وصلو بعد فترة إلى المدينة..كانت تلك أول مرة ترى بها ديالا العاصمة الملكية ، أنوار مضاءة بكل مكان وكأن لااحد يريد تفويت هذه الليلة الجميلة..والأطفال يركضون في الأرجاء بسعادة تتمنى أن تبقى للأبد أما الملك فقد ارتدى رداءً طويلا بقلنسوة رأس تخفي وجهه
"لمَا الرداء..أتشعر بالبرد؟"
قالت ديالا بتساؤل ليجيبها ساخرًا
"أنا الملك..لايمكنني ان اتجول هكذا في المدينة"
صمتت ديالا ثم نزل الملك بعد فترة أمام منزل أحدهم ليخرج منه فتى هزيل البنية ببشرة سمراء ويستلم حصانه منه..يبدو انه على معرفة بأنه الملك
وقفت ديالا في ترقب تنتظر الخطوة التالية ليمسكها من يدها ويسير بطريقه بينما الأخرى تنظرإليه بشرود لم تقرر بعد ان ماكان عليها مواكبة خطواته او افلات يده والتوقف"لن اسمح لكِ بالضياع منّي..أنتِ ضيفتي"
رفع قلنسوته ثم إلتفت وقال باسمًا بطريقةٍ دافئة تجل منها تريد احتضان جدارٍ ما. بادلته الإبتسامة وسارت وراءه إلى وجهته التي لاتعلمها بعد..وجدت نفسها بعد لحظات في سوق العاصمة..مبهر اكثر بمحلاتِ الحلوى التي على اطراف الشارع ومحلات الملابس التي تظهر على نوافذها فساتين نسائية فاتنة وملابس رجالية في قمة الأناقة....توقفت ديالا فجأة مما ادى إلى افلاته يدها عنوة
استدار بحيرة ليجدها متصنمة تحملق في احد المحلات...خطف أنفاسها فستان حريري بلونٍ رمادي لامع ، يكشف كتفًا واحدًا ويتدلى من فوق الكتف الاخر إلى مااسفل القدمين دون ان ننسى تفاصيل اللؤلؤ ونقوش الأزهار الباهتة التي تزيده جمالًا
"مابك؟" سأل الملك مع انه يعلم مابها ، التفتت وأومأت بمعنى لاشيء ثم أكملت سيرها وراءه فأعاد امساك يدها وهو يتمعن في شرودها الذي لايحبه..أصبح يتضايق من شعوره بأنها بعيدة اكثر من اللازم عنه ولاتشاركه نفس العالم .
قاطع شرود ديالا صوت الملك يقول مجددًا "هل تريدين تجربة الحلوى المشهورة في مملكتنا؟"
رفعت رأسها وبدا انها لاتمانع بالرغم من صمتها الذي عجز الملك عن قطعه..سار بها ووقف أمام احد عربات الحلوى حيث كان المسؤول عنها رجل عجوز ينادي ببهجة "تذوقو الحلوى التي ستنسيكم في جميع حسناوات الكون"
ضحكت ديالا على جملته الأخيرة لينظر إليها الملك بغيض..يفكر كيف أن بتلك البساطة يمكنه رؤية ابتسامتها ، رغم انه لم يكن ممتعًا ان يصنع ابتسامتها سواه لكنها جميلة بكل الحالات . جميلة تسلب الأنظار بملامحها التي تبعث على الراحة.
"سيد ملك..سيد ملك؟" قطعت تأمله وهي تشد رداءه وتحاول ابصار ملامحه المختفية تحت الرداء الحالك..عاد إلى رشده وتقدم نحو بائع الحلوى
"نريد اثنتين..رجاءً"
لبى البائع البشوش طلبه في الحال وحين آن وقت الدفع قدم الملك قطعة ذهبية توسعت عينا البائع مع لمعانها تحت ضوء مصابيح السوق
"من انت بحق السماء" قال البائع بخفوت يستلم القطعة بدهشة..كان الملك يريد الإنصراف لكنه عاد واقترب من وجه البائع..رفع قلنسوته قليلا ووضع اصبعه على فمه مشيرًا له بأن يكتم سره ثم همس باسمًا "ليس لدى ملككم فكة للأسف"
انفرجت اسارير البائع بدهشة ورسم ابتسامة دافئة على محياه وقال بترحيب واضح
"حتى لو يكن لملكنا اي شيء..فليشرفنا بتذوق حلوى تنسيه جميع حسناوات الكون"
نظر الملك لديالا قليلًا ثم اشار للبائع بأن يقترب..وهمس في اذنه بنبرة لايمكن للقابعة وراءه سماعها
"اظن أن حسنائي لايمكن نسيانها"
وعاد ليمسك بيد حسناءه مجددا تاركين بائع الحلوى مع قطعته الذهبية لتقول ديالا بعد صمتٍ قصير وهي تقضم الحلوى التي بيدها بنهم
"ماذا همست في اذنه..شيء سيء؟"
ابتسم الملك وهو يفكر ثم قال ينزل لمستوى نظرها "لايجدر بالأطفال التدخل في أسرار الملوك"
"كم عمرك ياهذا..اخشى ان تكون خمسينيًا في جسد شاب" نبست بإستحقار ليقهقه بقوة ثم يقول بغرور
"حسنا..أنا بالخامسة والعشرين أيتها الطفلة"
"أنت تكبرني بعشر سنوات فقط !"
ضرب رأسها بخيبة أمل ثم قال ساخرًا "بل إنها سبعة سنوات أيتها الأمّية"
توقفت عن المشي وافلتت يده مقطبة حاجبيها ثم قالت محتجة تكمل اخر ماتبقى من الحلوى
"لست أميّة أنا فقط سيئة في الحساب"
"معك حق..لستي أمية" قال شاردًا مجددا في ملامحها لتقطع شروده مرة اخرى تشير إلى الحلوى الخاصة به
"اظنك لاتحتاج تلك أيها الملك..انت لم تأكل منها "
نظر الملك إلى الحلوى التي بيده ثم قدمها لها مستسلمًا
"وقت العودة"
نبس الملك بهدوء خشية ان يقاطع لحظتها الجميلة مع قطعة الحلوى المسروقة لتومئ برأسها موافقةً دون ابعادِ انظارها عن حلواها