... )
هزت أثير رأسها نفيا و هي تهمس مبهورة لاهثة
( ولا أنا ............ )
فهمس مالك بعد فترة بصوتٍ مشتعل
( لم أرى عروسا في جمالك من قبل ........ )
أسبلت جفنيها بخجل و دمائها تفور بأوردتها ...... و همست بإختناق
( لم أصبح عروسا بعد ......... )
فهمس مالك وهو يقربها منه أكثر ... و الأكوام الحريرية تحيط بساقيه كالأمواج العاتية
( ستكونين ..... ثقي بذلك )
ثم أخذ وجهه يهبط اليها ببطء بينما قلبها يصرخ بجنون .... الى أن أقترب بشفتيه من فكها ليهمس
( هل أنتِ سعيدة ؟؟ ......... )
سكتت لحظة تبتلع ريقها بصعوبة قبل أن تهمس
( وأنت ؟؟ ........... )
أغمض مالك عينيه قبل أن يقبل فكها ببطىء وهو يهمس
( الا يخبركِ هذا ؟؟ ......... )
تحركت شفتيه قليلا و قبل أن يقبلها بالفعل كانت قد انتفضت لتدفع الباب من خلفها بركلةٍ من قدمها .... فتحررت منه ما أن رمش بعينيه من النور المفاجىء ....
ثم لملمت فستانها و انطلقت تجري بسرعةٍ الى أن وصلت لغرفتها وأغلقت بابها بالمفتاح .... لكنه لم يكن يلحقها هذه المرة .... بل كان ينظر اليها مسحورا من آخر الممر و ثوبها يتطاير خلفها بكوماته البيضاء ..... لتبدو في صورةٍ أثيرية لن ينساها أبدا ...............
.................................................. .................................................. ..........................
وصل عاصم مساءا بعد رحيل مالك .... فاستقبلته صبا بأجمل ابتسامةٍ كعادتها مؤخرا لتقترب منه مسرعة ... تتشبث بيده قائلا بفمٍ ضاحك أشعل أحاسيسه
( عاصم ..... لن تصدق ماذا حدث اليوم !! ....... لقد ضحكنا كما لم نضحك من قبل , لم يكن ينقصنا سواك )
قبض عاصم بكفه على كفها ليتخلل أصابعها بأصابعه .... وهو ينظر لعينيها العسليتين الضاحكتين بعينين مبتسمتين بانبهار و كأنه يحفظ ضحكتهما عن ظهر قلب ..... قبل أن يهمس
( صبا تعالي معي لنجلس تحت سقيفتنا ......... )
اتسعت ابتسامة صبا و هي تقول ....
( من عيوني ............ )
بينما كان انبهار عاصم برقتها يتشعب و يتداخل و قد رفض أن يخفيه فجذبها خلفه كي يصعد السلم ببطىء ... ناظرا اليها بين حينٍ و آخر فتبتسم له .... ليضم ابتسامتها لألبومه الخاص بها وحدها ......
وصلا لأرجوحتهما , فجلس عليها لجذبها برفق كي تجلس بجواره ..... خصلة ناعمة من شعرها تتطاير مع لون المغيب و هي تنظر اليه متنعمة بألوانه الغنية .... و عاصم يتنعم ربما للمرة الأخيرة بتلك الصورة أمامه لوجهها الفتي .....
قال لها أخيرا بعد مغيب الشمس ....
( صبا ......... )
نظرت اليه مبتسمة ...... فقال لها برفق وهو يتشرب ملامحها
( بإمكانك أن تتحرري مني الآن ..... و ثقي بأنكِ ستظلين تحت حمايتي دائما )
ارتجفت ابتسامتها ببطء الى أن اختفت تماما .... قبل ان تفغر شفتيها هامسة بدون وعي
( ماذا !! ......... )
همس عاصم و هو يتلمس ملامحها الناعمة و كأنه يحفظها
( ألم يكن هذا طلبك ؟؟ ........ )
لم تتمكن صبا سوى الهمس بذهول
( لكن ...... لكن ...... لقد كنا )
استقام عاصم ليقترب منها بسرعة ليتلمس كل ذرةٍ من وجهها دون كلل وهو يهمس بعذاب
( أعرف ...... أعرف .... لكنك كنت محقةٍ في شيء واحد , وهو أننا لا ننجح سوى في جرح بعضنا )
صمت يبتلع ألمه و مرارته و هو يراقب غشاء الدموع الزجاجي الذي تكون في عينيها سريعا قبل أن يثقل وزنه ليتساقط في دمعتين ماسيتين على وجنتيها .....فهمست بضعف
( لكنني لم أقصد أن ...... لم أقصد ...... )
جذبها الي صدره بقوةٍ يكاد يحطم أضلعها وهو يتأوه هاتفا
( أعلم .... اعلم .... لست أعاقبك , بل أنا أحافظ على آخر شيء جميل بيننا قبل أن ينهار )
بكت صبا على صدره و هي تهتف باختناق
( لكني لا أريد الإبتعاد عنك ....... لا أستطيع )
تنهد عاصم بعذاب ليطرق قلبه قلبها و هي على صدره ..... ثم قال متلمسا جبهتها بشفتيه
( اسمعيني يا صبا ...... لست أنا الأنسان المثالي الذي رسمتِ صورته طويلا , .... مواجهتي للدالي والراجي ليست معناها أنني اصبحت ذلك البطل الذي تتوقعينه )
هتفت باختناق و هي تبكي
( لم أتوقع بطلا ...... لم أتوقع هذا ......... )
ابعدها عنه قليلا كي ينظر الى وجهها المحمر بكاءا قبل أن يقول بخفوت ناظرا الي عينيها
( بل أنتِ كذلك ...... و أنت تستحقينه بكل جدارة , إن وجدته ...... ما يطمئنني هو انكِ لن تجدينه و الا لكنت فقدت البقية الباقية من عقلي كما فقدت قلبي ..... )
سكت قليلا , ينظر اليها بألم و عشق بينما هي تبكي لعينيه وهو يقول
( ان بقينا معا سرعان ما ستجدينني لست مثال تلك النزاهة التي تنشدينها ...... على الرغم من انك غيرتِ بي الكثير ..... الكثير يا بنت السلطان )
هزت صبا رأسها نفيا و هي تبكي و تتشبث بقميصه كي لا يبتعد عنها بينما تابع هو
( أحيانا أنظر اليك و أتسائل كم أنتِ كاملة ... رائعة .... نقية الي درجة لا أصدقها .... و لا أستحقها و بالرغم من ذلك آذيتك طويلا لأنني لم استطع التعامل مع نقائك ...... )
شهقت صبا باكية
( ليس هناك انسان منزها عن الخطأ .......... )
ابتسم عاصم بمرارة و هو يقول ....
( وهذا ما أتعجب له لأنني لا أتوقف عن السؤال ..... عن أفظع خطأ ارتكبته في حياتك .... عن أسوأ زلةٍ سقطتِ بها ....... و لا تأتيني الإجابة سوى أنكِ ربما قطفتِ وردة ذات يوم ........ )
ضحكت صبا و هي تبكي في آنٍ واحد .... ثم شهقت تبكي و هي تقول
( بل فعلت .... و فعلت ...... أغضبت زوجي مرارا , نام بجواري وهو غير راضٍ عني كثيرا و كنت أنا أحترق بنيران الألم و الندم دون أن أجد الجرأة على أن أسترضيه ...... جرحته طويلا حتى لو كنت أدافع عن الحق ...تركته و ابتعدت دون أن أحاول جهدي .... . )
عاد عاصم ليضمها اليه بقوة وهو يتأوه .... هامسا باختناق
( أفضل الموت على أن تكرهينني ذات يوم ........ )
ابتعدت لتهتف باكية
( لن يحدث .....والله لن يحدث ..... لم أنجح بها حتى في قمة غضبي منك ...فقط أعطنا فرصة أخيرة .....)
ابتسم عاصم بمرارةٍ ليهمس
( استمعي لنفسك يا صبا ....... كنت منذ فترةٍ قصيرة تطلبين الإنفصال و بشراسة , أنت الآن لا ترفضينه الا بسبب مواجهتي للدالي ...... اتريدين أن أصدمك ؟؟!!! ...... لم أكن لأواجهه لولا مشكلة حور )
بكت صبا بقوةٍ وهي تهتف
( أتريد أن أصدمك ؟!!! ........ أنا أعرف ذلك جيدا و مع ذلك تحججت بذلك كي أعود اليك و أنسى طلب الطلاق )
ثم اخفت وجهها بين كفيها لتنفجر بكاءا فأمسك عاصم بوجهها بين كفيه يقربه من وجهه ليهمس في اذنها
( احبك يا بنت السلطان كما لم أحب أحدا من قبل ..............لكن آن الأوان لنبتعد على ما نجحنا في الحفاظ عليه من هذا الحب .... . )
عادت لتشهق عاليا فجذب وجهها اليه يقبل وجنتيها هامسا بقلبٍ دامٍ
( هل تنتظرين الى أن تحضرين زفاف مالك كما اعتدت منكِ ؟؟؟ .......... )
أومأت برأسها و هي تبكي هامسة
( زوجة المناسبات ............. )
اومأ عاصم برأسه مبتسما بمرارةٍ و عيناه تدمعان هامسا باختناق
( و قد كانت أجمل مناسبات حياتي ......... )
هدأت صبا قليلا و تراجعت شهقاتها .... لترفع اليه عينين متورمتين من البكاء , فنظر اليها بعذاب قبل أن يقول بصعوبة
( لن أبقى معك في الغرفة الأيام المقبلة .......أنا لا أثق في نفسي معك و أنا أرفض استغلالك أكثر من ذلك )
همست بصعوبةٍ
( أنت زوجي ............. )
لكنه اقترب منها ليقبل وجنتها هامسا بعذاب
( لا أستطيع .... و لا أريد كره نفسي أكثر )
همست صبا بتجمد و هي تلهث بفعل البكاء العنيف الذي سبق
( و كيف سنبرر ذلك لعمتي ..........)
همس وهو يرجع شعرها المتساقط من وشاحها ...
( لا تقلقي ....... أنا سأتدبر أمري )
تركها أخيرا بيدين ترتجفان قبل أن ينهض ببطء ...... ثم وقف يشرف عليها ليهمس متأوها
( سأنزل الآن ........ و لا تنتظريني الليلة , اتفقنا )
أومأت برأسها دون أن تجيب و قد جفت دموعها و بقى وجهها متورما ..... فأبعد وجهه عنها ليخرج بسرعةٍ من السطح قبل أن يضعف تجاهها مجددا .....
.................................................. .................................................. .........................
كان الزفاف بسيطا في بيت اسماعيل رشوان ..... على الرغم من روعة العروس التي بدت كالبدر المضيء في ثوبها الرهيب .... المغطى أكتافه بطبقةٍ من التل المشغول يدويا ......
و لم يكن الحضور عددا ضخما .... تماما كزفاف عاصم رشوان ..... بعكس زفافي حور و حنين ....
لم يستطع مالك أن يبعد عينيه عن أثير للحظةٍ واحدة .... و حين راقصها كانت ترتجف بين ذراعيه , تنظر اليه بوجل بين حينٍ وآخر ....
وحده يعرف أن ذلك لم يكن خوف العروس المعتاد ..... بل كان خوفا من مستقبل لم يحدده لها تماما , على الرغم من ضمانه لها بأنه لن يتخلى عنها أبدا .... الا أنه لم ضمن لها قلبه ....
ربما لو رجل آخر غيره لما وجد في ذلك مشكلة ..... ليس كل الرجال يقدمون الحب مع الزواج ....
لكن بالنسبة له هو تحديدا .... كان يشعر بقسوة الحمل الذي ألقاه عليها بدلا من أن يمنحها الحب الذي تستحقه .........
لذا كلما نظرت اليه متسائلة بخوف كان يسارع بضمها الي صدره كي يطمئنها و يطمئن نفسه .....
بالطبع اعتذر نادر عن الحضور بلباقة .... بينما بدت حور بسيطة هادئة دون حياةٍ في ثوبٍ بلون القهوة ......
أما حنين فكانت تجلس بجوار جاسر لا تفارقه للحظة .... متمسكة بيده و كأنها تخشى أن يهرب منها .... لكنها في الحقيقة كانت تشعره بأنها مزهوة به كما هو .....
وحدهما عاصم و صبا هما من كانا يختلسان النظر الي بعضهما ..... و الألم ثالثهما ......
و حين شعر عاصم بأنه لن يحتمل أكثر .... تسلل صاعدا الى غرفته عله يجد في رائحتها المشبعة في الغرفة الونس له قبل الوداع .........
استدار عاصم حول الفراش ليجلس الى حافته .... يمد يده ليتلمس المكان الذي تنام به وحيدة كل ليلة .... يكاد الا يصدق بأنها ستتركه بعد تلك الرحلة الطويلة ......
سمع الباب يفتح من خلفه ...... ثم انتفض قلبه ليسمع صوت انغلاقه و اقتراب خطواتٍ ناعمة .....
الى أن شعر بالسرير ينخفض من خلف برقة ...... و يدان ناعمتان تمسدان كتفيه ..... أغمض عاصم عينيه بعذاب قبل ان يشعر بشفتين لهما رائحة الكرز تلمسان أذنه ... و صوتها يهمس
( أتذكر حين طلبت مني أن أتقبلك كما أنت ؟؟ ........ أنا الآن أفعل بالمثل و أطلب منك أن تتقبلني كما أنا ..... ربما سأخانقك و أحرق دمك و أرفع ضغطك ......ربما سأنصحك و أرشدك الى أن تضيق بي و بالبيت .... و ربما ستثبت لي ذات يوم خطأ منطقي ..... لكن هل تتخلى عني لأننا مختلفان ؟؟!!! ...... )
سكتت قليلا ..... لتتابع بعد لحظةٍ هامسة
( تقبلني كما أنا ...... و اعتبره نقصا بي ...... و اعذرني ..... لكن لا تلفظني من حياتك )
زمجر بخشونةٍ ليمد يديه من خلفه ويجذبها اليه .... فسقطت على حجره تتعرق بعنقه .... ناظرة اليه من خلف غلالة الدموع وهي تهمس بتأوه
( احبك يا ابن رشوان ..... و سيموت قلبي بدونك )
لم يكن هناك أي مجال آخر للكلام سوى عبارة واحدة
( أعشقك يا بنت السلطان ........ )
ثم ضيعها في عالمه و ضاع معها ..........
.................................................. .................................................. ........................
وقفت في نهاية الغرفة .... مطرقة الرأس , تفرك يديها برعب .... أعصابها شبه منهارة ....
تهمس لنفسها بصعوبة
انه مالك .... لا بأس .... انه مالك .... صديقك منذ ما يقرب من العام الآن ......
حين شعرت بأن الصمت قد طال .... رفعت عينيها بحذر اليه , فوجدته واقفا في بداية الغرفة يتأملها بتعبير جائع , عرفته منه مراتٍ قليلة ..... لكنه لم يكن بمثل هذا الوضوح و الجرأة من قبل ....
ابتلعت ريقها و هي تراه يخلع سترته ببطء دون أن يحيد بعينيه عن عينيها ..... فقالت بتلعثم
؛( ماذا ؟؟ ........ )
فالتوى فمه بابتسامةٍ شيطانية وهو يقول بتحدي
( ماذا ؟؟؟ ........ )
هتفت أثير بحدة ....
( لماذا تنظر الي هكذا ؟؟!! ....... )
ضحك بخفةٍ وهو ينزع ربطة عنقه قائلا
( و أين أنظر اذن !!! ................ )
هتفت أثير و هي تراه يفك أزرار قميصه واحدا تلو الآخر ... ثم زري الكمين , فصرخت
؛( ماذا تفعل ؟؟ ........... )
ازدادت ابتسامته عبثا و هو يقول
( اخلع ملابسي لأرتاح قليلا .... فلما لا تفعلين مثلي ؟؟ )
هتفت أثير و هي تراه يقترب منها ببطء
( ابتعد يا مالك أرجوك ..... س.... سأبدل ملابسي في الحمام .... )
ابتسم وهو يقول بمكر
( قد تحتاجين الي مساعدة ........... )
الا أنها هتفت و هي تركض حول السرير محاولة الهرب منه
( لا أحتاج شكرا ............. )
لكنه لحقها بسرعة البرق وهو يعتقلها ليحملها عاليا بين ذراعيه هامسا في اذنها
( اخيراااا ...... الى متى ستظنين نفسك هاربة مني !! )
تعلقت أثير بعنقه هامسة برعب و قلبها يخفق بعنف تحت يده الملتفة من حول خصرها
( مالك أرجوك ....... انتظر قليلا )
همس في اذنها وهو يحملها لفراشهما
( لا أعتقد أنني أملك القدرة بعد الآن ....... فترفقي بي قليلا يا وردية )
ابتلعت ريقها بشكلٍ يدعو للشفقة وهو يضعها على الفراش ليستند بمرفقه بجوارها ناظرا اليها بابتسامة مشعة .... بينما يده تداعبها برقة .... ثم همس بحنان
؛( هل أنتِ خائفة ؟؟ ......... )
همست و شفتيها ترتجفان و قلبها يقصف كالرعد من هول ما تشعر به
( قليلا ............ )
فاتسعت ابتسامته قليلا ... وهو يهمس
( اذن لماذا لست خائفا مثلك ؟؟ ........... )
همست ترمش بعينيها
؛( و لماذا تخاف أنت ؟؟ ........... )
اقترب منها ليهمس في اذنها سرا
( لأنكِ الفتاة الأولى في حياتي ........ )
اتسعت عيناها و هي تنظر اليه لترى ان كان يسخر منها ... الا أنه كان قد قرر أن يثبت لها ...., ليشعر بها .... ليحقق كل حلم من أحلام خياله في الفترة الأخيرة عن الوردية ذات الخصلات الذهبية .....
فارتجفت هامسة باسمه مرارا ........
.................................................. .................................................. .........................
تمر الأيام بها في رقة ريشة يحملها النسيم .... و هي تتجول من حوله له و لعينيه .... يجذبها اليه بين حينٍ و آخر ليقبلها فتبتعد عنه ضاحكة تلاعبه ....
حركته ثقيلة و جسده الثقيل محطم للغاية ... و ربما سيترك الحادث عرجا واضحا بساقه ....
قلبها يتألم مع ألمه .... عدد المسامير و الشرائح التي وضعوها بجسده لا تتذكرها حتى ... و العكازين لا يساعدانه بفاعلية .... حتى اضطرت أن تأتي له بكرسي متحرك للوضع المؤقت كي ترحمه من ألمه , لكنه كان يرفض أن يخرج به خارج جدران البيت ....
لكن داخله كان ينتهز الفرصة كي يجذبها على حجره كلما مرت من أمامه كي يدور بها ..... و هي تضحك من بين دورانه و قبلاته ....
لم تظن أن تكون بمثل هذه السعادة ذات يوم .....دخلت من باب البيت دون صوت و قد اشتاقت اليه للغاية بعد أن خرجت بالسيارة كي تأتي ببعض الطلبات ... مشت على أطراف أصابعها لتبحث عنه كي تفزعه من الخلف كما اعتادت ... الا أنه في الحقيقة لا يفزع و لا هي تتوقف عن فعل ذلك على أمل أن تنجح ذات يوم ......
عبست و هي تسير متسللة تبحث عنه بعينيها ..... الى أن لمحته من طرف باب المطبخ على كرسيه أمام الطاولة ..... فسارت على أطراف أصابعها مبتسمة بخبث بعد أن وضعت الأكياس جانبا .....
لكنها توقفت فجأة قرب الباب .... لتجده جالسا على كرسيه , يقرأ من شاشة حاسوبها المفتوح !!!
اتسعت عينيها بذهول لتهمس لنفسها
( ألا فائدة منه ؟!! ..... ألن يتغير !! ..... المتطفل , المترصد ... عما يبحث بعد !! ...... )
تنهد بحنق قبل أن تهمس غضبا
( حسنا يا جاسر رشيد ...... سأعلمك الا تعبث بأشيائي مجددا ...... )
ثم ابتعدت قليلا لتتعمد اصدار أصوات تعلن عن وجودها ..... و سرعان ما وجدته يخرج من المطبخ على كرسيه المتحرك .....
فرسمت على وجهها الإبتسامة وهي تقول برقة
( اشتقت اليك ......... )
قال جاسر بخفوت مبتسما
( اشتقت اليك أكثر ..... فلما لا تأتين لتبددي بعضا من ذلك الإشتياق )
ابتسمت خجلا لتقترب منه ببطء و عيناه عليها كنمر يستعد لإفتراسها الى أن وصلت اليه و جلست على قدميه دون أن يدعوها و مالت اليه لتقلبه بكل شوقها و غضبها ....
فطار صوابه خاصة و أن المسكين يعاني كبتا ميؤوسا منه .... و ما أن سرحت يداه بجرأةٍ حتى نهضت لتقول متلعثمة ....
؛( بهذا الشكل لن نجد أي طعام لنتناوله ..... لما لا تذهب و تعد الأطباق ريثما أجهز ما أحضرته .... لن يستغرق مني اكثر من عشر دقائق ........ )
ابتسم جاسر حنق و هو يزفر ملتاعا ناظرا اليها و هي تتجه الى المطبخ بتمايل أمامه ألهب مشاعره المسكينة أكثر و أكثر .....
بينما دخلت حنين لتفتح حاسوبها من جديد و تنظر الى آخر ما كتبت من فترة ..... لقد مرت تلك الفترة دون أن تجد القدرة على الكتابة التي تحياها حاليا .... كان ما تشعر به يفوق أي كلمات ستكتبها ....
لكنها ابتسمت و هي تنظر الي باب المطبخ لتتأكد من عدم وجود جاسر قبل أن تمد يدا متسللة بخبث لتكتب رسالة جديدة
" حبيبتي نوار ....
مضت فترة لم أكتب لكِ بها شيء ....... الحقيقة أنني أقف عاجزة عما أشعر به هذه الأيام , احتجت لفترة قبل أن أحلل فيها مشاعري ....
أشعر و كأن كل شيء كان مقلوبا في حياتي .... و الآن أقف ناظرة الى تلك الأشياء تتحرك و تلف من حولي لتعود كلا الى مكانها في دوامةٍ تشبه فيلم كارتون خيالي ....
هل كانت الطفولة نقية الي تلك الدرجة و شفافة حين وعدت نفسي بأنه لن يكون لسواي ؟؟!! ....
و ما أدراني به و ما أراده بي لأشعر بتلك المشاعر الفتية و أنا بعد في عمر الطفولة ..... و الآن !!
الآن أقف عاجزة مشدوهة أمام كل نظرة منه .... كل كلمة من كلماته .... كل مرةٍ ينادي فيها باسمي بتلك الطريقة التي لا يناديني بها غيره ....
كيف تحول كل ذلك من حولي فجأةٍ لينتهي بنا المطاف واقفين أمام بعضنا و كلانا يبتسم للآخر متسائلا
(لماذا تأخرت ؟؟ .... )
لقد أصبح هو كل حياتي الآن .... اعتمد على اعتماده علي كي أشعر بنفسي , بعالمي , بوجودي .....
و الغريب هو أنني أعتقد بأنني بدأت ..............
سأذهب الآن فأخاك يناديني و لا أحب التأخر عليه .... فالتتمة تحتاج الى مدونةٍ لها وحدها "
أغلقت حنين حاسوبها وهي تبتسم بنعومة ......
و في وقتٍ لاحق ... حين كان جاسر يعيد قراءة ما كتبت ... وصل بعينيه للرسالة الأخيرة .... لتلهث أنفاسه مع كلِ كلمةٍ و يخفق قلبه بخشونةٍ مؤلمة .... وهو يرفع يده ليتحسسه تحت صدره ليتأكد من أن رجلا في مثل عمره تتزايد نبضاته مع قراءة بضع كلمات .... هامسا باسمها مع كل كلمةٍ وكأنه يسألها ....
الى أن وصل لآخر كلماتها , .... فعبس وهو يعيد النظر مدققا .... ليهتف بغضب
( تبا لي ..... ما المهم الذي كنت أحتاجه منها في تلك اللحظة و سيتوقف العالم بدونه ... تبا ... تبا ... )
أنت تقرأ
بأمر الحب 🌺بـقـلم تـمـيـمـة نـبــيـــل 🌺
Romanceأهو ذاك العذر الذي تتشبث به حين تتسرب الى حياة الآخرين ... متشربين كل ذرة من أرواحهم ... معللين الإمتلاك وكأن العذر مبرر أنه بأمر من الحب حين نراهن لتربح قلوبا.... دون أن ننظر إليها ..... دون أن نشعر بما تنبض به اتحتوينا أم خدعنا أنفسنا من ا...