الفصل الثالث عشر
وبين الانغام والزينة والزهرة وفستان العروس الزاهي، وتقدم فتيات العم بالدف والغناء ورأس القائمة زوجة خال حفصة الأكبر، ذات الأصل الذي لا ينكر، ذات الجذور التي تنسي من أرض الزيتون، بإحدى الأغاني الشعبية في أعراسهم، وفي العرس تهم العروس بالنزول علي نغمات النغمات وسط الغناء والزغاريد وانطلاق موكب حفصة لمنزلها، وموكب يقين زوجة صهيب لتزف من منزل الجعفري ويتم الاحتفال بها ثم تذهب إلى منزلها، وبدأت الفتيات قائلة :
"قوله لأمو تفرح وتتهني، ترش الوسائد بالعطر والحنة
قولوا لإمو تفرح و تتهنى .. ترش الوسايد ( بالعطر و الحنا )
يا دارٍ هنّا و ابنيها يا بنا .. و الفرح إلنا ( و العرسان تتهنى )
و الدارِ دارِ و البيوت بيوتي .. و احنا خطبنا ( يا عدوة موتي )،
كان يقف أيوب بجواره زوجته، بإبتسامة حزينة لوداع صغيرته بهذه السرعة، تغلب البسمة عيونه التي تلمع بالدمع وهو يستقبلها ويقبل رأسها مبتسما، لتدور حولهم زهراء، خديجة ورقية وهم يكملون الغناء قائلون وبالدف يضربون : "يا بيي الحلوة لا تِكون عبوسي .. و اسمح بوجك ( و بعطي ها العروسِ )"
ليضحك وهم يضم صغيرته وهو يقولها بمحبة : أجمل من هذا الحسن ما رأينا حتي رأيتك
تهلل وجهها ببسمة، لينزل علي وجهها طرحتها عندما بدأت دموع حسناء واحضانها في تزايد وهو يقول بهمس "هيا يا عروس الجمع ينتظر"
ويحتضن يدها بيده لتمشي جواره والغناء والزغاريد يتزايد وتقف الفتيات علي مقطع أخر للأغنية :" يا بيي الحلوة لا تِكون طمّاعِ .. و المال يفنى ( و النسب نفّاعِ )"
قولوا لأمه تفرح وتتهني، ترش الوسائد بالعطور والحنة"، تزامن أخر مقطع والعروس تصل الي مقدمة المنزل فيضم الجد والأخ ويباركون بمحبة ويتقدم بإبتسامة وهو يصافح الأب والجد ليقول الأخير " اما بعد أن يبارك الله لكم، فأحفظ ابنتنا نحفظك وتكن عندنا محمودا، أنها والله الغالية العزيزة لنا، واجد مقامي عندك بمحبتك وإحسانك لها"
ليبتسم بشير وهو يقول : أحملها في عيني وعلي رأسي يا شيخي
ليقول يعقوب سامحا له بالتقدم لإكمال المراسم : إذن خذ عروسك بارك الله لكم ولنا
تقدم بإبتسامة وهو ينزع عباءته التقليدية ليضيفها علي أكتاف العروس، كدليل تراثي في عوائلهم أنها خرجت من عباءة وصاية الأهل والوالد، له ولإسمه ويمد ليدها، لتتأخر لحظات حتي تقدمها ويمسكها بلطف ويفتح يعقوب باب السيارة لتدلف العروس وبعدها العريس مع تزامن وصلة أصيلة من زغاريد غناء، وفي نفس الوقت نفس تزامن الأحداث مع زغاريد ووصول العروس لموكبها ولكن كل الأمر تتوازى الأحداث ولا يتوازى الفرح ولا يصل للقلب، مال للعين لا تري وهج الفرح أو العرس، مالها لا تري حسن المقام ولا المقيم، تري كل الأمور جنازة، تختلف الأحداث من سعادة وغزل ورقص غناء علي جانب وقلوب وعلي رماد وصمت علي أخري، يصل كل طرف وجهته النهائية، مال الخوف يختلف، هنا خوف بداية وهنا خوف إجبار، لا تري تسعد العين هنا ومتي تبكي حالها هناك، إستقبال هنا وهناك وسعادة تحيط كل القلوب ولا تمسها، وكأن اليقين الوحيد الذي ستعرفه من أسمها الأهوال، تزف وتجلس وعينيها تراقب الجمع والسعادة والحلوى ومباركة الحماة والأخت والخالة وغيرهم، لكن هناك كانت تقبع العيون الرمادية بسكون تمرر شريط المعلومات وتقييم، بإبتسامة هادئة تهنئ وهي تبشر أن أي غدر يذكر هي هنا بالمواجهة وفي الصدارة، تلك العيون الرمادية التي ترقص بدلال مع الفتيات وأبناء العمومة تبرق والبرق ولا يمزح.
........
جولته المفضلة منذ آخر عرس قريب ان يقيم في الحديقة عسي يجدها مرة أخري، ليسمع صوت أخر يقول له بخبث : أتنتظر أحد يا حفيد جبران
ضحك أنور قائلا بتجاهل : لوحدي حفيد جبران
ليقول الأخر بصدق وهو ينفث دخان تبغه : والله لا أحد يشبهه مثلك
ليجادل الأخر قائلا : والله ملامحي خليط، لا أعرف ما دهائكم لتقولوا إني أكثرهم شبها، إذن ماذا عن زهراء
ليقول بهدوء : لا أعرف أحد غيرك ولا جمعتني العشرة غير بك
ليقول مغيرا الموضع قائلا : هل تجهزت للبطولة الجديدة
نقطة محورية أخذ الاثنان يتجادلان فيها، وفي نفس الوقت كانت ساديش تلهو مع قطة خديجة الرمادية الحلوة، التي تركتها واختبت عنها، وأخذت تبحث عنها في الحديقة الواسعة، لحظة والثانية وعينها تدور في المكان، تلاقت مع أخري مميزة وأخري في الخلف خاطفة ويد الأخيرة تكمم وجهها، بمنديل به مادة تفقدها الوعي لتسقط، وسط صدمة أنور، تحسس سلاحه وأخذ يتقدم بحرص وحال نداء عيناه لرشيد أن يطلب الدعم و أن يغلق القصر حالا ويقام اللازم، وتقدم الأول، وفي نفس الحين كانت خديجة ونقاء يبحثون عنها ليتنالوا الطعام معا، وفي الأثناء ضرب أنور بسلاحه وأخذ يعقوب الشباب وأحاطوا جهات القصر الأربعة وعرفوا الغرباء سريعا وبإشارات بينهم تم الإمساك بيهم، وتقيدهم، مع صوت الطلق الناري، شد الإنتباه وركض الشباب لمصدره فوجد أنور قد ضرب أحدهم في كتفه والأخير يوجه سلاحه لوجه تارة ولرأس ساديش المغمي عليها تارة وهو يقبض علي عنقها مثل الشاه ، فأتي رشيد يضرب رأسه من الخلف، ثم علي وجهه ليسقطه أرضا، ويتقدم المعتز الغاضب وهو يلقي عبائته علي أخته فاقدة الوعي ويحملها ويعقوب يرشده للداخل وهو ينادي علي والدته عند إقترابه من الباب وهو يفتحه ويدخل غرفة جانبية، وحينها دخلت خديجة وهي تضع وشاحها علي رأسها ووجهها لتخفي زينتها مثلها مثل حسناء، لتشهق وتصرخ بفزع بإسم ساديش، ليغادر المعتز عندما حضرت نقاء، وهو يقول : نستسمحك يا خالة،لتبقي عندك، حتي نحل الخطب في الخارج
لتواجه عيون خديجة يعقوب ليقول وهو يخرج : لا ندري حتي الأن من تجرأ علي حرمة منزلنا وقصد ساديش، عيونكم عليها، نريد ستر الأمر وإنهاء العرسان
عيناها تابعت خروجه وهبطت للنائمة بكامل زينتها وفستانها الفضي اللامع مع هذا البشرة شديدة البياض أضاف لها المزيد من الحسن، ولكن هذا الحسن يخفي داخله و ورائه خراب ودمار ورماد يتطاير مع الهواء يتلقص بها مهما هربت، وبين الرقص والغناء مرت ساعات العرس، ليتسرب الخبر لمسئولي الأمن الذين حضروا بعدها ، ليقول أكبرهم بعد إنتهاء أغلب الجمع : هل صحيح ما سمعنا يا شيخ زهران، أن أحدهم تهجم علي القصر وهو في حوزتكم
كان سيدير الأمر، ولكن أحيانا لا تمر الأمور البسيطة، ليقول أنور وهو مازال الغضب مسيطر عليه والغيرة تفتك به، لمشهد خوف ساديش عندما رأت هؤلاء واخذوها وكأنها شيء بلا قيمة، من السبايا هتف وسمع هتافه كل المجلس وغدا سيسمع قوله كل الجنوب : نعم، حالوا الهجوم ولكن مرت الأمور والمكان والرجال وخطيبتي ساديش بالف خير، سلمت سيدي
الكبار منهم تجمدوا لحظة يدركوا حديثه، أمسك المنتصر بالله أخيه المعتز هو ويعقوب بصعوبة قبل أن يلكم أنور وجراءته، ليقف جبران لينهي الأمر قائلا بمهادنة :أن شاء الله، مازالت العائلة تستخير، و الباقي علينا، سلمت لنا
ومد يده وصافحه وأوصله هو والشيخ زهران للخارج وهناك متعجبة وأخري تقفذ حمم وشزر،سلم الشيخ زهران علي أغلب الجمع وعندما عادوا قال صالح وهو يلومه بغضب : كنت سآتي لاشكر معروفك، ولكن ما يمنعني عن صفعك هو مجلس جدك
ليقول أنور بعناد : بغض النظر، لا اتنازل عن كلمتي أنا وجدي وأبي نطلبها وأستخير إن أردت
ليقول المنتصر بهدوء :صلوا على الحبيب أيها الجمع
تعالي صوت الهمس بالصلاة، ليكمل المنتصر : شيخي زهران نحن لا نعلم عن حياة أختي قدر أنملة مازلنا نحاول تقويمها علي عاداتنا وتقاليدنا وحتي طقوس الدين، كيف نزوجها لشخص لا نعلم إن كانت زوجة غيره أم لا
ليقول انور بتصميم : يا سيدي عزباء، مطلقة، أرملة أنا اطلبها منك
ليذكرهم قائلا : ومشروع خطبتك من ابنة عمتك
ليقول الجد جبران منهي الأمر : صالح، انا يشرفني أنا أطلب يد ابنتكم لأبني وحفيدي، أما ما سبق، فقد أختار الله لكل منهما نصيب، ونحن نطلب نصيبنا
ليقول مصطفي داعما : وأنا علي كلمة أبي ورغبة أبني
ويكمل الشيخ زهران وهو يربت علي كتفه: أستخير وبلغنا ردك يا بني
ليقول المعتز وهو مشتعلة بالغضب : وان رجعت في طلبك لن تعود بعنقك
أنور فهم تلميحه، إن تراجع سيضرب الجنوب بسمعة ساديش الأرض، الاقاويل كثيرة عليها بدون حاجة، والدها يحاول ان بدائرة معينة لتقويمها، لزرعها هنا في هذا الأرض، لا يعلموا أن الأرواح طيور حرة لا تأسر، فقال الأخير : علي كلمة الجنوب "العهد ثمنه العنق"
رحلت ساديش برفقة عائلتها وهي بين الوعي وعينا خديجة عليها، ويعقوب يخبرها بتعب : يوم عصيب حقا
هزت رأسها وهي مازالت تتابع رحيلهم وهي تقول : ماذا فعلتم بالرجال
قال وهو يضع كأس العصير بعد أن ارتشف أغلبه : جرحيهم ومصابهم والباقين مقيدون ويجلسون في احدي المستودعات
لتقول حسناء بابتسامة : إذن ما لبست ابنة صالح، حتي شغلت قلب إبن جبران وولع بها فقط من بضعة لقاءات بالصدفة
ضحكت الجدة وقالت : نفذ وعده، عذراً يا سمية، لكن ساديش تنافسك في الحسن حقا، وعد الفتي وأوفي
رقية وهي تداعب قطها الأعرج : خفت عليها كثيرا اليوم
ليقول زهران : لا تخافي رقية هي بخير وأمان الأن، وهيا جميعا للنوم عندنا وليمة العروسان غدا، وعندكم زيارة لتوديع إبنتكما قبل سفرها
ووقف وتبعه بهية وهو يقول : تصبحون على خير
.... وهموا بعده للصعود لغرفة، وفي وادي أخر وصل بشير غرفته وطرق الباب بخفة وفتح ليجد حفصة تجلس علي حافة الفراش وهي تضم يدها بتوتر ومازالت الطرحة تخفي وجهها وزينتها،، فتقدم لها ورفع الطرحة وأزال العباءة الخاصة به وقال بمحبة وعشق : أنارتي بيتي وحياتي حفصة، أنتظرك طويلا، يا أهلا بلب القلب وصاحبه
أبتسمت بخجل، فمد يده لها وهو يضمها بلهفة، والعيون تخبر بوعد قديم ووعد اتي، وعمر يبدأ معهم، يبدأنه سويا
ولكن هناك في بقعة أخري، مر ولا أحد يعلم ماذا حدث عندما تنقلب الدينا وتختلف الحياة ويتغير العرس بالكفن ويكون فصل الختام عروس بين الدموع والدفاع، تشهر سلاحها قائلة بقوة هاوية، مهتزة و خائفة "إن اقتربت سوف أقتلك"
________
يتبع....