الفصل السادس والعشرون
محاولات حياتنا لا تنتهي بعد الموت حتي يبقي منا جزء يحاول في أبن، في عمل، وفي علم، نحن لا نهلك إلا إذا قررنا
"إذا مات إبن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"
.......................
قبل صهيب عزيمة الشيخ نعمان ورحبت بهم ام سلمان بشدة، قضت يقين أجمل يوم ستذكره أو سنذكره نحن لاحقا، لعب مع صغار أخوة سميرة ومعها، كانت سعيدة بإستعادة عافيته لو جزئيا تلعب بمرح هنا وهناك محاولة ان تتبع تعليمات الطبيبة بعدم إجهاد قدمها في البداية والآن تساعدهم في إعداد الطعام رفض أم سلمان ولكن لا فائدة وخاصة عندما علمت من سميرة أن طاجن البامية باللحم الضأني هو طبق صهيب المفضل، أعدته بسعادة وتتسامر وتمزح معهم وسط الأسبوع بعض المزحات المقصودة عليها وعلي صهيب، وعند الإفطار تجمع الرجال وبسم الله بعد الصلاة تناولوا إفطارهم بنهم وجوع، ولكن طعم الطاجن كان لذيذ لم يذق بلذته، كان يأكل منه بدون شبع حتي أنهاه وجلوس يشربون الشاي ومنهم من ذهب يجدد وضوئه، وقال صهيب بشكر : والله سلمت يد ام سلمان، أطيب ما أكلت منذ فترة
ليشاكسه سلمان قائلا : والله سلمت يدها ويد ام الصديق، تصنع أفضل طاجن بامية باللحم الضأني لم تأكل غيره
ليتعجب صهيب ويقول : متي أتت جدتي
ليغمز له قائلا : أبا الصديق أعرفك تفهمها وهي طائرة
أبتسم صهيب بخجل وقال معيدا : سلمت يد الجميع أبا مغيث
وضحك الشيخ من مزاحهم، ليمر عليهم منتصر قائلا : السلام علي الشباب والشيخ نعمان
ليضحك نعمان قائلا : تأدب يا ولد ما زلت شباب عيب عليك
ليضحك قائلا : أبو وعم الشباب كلهم شيخي، الن تذهبوا للصلاة سيرفع الأذان
وعلي قوله رفع الأذان، فقاموا معه ومازال الشباب في مشاكسة ومزاح مع صهيب والمنتصر تارة ويسألون عن معتز، ليخبرهم سبقهم وهو ونور، وفي هذا الوقت تعطي ميسون بخب وحماس لساديش فستان قائلة : ستردين هذا في العيد
وضمتها وهي تقول : بسم الله، أنت جميلة جدا يا فتاة، سيأكل منك قطعة
وأخذت تعطرها قائلة : تعلمين ساديش كثيرا من الأوقات تمنيت وجودك، أعيش مع ولدين واحد منهم صلب كمعتز وأخر طيب ومشغول كمنتصر كنت أفتقدك، كنت أريد كثيرا ان يكن لي اخت بنت أشاركها وتشاركيني، تعلمين والله زوجي يزن علي رأسي أن يكن لنا صغير أخر ولكن أنا أرفض أو اؤجل
لتسأل ساديش بفضول : لماذا
لتقول بصوت خفيض: أخاف أن تكون فتاة فتصبح مثلي بدون اخت، لكن الآن سأفكر بالأمر، وسألت بحماس : تجيدين طبخ المعكرونة الإيطالية
لتهتف بسعادة : بالتأكيد
لتقول ميسون بجوع : لم اري منك السبت أو الحد يا بنت.
لتقول ساديش بحماس : تعالي معي سأعد لك أجمل معكرونة إيطالية
وذهبتا للمطبخ وسط الكثير من الحكايات التي درات بينهم عن الدول التي ترزوها ميسون مع زوجها السفير و ساديش تخبرها أن عليها تجربة إيطاليا وأجواءها ولا تتعب من الزحام، ولأن ميسون قلب طيب كان يشتاق لوجود اخت لها وتتخيلها كثيرا، فرحت عندما وجدت ساديش جميلة محبة وبينهم قبول يسرع خطوات التقارب بينهم، رغم أنها البداية لكنها كانت تكفي الأن مع الوقت سيزداد الرباط بينهم، هذا كانت كلمات سناء وهي تراه وتسمع ضحكاتهم ونقاء تشاركهم المرح، فتاة مسكينة حالها مثل حال سناء لم يأخذوا إلا القشور في قلب صالح، الذي كان وقتها يجلس بعد إنتهاء التراويح يستغفر بهدوء وخشوع ويطالع المسجد فيشتاق للصديق وروحه وقربه و وجوده أصبح يراه و يستشعر وجوده كثيرا بعدما بدأ يصلح علاقته بصغيرته، يعرف انه وإن غاب يظل حي داخله يرشده ويخبه، أكثر من أحب وأول من فقد
وعلي قول خديجة لروح أبيها وصورته دائما في كل مناسبة صغيرة، كبيرة تحدث لهم، تقول لصورته ولقبره " أراك حاضرا بين الجميع، وانت حاضر والجميع غياب"
....................
منذ أيام فكرت خديجة أن تتصل يعقوب ولكن لم يكن يجيب عليها لا في العمل أو بيت المزرعة أو منزل اخواله، يؤلمها قلبها لحالتهم هذه وهي السبب وتعجز عن الإصلاح تماما، الحزن يأكل قلبها وتذكر حديث خالته سكينة يوم العزيمة في نهايتها وهي تودعهم همست لها "تذكري خديجة أنت لست يعقوب ولن تكوني، ستمر الايام وستمرين بعدها وسيجد هو من تليق به وتحافظ عليه، لا حجر مثلك، ينطق الحجر وهو لا "
منذ وقتها والجملة تهدم فيها وتبني جدران من خوف عازلة تحتجزها، الجميع يراهن علي فشلهم، أيحسبون أنها غافلة، خديجة التي عاقبت جميع أولاد عمومتها وأوقعتهم في شر أعمالهم أيام المراهقة، تذكر كيف تراهنوا عليها كأنها سلعة، وتذكر كيف بعثوا لها الخطابات بعضها رخيص وبعض مسيء، جمعتها جميعا ورفعتها لجدها وأوقع عليهم جميع العقاب التي إختارته، تذكر كيف ظنوا أنها تقبل الرسائل منهم وكيف غضبوا لأنها فاقتهم حيلة، تذكر أيضا أن بيوت الجنوب لم تخلو من الحطب طوال الشتاء، بمساعدة سواعدهم ومن يومها وجمع نساء الجعفري يكرونها نكاية بما حدث وينتظروا لها فرصة للسقوط والشماتة وجميعهم يستنكروا زواجها من يعقوب وكانت لا تريد بسبب هذا، لم تكن تريد حرب إضافية، يكيفها غضب جدها المجهول علي أخيها ووقع هذا عليه من حزن، هي الأن تقف مثل أسد جريح يتسع جرحه، خططت أن يكون زواجه من يعقوب زواج هاجئ يضيف لهم الإستقرار أكثر في العائلة يضيف لإخيها عون وقت الحاجة، ولكن الحب هذا لم تخطط له، الحب هذا سيجعلها ضعيفة، تنهار قوة من نظرة، هي خديجة تنهار من نظرة صادقة من صاحب الغمزات، ولكن الإعتراف بالأشياء أسوء من نكرانها، يوم زفافها حدثت أبيها كثيرا عن خوفها وأحلامها أخبرته " عزيزي وحبيبي الصديق أبي وتاج رأسي واسمي الغالي، لا تراني أنساك كي أذكرك، دائما في القلب والروح حبيبي وأنت هما وهما من دونك عدم، اليوم أخطو خطوات جديدة خائفة ومترددة أطلب من الله العون والبركة وأطلب منك السعادة والفرح، خديجة ابنتك أصبحت عروس، يا كل عزى وكل أمري هل تراني جميلة كما تحب، با أيها الحاضر بين الجميع وأنت حاضر والجميع غياب، السلام عليك وعلي قلبك والرحمة من الله لروحك، عزيزي أبي أصبحت عروس، هل تراني كم تحب جميلة ترفع رأسك وشأنك، عسي أن يليق عرسي وهيئتي بأحلامك يا روح الروح ونبض الفؤاد وعساني قريبا أزف لك نبأ زواج صهيب ورقية ليفرح قلبك، لا يجدر الفرح إلا بك " وتمضي الأيام واليوم تشكو له الخوف الذي تعرف أن روحه الغالية تراه ولكن روحها المثابرة رفضت أن تخبره به، هو حصنها الأمان لكل الأسرار الأحلام والخوف كل شيء، تفكر في لحظة كيف ستكون حياتها لو كان موجود العزيز الغالي، لا تعرف خطة محددة لذلك ولكنها تعرف أنها سيكون الأكثر حبا وعطفا وحنان لها... وعند هذه الخاطرة أعدت رأسها للخلف بتعب، الصيام مرهق حقا مع جرحها
..........................
نزل يعقوب في باحة منزل بشير وهو يقول لوالدته : امي لما الخوف، عسي التعب حملا
لتعارضه والدته قائلة : بني بشير أخوته فتيات وتزوج من قبل، أكيد يعرف العلامات أن جهلت أختك، لا أظنه يغفل، لهذا قلبي لا يطمئنني
ليقول لها بتسليم : أن شاء الله خير حبيبتي هيا
لتضم صغيرتها قائلة بحسرة : أنظر يعقوب وجهها أصفر
ليقول بشير بتعب وشرح : من كثرة القيء خالتي لا تكاد تأكل طعام حتي تستفرغه
لتقول حفصة بتعب : أشعر بالدوار أمي، لا أستطيع أن أرفع رأسي من شدة التعب
لتقول والدتها بإستياء : حبيبي لأنك لا تأكلين، ستصابين بالجفاف هكذا
ليقول رحيم مرحب : أهلا يا خالة ام يعقوب، والله تعبت معها ولا تشرب سوي الليمون أيضا علي هذا
ليقول بشير مؤيدا : نعم خالتي لا تشرب ام تأكل غيره أحيانا، أقولها نذهب للطبيية أو ندعوها تأتي لا تريد الا بوجودك
ليقول يعقوب بلطف وهو يداعب شعر أخته : لأنها تخاف منهم، دائما ولابد أن تكون امي معها
لتقول حسناء بذهول : أذهبوا وأستعجلوا الطبيبة وأتركوني مع صغيرتي وحدي
هز بشير رأسه وخروج وأخذت تسأل حسناء قائلة : حبيبي، هل أتت العادة هذا الشهر
لتقول حفصة بتعب :نعم ولكن متأخرة ربما وليس ككل شهر أقل وقتا وقدرا، قولت بسبب تغيرات الهرمون بعد الزواج
سألت حسناء مجددا : تأخذين موانع حبيبي
هزت رأسها بلا، سألتها حسناء وهي تشير لبعض المناطق في جسدها : هل تشعرين ببعض التغيرات أو الألم هنا
لتقول حفصة بتعب : قليلا أمي
ضمتها والدتها بسعادة قائلة : إن شاء الله تبشرنا الطبيبة، وحدث وبالكشف المبدئي حفصة كانت حامل، وأطلقت حسناء وابل من الزغاريد وخرجت لهم بوجه مستبشر وهي تقول بعتاب لبشير : مبارك يا أبن الطحان
ليبتسم بشير بسعادة قائلا بصدمة : بالله عليك يا خالة حدث، حفصة حامل
لتقول حسناء ببعض السخرية : نعم يا عيون خالتك، أول الأعراض وعرفت بالأمر، كيف لم تعرف وتبشرنا
ليقول بشير بحرج وهو يحك عنقه : مالي أنا ومال أمور النساء يا خالة
أوسعت له الطريق قائلة : حسرة علي وعلي ثقتي بك، أذهب وبارك لزوجتك
أشبه بالركض ذهب يبارك لها بسعادة وقد سبقه يعقوب ورحيم، لا تنسي مدي سعادة أيوب حين عرف وكيف دمعت حياة وهي يضم صغيرته بسعادة ويوصي بشير بالاهتمام بها ويستأذنه أن تزورها حسناء كل يوم لو أمكن لأن حملها يبدو صعبا من البداية، لحظات جميلة زارت قلب العائلة الصغيرة بعد كفاح وصبر سنوات سبقت وقت مرض أيوب بالعقم، ولسان حال حسناء يدعو طمعا في كرم الله " العقبي ليعقوب يارب، العقبي لحبيبي البكر، يا صاحب الكرم والفضل فيض علينا بكرمك دائماً "
.........................
الخبر كان جميل وذهب الكل تبعا ليبارك لحفصة رقية، نقاء، ساديش، ميسون، سعاد وسميرة ويقين وسمية والجدة والكل كليلة من الخالات و زوجات الأخوال ويسعدون بأصغر حفيدة لهم في العائلة من أصغر اخت حاملا، وزهراء تخبرها عن عذر خديجة ومرضها لم تهتم كثيرا وقالت : لا بأس زهراء لا يضر
لتقول زهراء مذكرة : حفصة أنها خديجة، ما بينها وبين يعقوب شيء ونحن شيء أخر
لتقول حفصة بدفاع : لا حبيبتي هذا أخي وانت مثلي و أكثر لو أحزن أحد أخاك، وعلي قول جدي يرضي يعقوب والخلاف يحل سنرضي جميعا
..... وقتها تدخل الكل لتغير الموضوع حتي لا يحدث خلاف بينهما في هذا اللحظات السعيدة
...............
وفي منتصف الشهر قرر الشباب صنع عزيمة في منزل معتز منها يعزم أنور صهره ويحدثه في بعض النقاط التي تشغله ومنها يستمتع الشباب بمجلس خاص بهم، جميعا من أول صهيب حتي أنور وما بينهم من زوج اخت لميسون وأبناء الشيخ نعمان وبعض المقربون الآخرون و بالتأكيد صفي
وأثناء عودته معتز للمنزله ليجهزوا لحفل الشواء الخاص بهم، وصله اتصال من نور الذي سبقه مع باقي الشباب ومنتصر قائلا : معتز، هل يمكن أن تمر علي المنزل وتأتي بمعطفي لأني نسيته
وافق معتز وبعدها مر علي منزله وسلم علي الحارس وراح يطرق الباب، وفي تلك الأثناء قالت والدة نور : ما شاء الله ضئ وجهك عاد كالقمر، هكذا ابنتي عودي للحياة وتزيني تتزين لك
لتقف وتلف وهي تريها فستانها ذو القماش الناعم الذي ينساب ملاصقا لمفاتنها بدلال بلون السماوي الرائع وزينتها من الكحل وأحمر الشفاه : حلو هذا.
لتقول أمها بحب : أعادك صبية في العشرون
وأخذت السيدة تضع قدر السكر علي النار لتجهزه لصينية الكنافة، فأتي جرس الباب، لتقول ضئ : أظنه نور نسي شيء، سأفتح له
لتقول والدته بطلب : أعطيه معطفه الجو برد ليلا عليه، لا تنسي
فردت عليها " لن أنسي لا تخافي"
من عادة المنزل أن الضيوف يبلغوا قبلها أهل المنزل من قبل الحارس ولكن العم رحل لصلاة المغرب والإفطار في منزله ولمعرفته معتز الذي يتردد علي نور لم يعده ضيف أو غريب وخاصة أنه لا يعلم برحيل نور، كان معتز يعيد رن الجرس وما كاد يخفض وجهه حتي فتحت ضئ بزينتها قائلة : حسناً نور أتيت
ولكن صدمة رؤية معتز الذي صدم مثلها وذهب للطرف الأخر يخفض بصره، وهي التي أغلقت الباب بعنف وصدمة، خرجت بسببها والدتها بفزع وهي تري ضئ تضم معطف أخيها بشدة، لتقول بفزع : ماذا حدث ابنتي
لتقول ضئ وهي تجمع حديثها : كان أحد أصدقاء نور وليس هو
لتأخذ منها المعطف قائلة : وأنت لما لم تأخذي حرصك
وفتحت الباب وجدت معتز يهم بالرحيل، لتقول له بلطف وإعتذار : عذرا بني ما عرفنا بمجيئك لم يبلغنا الحارس
ليقول معتز بهدوء وإحترام : لا يهمك يا خالة، وجدته مستعجلا لأجل الصلاة والإفطار في منزله، كنت أحسب عندكم خبر
وهنا رفع الأذان، لتأخذ أم نور تمرة من الطبق المجاور للباب وما إن قبلها، نأولته سريعا كأس عصير قائلة : أكسر صيامك بني وخذ غرضك ولا تنس أن تمر علينا للإفطار معا في يوم وأعذرنا مرة أخري
ليقبل منها معتز ويكسر بهم صيامه ويشكرها..........وقول الرواي يقول "ضع علي صدري يمنياك ، فما أجزى الماء بإطفاء اللهب"
............ يتبع