الرّحلة♡

58 5 0
                                    

عائشة تلك الفتاة الفاتنة ذات البشرة البيضاء، تناثر عليها الغبار الكوني ، نعم غبار لا يسقط إلا على وجوه الجميلات ، ذات حواجب كإيطارات سكة قطار عريق وقديم أكله الصدء ، لون ليس له مثيل وشعر نحاسي براق ،تضع تاج الوقار كما تسميه حجابا أسود كالليل ليت حضها كجمالها ، تمسك لوحة ، أوو ليست كذلك إنها ذكرياتها ، إنها النيران التي تحرق قلبها كل يوم ، حمم تتدفق من على وجنتيها ،وهي تتنهد
"لطالما نظرت لي بإعجاب كأن ملامحي جميع أحلامك "
تمسح دموعها التي قطعت شوطا طويلا من السيلان ، تمسحهما سريعا بعد سماعها لضربات سريعة متتالية على أرضية خشبية أكلها النمل ، متمسكا بالباب كأنه مكبح يوقف به حراكته المتتالية وخطواته السريعة...
"هااي يا سلة البرتقال " ، ينظر لها وعيناه تقوست حزنا لذلك الشيء المنسدل من على وجنتيها ، كأنه نهر عذب وسط حقول الشعير التي يعتليها البياض ...
"أووو هل تبكين ؟"

"نوح تعال ساعدني في حمل الحقائب"

وضع وجهها وسط كفيه : "أختي الجميلة لا يليق بها البكاء ، لما كل هاذا الحزن.؟!، أنت ذاهبة لبناء مستقبل جميل يا عائشة ،ستعودين وأنت أجمل طبيبة، الطبيبة التي لا طالما تمناها والدنا " تكلم دون مقدمات بعدما لمح صورت والده مع أخته يوم حصولها على شهادة نهاية الثانوية ملقات فوق السرير بإهمال
تحضنه بقوة كأنها تريد الإختفاء ، تريد الإختفاء من هذا العالم ، كأنها تخبره كم أرهقها الشوق وكم أوجعها الفراق دون كلمات ، فالكلمات لن تنفعها اليوم.

"لا أعلم ماكنت سأفعل بدونك يا نوح ، إشتقت لأبي "
يضع رأسها على صدره ويتنهد طويلا" لا تبكي يا وصية الرسول ", ترفع نفسها وتنظر في عينيه واللمعان فيهما يشبه انقشاع الضباب عن قمر مضيء في ليالي شتوية ، كأنه رعد يقص غياما سوداء مقلتاها البنيتان التي تعتليهما نقاط خضراء كالعشب الجاف ونقاط عسلية كأنما تصف وجودها ، تقول بمرارة بعد كل ما تأمله نوح في عينيها لتقطع حبل أفكاره بقولها"هذه كلمة والدي ، لقد إشتقت إليك أبي إشتقت إليك كثيرا " لتبدأ جولتا أخرى من البكاء وتقطعها ببطىء ، بعد هسهسات من أخيها الذي يرى ملامح والده فيها ملامح ورثتها من عائلة لقماني Lokmani ...

تقوم بكسر الحزن قليلا لتنطق وسط شهقاتها "لاتناديني سلة البرتقال ، حسنا! " ، يمسكها مبعدًا إياها عنه برفق ليركض بسرعة حاملا الحقائب ، تلحقه عائشة برعب "توقف نوح ستؤذي نفسك " ، تسمع ضحكات مرتفعة "لا تقلقي يا سلة الجزر "، تبتسم وهي تضرب رأسها بخفة "ياله من ولد مشاغب أصبح بعمر ال20 و لايزال يتصرف كالأطفال "
إنه أخي الصغير نوح يصغرني فقط بسنتين ، ذو جسم رياضي مفتول وشعر مجعد أسود وعينان سوداوتان ، يرتدي ملابس غريبة ،أحيانا أشبهه بنجوم الروك ستار ، أتذكر مرة كان يود نخر أذنه عندها إستشطت غضبا من إقتراحه ، نوح طيب القلب مجنون أحيانا أو دعونا نقول في معظم الأحيان هو كذلك،لا يفوت فرصة لإزعاجي ولكن عند أشد أوقات ضعفي لا أجد أحدا سواه ، عندما أتذكر أنني سأتركه مع ماريا تلك التي تزعم أنها أم وهي بالكاد تعرف ولدَيها هي حتى لا تتذكر أعياد ميلادنا ، أووه يمكنني الحديث عن هذا لاحقا والآن علي أن أكمل
"لقد شردت بما فيه الكفاية "
.
.
.
.
. الْمَطَارْ (الجزائر ): الْسّاعَة 10:00 صَبَاحًا ...
بينما ننزل الحقائب ، أَنظر لأخي الصغير نوح ، بعد وفاة والدي كان سندا وأخا وصديقا ، أحيانا أشعر أنه بمثابة أبٍ لي ، في حياتي كلها لم أحتج شيئا وهو بجانبي حتى عندما لم أدرس تخصص أحلامي بسبب وضعنا المادي حاول جعلي أرضى بما قسمه الله لي ، والآن بعدما نجحت وربحت تلك المنحة لنيويورك كان أول من فرح لأجلي .
نحن نتقدم بخطوات كانت بالنسبة لي خائفة أكثر من مستمتعة ومترددة أكثر من ثابتة ، على عكس نوح الذي يستمتع بكل خطوة كل خطوة يجعلني بها أقترب من حلمي ، وتلك ماريا لا أفهم أصلا سبب وجودها هنا ، أنا لا أكرهها ولكن علاقتنا تشبه الخبز والملح بين الجيران ، يعني أنني فقط أعاملها بالمثل هي تمثل حبها لي وأنا أتماشى مع الوضع فقط ، كانت تحضنني أصلا لم يكن حضنا بل كان حضنا فارغا وحتى ليس فيه قطرة مشاعر ،فقط بادلتها العناق ، أما بالنسبة لي نوح فكان عناقه الأجمل كأنني أغرق وسط بحار من الحب ، كأنني أحضن أبي الآن تنساب الدموع دون إذني ، تفعلها في كل مرة ، والآن ها أنا لا أرى بلدي إلا نقااطا صغييرة ...

"هثا متاني 🥺"
يوقضها صوت لطيف من شرودها هذا ، تبتسم إبتسامة جانبية " أحقا هذا متانك ؟!، دعني أرى يا ثغير هههه"
تلمح كهلا في الثلاثينات على مايبدو ، أسمر البشرة ذو لحية سوداء كثيفة تتمرد عليها نقاط بيضاء له وشوم قليلة أسفل ذقنه ، أهو رمز ما ؟! ، يلبس قميصا يبدو باللون الأزرق الليلي يبدو ملتصقا به من ضخامة عضلاته ، عندما تنظر إليه للوهلة الأولى يبدو كرجال العصابات وشيئا ما ،في جانب ساعده الأيمن يظهر وشم أيضا لكن ليس كاملا لم يظهر لها ماهو بالظبط، يتوقف أمامها مباشرة ويتكلم بلهجته الإنجليزية المدقنة "كم مرة أخبرتك أن لا تتحدث مع الغرباء" ، تقوس حاجبيها "هل تقصدني ؟، لقد كان الصغير يسأل عن مكانه وحسب"، ينظر مخاطبا إياها" لا إنه ليس مكانه بل يحب المكان قرب النافذة " ، تجيبه بلباقة "لا بأس بذلك يمكنه أخذه "، ينظر بشك غريب "لا شكرا يا ذات اللباس الغريب " ، تبتسم إبتسامة جانبية "إسمي عائشة يبدو أن معاناتي ستبدا الآن "، لم يفهم قصدها ويبدو أنه لا يكترث حقا.
"أحلمو جيدا ، حجابي سيكون أكثر شيء ثمين لن تستطيعو شراءه ، إنه كل ما أملك ، إنه حجاب عائشة ، إنه تاج وقاري" تخاطب نفسها ...

أجراس الكنيسةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن