بعد فترة صمت امضاها فيكتور في تأمل الأسماك أعاد نظره على التماثيل وهو يقول بشرود
فيكتور:« لكن أليس هناك معيار محدد.... كلها متشابهة.....»
باربرا:« ربما نقدر على الاختيار بعشوائية... من يدري ربما تكون اول سمكة هي الصحيحة!»
فيكتور:« و ربما المليون هي الصحيحة.... ان عددها كبير..... وربما عدد المحاولات محدود... وربما الوقت أيضا.... لا أظن أن الأمر يخلو من الخدع»
ارتسمت ابتسامة خبيثة على وجه درن بينما كانا يتناقشان حتى لاحظها فيكتور
فيكتور بنبرة من الشك:« ماذا؟!... تعابيرك لا تبشر بالخير!»
درن:« احب فقط رؤيتكما حائرين.... خذا وقتكما في التفكير لقد احببت الأمر»
قالها ثم ابتعد الى آخر القاعة واتكأ على الجدار وهو يراقبهما من بعيد بابتسامته تلك....
حدق فيه فيكتور لبضع ثوان بشك و ارتباك، لكنه لم يأبه كثيرا ثم عاد لباربرا
فيكتور:« اظنه يخطط لشيء لكنه لا يهم مادام الغصن في حوزتي.... هل هناك اي أشياء أخرى في القصة لم تذكريها؟»
باربرا:« قلت لك المعروف... لكن التفاصيل الأخرى تختلف بين القيل و القال.... »
تمتم فيكتور بخيبة امل:« فهمت اذن....»شبك أصابعه خلف رأسه و سار سارحا يتأمل الأسماك التي تطفو في الهواء من حولهم ذات الوهج السماوي البارد الذي يضيء القاعة الحجرية بشساعتها.... كان المنظر أخَّاذً.... لكنه لم يسمح لجمالها ان يعرقل تفكيره..... ألف فكرة و سؤال كان يحوم في خاطره.... لكن مامن إجابة أو استنتاج واضح... هذا أزعجه و جعله يشعر بفراغ في جمجمته، فعقد حاجبيه من كثرة الحيرة..... وباربرا كذلك كانت تتأمل التماثيل الثلاث وتحاول فهم سر تعابير فيروز وأيروز و السر من وجه نيروز الممسوح.... أمعنت النظر إلى نيروز....
حتى لاحظت ان قناعها تشقق من الجانب حتى المنتصف فجأة محدثا صوت تصدع قوي ملأ صداه القاعة كلها... تفاجأ فيكتور و باربرا و زادت تعابير فيكتور حيرة و ذعرا لما راى وجه نيروز قد تشقق
فيكتور:« باربرا!!!... ماذا حدث؟! ... هل فعلت شيئا خاطئا؟!!!»
باربرا:« لالا!... لا اعلم ماذا حدث»* ان كنت لم تفعلي اي شيء.... اذن *
قالها في نفسه ثم التفت صارخا بغضب و صوت أجش نحو درن الذي كان في آخر القاعة مبتسما و يمسك سمكة في يده
فيكتور:« مالذي تخال نفسك فاعله!!! ..... يا درن!!!»
ضغط على السمكة التي بحوزته حتى انفقعت و صارت غبارا ثم اختفت.... قال لفيكتور بنبرة سخرية و استفزاز وفي عيونه بريق من الأذى « ستة»
احتدم فيكتور غيظا فصَّر على أسنانه بقوة و أحكم قبضته على مقبض السيف فاستله بعيون ضيقة ملؤها غضب ثم انطلق و هو يقسم على قتله و تمزيقه إربا إربا.....
هرب درن من مكانه وهو يضحك بسخرية وكان مستمتعا بإغاظة فيكتور فقال بمرح و هو يهرب
درن:« هاهاه.... مابالك يا بشري!!!... انها ست أسماك فقط!!»
اشتد بريق عيون فيكتور المحتقنة غضبا وهو يركض خلفه ثم صرخ
فيكتور:« هل حياتي انا و باربرا لعبة!!! سوف أصل للعفن الأسود مهما كان الثمن!!!»
زادت متعة وحماسة درن وهو يهرب من فيكتور واتسعت ابتسامته فأمسك سمكة اخرى وفقعها مجددا.... ثم صرخ بتسلية:« سبعة!!!.... اقتلني ان استطعت ذلك يا بشري...... ثمانية!!!»
وفقع السمكة الثامنة وهو لا يدرك عواقب فعلته، ولم تقدر باربرا على فعل شيء سوى الوقوف امام التماثيل و مشاهدة محاولات فيكتور البائسة للإطاحة بدرن.... كانت المتعة تفيض من عيونه عندما نجح في استفزاز فيكتور..... فقع سمكة أخرى...
درن:« تسعة!!!....وهاهي العاشرة... عشرة!!!»صوت تصدع قوي دوى في القاعة، توقف الجميع عن الحركة وتجمدوا في أماكنهم... ينظرون برهبة لهول ماحصل.... انقسم قناع نيروز وسقط كلا جزئيه على جانبي باربرا.... وازداد ذعر درن و فيكتور عند رؤية تعابير نيروز الحجرية و المرعبة.... وجهها متشقق ملىء بالطحالب بين تلك التصدعات.... عيونها حادة وكبيرة.... لايوجد فيها غير سواد فارغ لا نهائي..... اطلقت زفيرا هادئا و طويلا فور انكسار القناع.... زفير طويل له بخار متجمد يبعث القشعريرة و الرعب في نفوسهم..... يدا فيكتور ترتعشان وهو يمسك بالسيف من مقبضه.... كانت جبينه تتصبب عرقا باردا.... يأخذ أنفاسه بصعوبة وهو يختنق.... رأى الموت امام عينيه..... سمع صوت اطراف نيروز الحجرية وهي تتحرك لأول مرة بعد مئات السنين... انحنت واقتربت... لمس طرف انفها أجنحة باربرا.....
زادت رعشة فيكتور عندما تذكر ان باربرا قريبة من هذا التمثال.... أراد ان يتحرك لكن شعر و كأن أقدامه تخللت الأرض وهي مثبتة فيها بإحكام.... غير قادر على شيء سوى الرعشة و النظر... تمتم بصوت مرتعش يكاد يكون أعلى من الهمس " با_ربرا "
فجأة كسر درن حاجز الصمت المرعب ذاك و صرخ برعب و غضب....
درن:« هيا انفذا بجلدكما!!!»