لقاء واحد في احدي المحطات..كفيل لتغيير مسار حياة بأكملها إلى وجهة أخري غير التي أردناها في البداية !!
جاء الفجر بمزيد من عناية ﷲ ورحمته لخلقه، استيقظت تلك الجميلة؛ لتؤدي فرضها، ثم ارتدت ثيابها وضبطت حجابها، ألقت تحية الصباح على والدتها - التي كانت تضع أطباق الطعام على الطاولة - وقالت :
_ الله الله!.. ده ايه النشاط ده كله؟!..
أشرقت ابتسامة حنان وهي تضع آخر طبق، قائلة :
_ قلت ألحق أحضرلكم الفطار قبل ما تروحوا شغلكم..
احتضنتها خديجة :
_ دايماً تعبانه علشاننا.. ربنا يخليكي لينا يا حنون..
انضم إليهم طه على طاولة الفطور قبل ارتداءه لملابسه، جلس أمامهم بشعره المشعث ووجهه المنتفخ من أثر النوم، همست له خديجة بعد غياب والدتها داخل المطبخ :
_ طبعاً!.. واحد نايم ولا على باله.. وواحده تانيه هتترفد من شغلها..
نظر إليها وكأنه يلاحظ وجودها للتو :
_ صباح الخير يا خديجة..
_ صباح الخير يا خويا.. صاحي ولا على بالك..
_ شوفي يا ستي بخصوص الشغل لو حصل واترفدتي يعني.. هاخدك معايا..
_ معاك فين؟..
_ في الشغل معايا..هكلملك الحاج عبدالرحيم غيث..
_ و هشتغل ايه يعني.. ؟!
_ والله ما أعرف.. هنشغلك أي حاجه..
_ لا والله.. وإيه الثقة اللي بتتكلم بيها دي؟ ولا كأنك صاحب الشركة!..
قال وهو يبدأ بتناول طعامه :
_ لا يا خفيفة.. بس هو راجل طيب.. هعيطله شويه وان شاء الله يشغلك معانا..
جحظت عيناها قائلة بغيظ :
_ يا سلام!.. طب ما تاخدني وتشحت بيا أرحم..
قال بلا مبالاة :
_ بتتريقي؟!.. أصلاً الحاج بقاله كام يوم تعبان وبيقولوا ابنه هيستلم الشغل مكانه.. إنما ايه بيشكروا في عصبيته ونرفزته.. فربنا يستر بقى ومترفدش أنا كمان.. ونشحت إحنا الاتنين سوا..
تملكها الاحباط، ثم نظرت إلى ساعة يدها فشهقت ، وانتفض طه بجانبها بطريقة مضحكة، قائلاً :
_ في إيه؟!
قالت بسرعة وهي تركض باتجاه باب الشقة :
_ اتأخرت.. زمان عبدالرحمن ابن خالك واقفلي بالثانية على ما استلم الوردية منه.. سلام يا ماما..
ردت عليها الأخرى سلامها بينما قال طه :
_ ابقى سلميلي عليه..
_ الله يسلمك يا خويا..
ارتدت حذائها بسرعة وانطلقت إلى عملها، بينما كان عبدالرحمن يزفر بقلق وقد تأخرت عليه لأكثر من نصف ساعة، قلق عليها ويخشي أن تمر المشرفة ولا تجدها كالمرة السابقة ، دخلت عليه خديجة تلتقط أنفاسها بصعوبة من الركض؛ فقال بلهجته الجنوبية كونه قضي شبابه في " سنجهه" وهي قرية ريفية في محافظة الشرقية، وذلك قبل انتقال والده للعيش في الساحل والعمل طباخاً في أحد الفنادق المطلة على البحر قبل عشرة أعوام :
_ ايه يا بت فيه ايه؟.. ايه اللي أخرك كده؟..
_ متآخذنيش يا عبدالرحمن.. نزلت متأخر بس...
قالتها ببساطة؛ فنظر إليها بقرف :
_ وأنا اللي قلقت عليكي.. ابقي اتخمدي بدري ياختي..
_ يا ستار يا رب على ملافظك.. أنا مش فاهمه هما شغلوك في الريسبشن إزاي؟!..
وقفت مكانه خلف الطاولة ثم رأته من بعيد قادماً، وقبل أن يراها هبطت جاثية كالقطة، بينما هو وقف أمام عبدالرحمن الذي ابتسم ببلاهة؛ كونها المرة الأولى التي يراها فيها أمامه وليس من خلال شاشة التلفاز، قال الأخير :
_ مين؟!.. أستاذ حسام بذات نفسه.. يا أهلاً وسهلاً.. ده الفندق نور..
قال حسام وقد بدأ عليه الغضب :
_ أهلاً.. فين البنت اللي بتقف مكانك..
قال عبدالرحمن وهو يلتفت إلى الخلف؛ ليراها :
_ ماهي..
لم يجدها فخمن أنها قد اختبأت.. ولكن لماذا ؟!، عاد إليه قائلاً :
_ معرفش.. بقالها يومين مبتجيش..
استغفر ربه على كذبه؛ فنظر إليه الآخر بتشكك، ثم قال :
_ بقالها يومين؟!..
_ ايوه.. بقالها يومين.. خير يا أستاذ حسام عايزها فى حاجه؟
زفر بغضب، ثم أجاب :
_ خير.. كل خير.. بلغها سلامي بس..
عضت خديجة أناملها من الخوف بينما ازدرد عبدالرحمن ريقه بقلق، راقبه إلى أن اختفى من أمامه ثم اتجه إليها وقال :
_ قومي.. قومي يا آخرة صبر أمك قومي..
همست بخوف :
_ مشي؟
_ ايوه ياختي مشي.. عملتي ايه يا حيلة العيلة؟.. حسام الزهيري عايزك في ايه يا به؟..
تلعثمت قائلة :
_ أص.. أصل..
_ أصل ايه وفصل ايه يا به؟!.. ده انتي شكلك عامله مصيبة.. وملقتيش إلا ده وتقعي معاه.. ؟!
أخبرته ما حدث معها منذ اللحظة الأولى التي رأته فيها؛ ففغر فاهه وهو ينظر إليها بذهول، ثم قال :
_ ايه ده يا قادره؟!.. ايه ده يا قادره؟!.. مش تخافي يا به.. انتي مش هتترفدي انتي هتتعلقي من رجليكي بالشقلوب ويزقلوكي بالطوب يا به..
_ طب والعمل يا عبدالرحمن؟!
_ تعملي ايه عملك أسود ومهبب يا حزينة..يعني هي الاستاذه منار مش هتعرف؟..
فكرت قليلا، ثم قالت :
_ وهي ايه اللي هيعرفها.. هو أصلا ميعرفش انها المشرفة هي أخدت بياناته بس.. وبعدين هي ماسكه إشراف وردية بليل اليومين دول مكان استاذ أحمد علي ما يقوم بالسلامة..
_ يعني ايه؟..
نظرت إليه للحظات، ثم قالت بابتسامة متلطفة :
_ عبدالرحمن يا ابن خالي...
نظر إليها وفهم مراد من هذه اللهجة فقال :
_ نعم يا بنت عمتي؟!.. أني مش هساعدك في حاجه المره دي.. انا عندي كوم لحم بصرف عليهم.. هوكل عيالي منين اني ؟!..
_ متخافش.. أنا كل اللي عايزاه منك انك تكلم الاستاذه منار على أجازه ليا.. وانا هكلم ابتسام صاحبتي تستلم الشغل مكاني الكام يوم الجايين.. يعني لحد ما يزهق ويبطل يدور عليا..
_ ازاي بقى.. هو مش نزيل في الفندق..
_ كان.. وساب الفندق من يومين..
أخذ يقلب كلامها في رأسه، ثم تنهد وقال :
_ استغفر الله العظيم.. حاضر يا خديجة.. أما نشوف أخرتها معاكي.. أني هروح أنام وبكره يحلها الحلال..
_ ونعم بالله.. مع السلامه يا عبدالرحمن..
مرت الساعات روتينية ولكنها كانت كاللصوص تتلفت حولها خشية أن يأتي في أي وقت ويراها، إلى أن جاء ابن خالها واستلم منها الوردية الليلية، وخرجت تسير بجوار الشاطئ وهي تفكر كيف تقنع صديقتها بالعمل مكانها في هذه الأيام، ولكن تبخرت أفكارها وجحظت عيناها بخوف وهي تراه آتياً من بعيد مقبلاً عليها، لم يرها حيث كان منشغلاً بالحديث مع ذلك الشاب الذي يسير بجواره، ولم تنظر اليه لتتحقق منه حيث كان الهرب أولى لها في هذه اللحظة من أي شيء آخر..
أخذت تتراجع للخلف بتوتر وبحركات عشوائية .. لا تعلم أين تختبئ:
_ أروح فين ؟!..استخبى فين ؟!..اجري يا أشرف..!
جملتها الأخيرة عادة في فمها أخذتها من فيلم "اللمبي ٨ جيجا" ،وهي تتراجع للخلف اصطدمت بالنادل فسقط ما بيده علي الأرض ،نظرت اليه آسفة وهي تتحرك بسرعة وقبل أن تعتذر ،اصطدمت بسيدة فوقعت في البحر والحمدلله أنها تستطيع السباحة!، نظرت إليها بذعر وقبل أن تعتذر ،اصطدمت بنادل آخر فأوقع كؤوس العصير علي مجموعة من الرجال ، ووسط صيحات الجميع والمشاكل التي تتسبب بها ،صاحت المشرفة " منار " بغضب وقد شهدت ما فعلته:
_ خديجة !!!..
وكانت هذه الصيحة بمثابة إعلان لرفدها....
ركضت صاحبتنا بسرعة ولم تجد أمامها إلا ذلك اليخت الراسي علي الشاطئ بجوار قارب صغير ؛ فبدون تفكير ركضت إليه وانتقلت من القارب إليه ثم قفزت بداخله ،راقبته من بعيد علي أمل أن يرحل..ولكنه يقترب!!..اللعنة!.. إنه يقترب!..بل إنه قادم باتجاه اليخت!..ما هذه السخافة ؟!،جحظت عيناها مجدداً وقالت بصدمة:
_ لا والله! .. يعني هي الدنيا ضاقت ؟!.. ويوم ما استخبي.. استخبي في اليخت بتاعه ؟!..يارب..يارب دا أنا غلبانه أروح فين ؟!..
تحركت بسرعة وهي جاثية إلي داخل غرفة القيادة ،واسترقت السمع إلى ما يحدث في الخارج ،ثم دققت النظر من خلف الباب ،رأته يصعد مع ذلك الشاب الثلاثيني..ذو الجسد الرياضي والعضلات المفتولة والظهر العريض.. ملامح وجهه سمراء رجولية ،شعره كثيف مرتب ولحيته مهندمة..
فغرت فاهها حينما رأته..انه "محمد عبدالرحيم" أحد أشهر لاعبي كرة القدم في مصر والوطن العربي.. يلعب في أكبر نادي بمصر و صاحب أكبر شعبية ،ابتسمت بعدم تصديق وقبل أن تصرخ بفرحة كتمت فمها بيدها وهمست لنفسها:
_ هششش.. هو ده وقته ؟!!
ثم ذمت حاجبيها بغيظ عندما رأتهما يجلسان برواق
.. إلي متي ستطول جلستهما ؟! ،قال حسام وهو يخلع جاكيته ويضعه بجانبه:
_ أدينا بقينا لوحدنا بعيد عن الرجالة اهوه يا عم..قولي بقي..مالك ؟.. مش مظبط كده.. رغم انك عامل موسم جامد وواخدين بطولات قد كده اللهم لا حسد.. يعني المفروض تكون آخر رواق..
همست صاحبتنا بغيظ:
_ لأ وحياة أبوك ما وقت فضفضه دلوقتي ..!
تنهد محمد، ثم قال :
_ أقولك ايه يعني؟!.. ما انت عارف ان أبويا تعبان شويه اليومين دول ..
قال حسام بلهجة الخبير :
_ غير أبوك لأنه الحمد لله بقى تمام .. وأنا لسه مكلمه ..قر يا محمد واعترف ..
همست برجاء من مكانها:
_ متقرش !.. وايه قر واعترف دي هو احنا في محكمة ؟!
ضحك محمد قائلاً:
_ انت دايماً قاريني كده يا حسام..!
_ عيب..دا أنا اكتر واحد حافظك..يبقي الكلام على ايه..؟
نظر إليه الآخر قليلاً ،ثم قال باختصار:
_ جميلة..
_ قول كده بقي.. أنا قلت باردو ان الحكاية فيها نون النسوة..ما قولتلك أنهن أس البلاوي علي الأرض..كنت مستعجل قوي على الخطوبة..
قال هذا بمزاح ؛ فقال محمد بهدوء بعد لحظات صمت:
_ احنا فسخنا الخطوبة..
تبدلت ملامح الآخر وهو يطالعه بصدمة..حيث تم الأمر سريعاً ولم تمض علي الخطبة أكثر من شهرين ؛ فقال:
_ ايه ؟!.. بتهزر!
_ لا والله بتكلم بجد..
_ ليه يا ابن ايه اللي حصل ؟.. انتوا لحقتوا ؟!
ساد الصمت للحظات، ثم تنهد ببطئ وقال :
_ مقدرش أقول ان هي السبب أو هي الغلطانه.. بالعكس انا اللي غلطت لما فكرت ان انا ممكن أغيرها وأخليها زي ما في دماغي.. وهي مقدرتش تعمل كده.. مقدرتش تفهمني.. ويمكن تكون كمان فكرتني مقفل ومعقد.. مع ان اللي أنا نفسي فيه مش مستحيل.. الجواز مش حب وبس.. الجواز زوجة صالحة تاخد بإيدك للجنة.. لما ربنا يسألني عليها يوم القيامة افتخر بيها وبصحبتها.. نفتح بيتنا على سنة رسول الله.. يا أخي كل اللي أنا طالبه ان يكون عندها حدود ويبقى لبسها محتشم.. مطلبتش المستحيل.. هي بقى مفهمتش ده.. مفهمتش ان انا مينفعش أمسك ايدها في الخطوبة زي ما بيعملوا اليومين دول لأنها ببساطة لسه مبقتش حلالي.. مفهمتش إني مبقولهاش كلام حلو كتير من اللي بيتقال في الخطوبة.. لان الكلام ده مينفعش يتقال إلا بعد الجواز.. ممكن تكون شافتني بارد.. أو مبعرفش أحب.. لكن الحقيقة إن أنا كنت مستني لما ربنا يإذن عشان أقوله وهي حلالي.. الشهاده لله هي ليها مني كامل الاحترام.. هي بجد محترمه وطيبه بس عايزه تبقى زي صاحباتها ومتحسش إنها أقل منهم.. وأنا والله مكنش قصدي أحسسها بده.. بس كنت مستني لما تبقى حلالي..
تنهد مجدداً، ثم قال :
_ على كل حال.. هي كلمتني من يومين وطلبت إننا ننفصل بهدوء.. وأنا نفذتلها رغبتها..
فغرت فاهها وهي تستمع إلى كلماته.. لقد حسبت أن الرجال أمثاله قد انقرضوا في هذا الزمان!، وتملكتها بهجة غير عادية وقد وجدت من يفكر مثلها.. إذاً هي ليست وحدها من تفكر بهذه الطريقة! ؛ فهمست:
_ هي الخسرانة يا كابتن.. ده انت كنت هتحسنلها النسل وربنا..!
قال حسام بابتسامة :
_ ولا يهمك.. ان شاء الله ربنا يناولك اللي في بالك سواء معاها أو مع غيرها.. شوف يا محمد مش أنا بكلم بنات وبروح وباجي.. لكن عارف ان اللي أنا فيه ده غلط.. وكل ما أبصلك يا أخي وأشوفك قد ايه ملتزم بحس بانبهار وأقول يارب أكون زيك.. انت لا مقفل ولا معقد يا محمد.. انت مسلم عادي وبتحاول ترضي ربنا.. الخلل فينا احنا..
_ الإسلام مش بس صلاة وصوم يا حسام رغم انهم عماد الدين .. الإسلام قلب.. نية دايمه في الرجوع لربنا.. حب ليه وخوف منه.. احنا صغيرين قوي ومهما عملنا منقدرش نوفي بعبادتنا نعمه واحدة من كم النعم اللي أنعم بيها علينا.. احنا بس بنتشعبط في رضاه.. ومادمت عارف غلطك ومش راضي بيه.. يبقى جواك خير.. وأكيد ربنا هيردك ليه رداً جميلاً.. احنا مش ملايكه يا حسام.. احنا بس مستورين.. وربنا يهدينا..
تنهد حسام بعمق، ثم قال برجاء :
_ يارب..
نظرت إليهما خديجة بابتسامة صافية؛ فلم يسبق لها أن سمعت كلام كهذا بين صديقين هذه الأيام، ثم استطرد حسام :
_ اسكت هو أنا مقولتلكش؟!..
_ خير؟
من اسبوعين كده دخل عليا عمي وقاللي اسكت يا ولد يا حسام جايبلك حتة عروسة ..
ابتسم محمد عندما قام بتقليد عمه وحركاته، ثم استطرد الآخر :
_ جمال ايه أدب ايه ..احترام ايه أخلاق ايه !!
عاد الى طبيعته، ثم أكمل :
_هو الشهاده لله مكدبش في موضوع الجمال ده ..قلت ماشي أهو أتجوز يمكن اتلم ..
ضحك محمد فقال الآخر :
_ وقدمت السبت وقلت ان شاء الله أكيد هلاقي الحد .. قعدت يا عم الحاج معاها وعينك ما تشوف ألا النور.. فجأه يا أخويا لقيتها عماله تتصرف تصرفات غريبة.. تضحك وتبرق في نفس الوقت.. و مرة واحدة لقيتها قايمة تجري عليا فقلت انفد بجلدي وطلعت أجري.. خدت بعضي قدامهم كلهم وقلت يا فكيك ..
ضحك الآخر بأعلي صوته وهو يقول:
_ هربت ؟!
_ أمال أعمل ايه ؟!..مش بيقولوا الجري نص الجدعنة..
ضحك للحظات، ثم قال حسام:
_ حرام عليك يا عمي.. بقى عشان تلمني تجوزني واحدة مجنونة ..
_ والله انت اللي حرام عليك.. أنا كل ما أتخيلك أضحك..
قال الآخر وسط ضحكه :
_ مع ان البنت ما تتعوضش بصراحه ..نسب وتعليم وجمال.. بس يا خساره الحلو مايكملش وانا قلت الحق اللي فاضل من عقلي.. المهم أنا قررت بقى أكمل في حياه السنجلة دي لحد ما ألاقي اللي تتوبني..
_ يا خوفي تيجي تتوبك تصيعها انت ..
تعالت ضحكاتهما ،بينما خديجة في الداخل تكتم ضحكاتها وقد تذكرت ما حدث ولكنها سمعت صوتا غريبا بجانبها ونظرت له ،ثوانٍ وانتفضت من مكانها صارخة بخوف من هذا الكلب الضخم ، وخرجت لهما بينما انتفضا ينظران إليها بتعجب بينما هي تصيح قائلة:
_ يا ماما..حشوه عني..روحوني من هنا!..
تفقد حسام كلبه، ثم قال بغضب:
_ هو انتي ؟!
وقفت خلف محمد بطريقه لا إرادية ،وهي تقول بخوف:
_ استهدى بالله يا أستاذ حسام .. أنا هفهمك..
_ تفهميني ايه؟!.. بقي أنا تعملي فيا كده ؟!
ترك كلبه وأخذ يركض ورائها في أرجاء اليخت ،ومحمد يركض وراءهما ، ثم وأخيرا أمسك بيد صديقه ووقف أمامه ،قائلاً :
_ جرا ايه يا حسام؟ ..استهدى بالله يا أخي دي بنت..!
_ بنت؟!.. دي قرده !.. أوعى سيبني خليني أموتها ..
_ أنا قرده ؟!.. طب سيبه كده أما نشوف هيموتني إزاي؟!
نظر إليها حسام بأعين جاحظة ودمائه تفور بداخل رأسه ؛ فامسكه صاحبنا ،قائلاً :
_ صلي على النبي يا حسام واهدا ..هي ماتقصدش..
قالت بعند :
_ لأ أقصد..
التفت إليها محمد بغضب؛ فهذه المجنونة لا تعرف إلى أي حد قد أغضبت صديقه ولا تعرف عواقب ما تفعله ، وكانت هذه هي المره الأولى التي تحقق فيها من ملامحها والتقت أعينهما للحظات، قبل أن يقول:
_ يا أخي اهدا بقى.. دي مجنونة ماتاخدش في بالك.. شهقت خديجة :
_ أنا مجنونة ؟!
_ يا ستي أنا اللي مجنون وستين مجنون كمان .. ارتحتي؟!
قال حسام بغضب وهو يحاول الفرار من يد صديقه ؛ليقضي عليها :
_ بقي أنا توقعيني في الميه.. انتي بوظتيلي أغلى ساعة عندي يا مفترية ..ده غير البدلة !
تنهدت خديجة :
_ أنا مش قصدي والله.. انت اللي جيت في وشي.. وبعدين الحاجات اللي باظت دي تطلع بكام مثلاً ؟!
أخبرها بالسعر ؛فجحظت عيناها ،ثم ازدردت ريقها وهي تقول :
_ طب متمشيها أقساط !
كتم محمد ضحكته ،بينما الآخر قال بغيظ :
_ يا عم سيبني يا عم دي بتغيظني..!!
أخذ محمد يهدئه ،وقالت الأخرى :
_بقولك ايه أصلا أنا أخويا طه زمانه جاي.. ولو حصل لي حاجه هتروح في داهيه..
استغفر محمد ربه وهو يقول :
_ يا لهوي !.. اسكتي بقى بقالي ساعة بهدي فيه وانتي لسانك عامل زي المبرد ..ايه يا شيخة انتي حقنة ؟!
_ أنا لساني مبرد؟!.. وحقنة؟!
_ اغلطي بقى خليني أسيبه عليكي دلوقتي..!
نظر له حسام بغيظ، قائلاً :
_تسيب ايه يا عم انت ماسك كلب؟!.. ما تلم نفسك انت كمان !!
ضحك محمد ، ثم قال:
_ يا عم أنا قصدي على روي.. انت ليه ظنك وحش كده؟!
ابتعد عنه حسام وجلس على المقعد يحاول أن يهدأ ،بعد لحظات قالت خديجة :
_ أنا بجد آسفه يا أستاذ حسام..صدقني ما كنتش أقصد..
نظر لها للحظات ،ثم قال:
_ خلاص محصلش حاجه..
ابتسم محمد ،قائلا:
_ متقلقيش ده قلبه أبيض ده.. وعمره مهيعملك حاجه..هو بس إتغاظ منك..وبصراحة كده هو عنده حق !
في هذه اللحظة وصل طه الى المكان واتصل بخديجة ؛فردت عليه :
_ أيوه يا طه أنا في اليخت اللي قصادك أهو ..
_ بتعملي ايه في اليخت ؟!
_ يا أخي تعالى ساعدني أنزل ..وبعدها هاحكيلك كل حاجه ..
اقترب منهم طه، ثم صعد على اليخت؛ ليفهم ما الذي يحدث ولكنه نظر امامه بصدمه الى حسام الذي كان لا يزال جالسا مكانه على المقعد ممسكا كلبه، ثم قال بغيظ وخاصه عندما تذكره جالساً مع ندى :
_ حسام الزهيري ؟!
أجاب عليه محمد:
_ من فضلك يا أستاذ طه.. خد أختك من قدامه دلوقتي لأني بصراحه لا أضمنها ولا أضمنه ..
التفت إليه طه، ثم صرخ بفرحة عارمة وهو لا يصدق نفسه أنه أمام لاعبه المفضل في الدوري المصري ؛فقال وقد نسي ما كان يجول بخاطره منذ لحظات:
_ يا خبر أبيض !..كابتن محمد ؟!..هو أنا نايم ولا ايه ..يا ماما تعالي صحيني !..
ضربته خديجة على ذراعه، وهي تحاول أن تركض خارج هذا اليخت قبل أن يتحول حسام عليها مجدداً :
_ لأ وحياه أمك !..صحصح معايا كده.. يلا بينا نخلع ..
ابتسم محمد، بينما قال الآخر وكانه غير واعٍ:
_ من غير ما أتصور مع الكابتن.. ده أنا أكيد أمي دعيالي. قالت بغيظ:
_ ده أنا هخليها داعيه عليك لو مااتحركتش معايا حالاً !
وجرته معها إلى الخارج، وأخيراً خلصت نجياً، بينما راقبها محمد ولا تزال الابتسامة تعلو على وجهه، فحمحم حسام :
_ احم احم !.. نحن هنا !
انتبه اليه الآخر فاستطرد غامزاً :
_ ايه يا مولانا .. مركز في ايه؟!
، بينما خديجة وسط خطواتها المسرعة سألت :
_ ولا يا طه أمك عامله ايه؟
_ الحمد لله ..كويسه !
_ أنا عارفه انها كويسه ..عاملة أكل ايه ؟!.. أنا جعانه قوي..
_ انتي دايماً همك على بطنك كده ..مش لما أعرف منك ايه اللي حصل؟!..
_ أملا التانك بس ..وبعدها أفوقلك ..بس أنا تقريباً كده اترفدت ..رسمي نظمي فهمي..!!
في الصباح وقفت بخجل أمام الأستاذة منار التي قالت بغضب :
_ اسمعي يا آنسه خديجة .. أنا صبرت عليكي كتير بس مش هقدر أصبر اكتر من كده!..انتي مرفوده !
قالت خديجة برجاء:
_ يا أستاذة منار والله كل ده فعلاً سوء تفاهم ..
_ أنا مالي .. سوء تفاهم ولا سوء زفت.. أنا ليا باللي شفته امبارح ..احمدي ربنا قوي اني مادفعتكيش تمن اللي انتي كسرتيه امبارح.. ده غير تعويض مالي للعميلة اللي حضرتك وقعتيها في البحر..
رفعت حاجبيها بغيظ:
_ وماله حضرتك !.. مش عايزه تمضيني على كمبيالات بالمره؟!
_ انت بتتريقي عليا يا آنسه ..ده اخر كلام بيني وبينك ..اتفضلي اطلعي بره..
زفرت بضيق واقتربت بوجهها من مكتبها ،ثم صاحت بغيظ:
_ بره بره!.. قال يعني خارجه من الجنة !
تركتها وخرجت بغضب، بينما في مكان آخر أنهى تمارينه الرياضية ،في حين هاتفه حسام؛ فأجاب عبر سماعه البلوتوث :
_ خير يا سي زفت ..؟
_ تصدق انا غلطان إني بتصل بيك أصلاً.. بس أعمل إيه ربنا ما يحوجها..
_ مالك قلبت علي أمي كده ؟!..انجز عايز أنام !
_ في خطوبة واحد زميلي الاسبوع اللي جاي ..تيجي معايا ولا ايه ؟
_ لا مش جاي..
قالها ببرود وهو ينطلق بسيارته باتجاه منزله ؛ فندب الآخر قائلاً:
_ أنا قلت كده بردو ..فينك يا ريان انت اللي كنت بتسد معايا في الحاجات اللي زي دي..
_ يا عم انت هتندبلي!.. سيبها لوقتها..
_ ماشي بس افتكر ان صاحبك في ضيقه وانت خذلته ..
_ أنت عبيط يلا ..اقفل!
اغلق معه ولكنه هاتفه مجدداً ، اجابه الآخر :
_ حل عني بقي يا حسام انت عارف اني مليش في الحفلات ..
_ بقول لك ايه انت كده كده جاي.. أنا بعرفك يعني..
ابتسم محمد بذهول:
ده على أساس ايه ان شاء الله ؟!
_ على أساس ان أنا قررت ..يلا سلام..
أغلق محمد هاتفه وهو يضحك بذهول عليه لا يفهم إلى أين ستأخذه تركيبته المجنونة تلك ، كيف أصبح صديقاً له ؟!...
أما عند حسام..:
_ صباح الخير يا سيدي يا حسام بيه..
قالتها نعيمة وهي تضع صينيه الفطور أمامه على الطاوله ؛فقال :
_ صباح الخير عبد المقصود رش الزرع؟
مصمصت نعيمة شفتيها ،قائلة :
_ وأنا عارفه له حال ؟!
نظر حسام إلى ذلك "البوز المصري الأصيل" والذي لا يظهر بهذه الطريقه إلا اذا كان هناك خلاف بينهما؛ فقال:
_ هممممم.. كده الرؤية ظهرت ..خير يا نعيمة عمل لك ايه عبد المقصود المرة دي؟!
قالت نعيمة بملامح باكية :
_ وهو بيعمل حاجة يا سيدي غير انه بيزعلني ؟!
_ يا وليه ؟!..مش لسه جايبلك جوز مفارش الشهر اللي فات ؟..
مصمصت شفتيها مجدداً وهي تقول :
_ جوز المفارش دول يجيبهم لامه في عيد الام !
_ والله أنا قلت كده !
_ ده أنا قلت له يدخلني السيما من ثلاثه لسته مرضاش يا سيدي..!
قال بسخرية:
_ لا ماعندوش حق !.. وهو ده اللي مخليكي ضربه بوز كده من ناحيته؟!
_ ليه يا سعادة البيه.. وهو أنا تافهه زي بنات اليومين دول ؟!
مصمص هو شفتيه هذه المرة ،قائلاً :
_ الله يكملك بعقلك!.. أمال الشبورة عالية ليه؟!
هنا دخل عليهما عبد المقصود وهو يقول :
_ أني أقولك يا سعادة البيه ..
نظر له حسام متصنعاً الجدية ، قائلاً :
_ اعترف يا عبد المقصود !
_ تخيل يا حسام بيه.. دي بتغير عليا من سالي..!
لمعت عيني حسام:
_ سالي ؟! ..حتى انت يا عبد المقصود ..هي البلد جرا فيها ايه بس ؟!
،ثم اقترب منه، قائلا بابتسامة واسعة :
_ حلوة ؟
_ قوي قوي يا بيه ..دا أني لما بلبسها العقد بتاعها بتبقى آخر ألاجه !
_ ومعرفتنيش عليها ليه يا عبد المقصود؟!.. اخص عليك!!
قالت نعيمة :
_ شفت يا سيدي؟.. ومش مكسوف يقول كده في وشي !
أجابها حسام وهو يتصنع الغضب:
_ ازاي؟.. ازاي تجرؤ يا عبد المقصود وتعمل كده ؟!.. انت مش عارف انت عملت ايه؟!.. فيها ايه أحسن من نعيمة علشان تفضلها عليها؟!
_ ومش بس كده.. ده بيقعد معاها أكتر ما بيقعد معايا.. وبيقولها كلام حلو مبيقولهوش ليا سعادتك .. وطول الوقت بيلعب معاها ويحسس عليها..
ولأنه يعتقد أنهما يتحدثان عن فتاة عادية؛ نظر إليهما بريبة:
_ قدامك ؟!
_ قدامي !
_ طول الوقت ؟!
_ طول الوقت !
اقترب حسام منه مرة أخرى قائلاً :
_ ماهي دي مش أصول بردو يا عبد المقصود ..دي ست بردو وليها مشاعرها.. وبعدين طول الوقت يا عبد المقصود ؟!
أجابه الآخر بجدية :
_ أصلها يتيمة يا بيه ..وملهاش حد غيري..
_ بس انت متجوز يا عبده !.. لكن أنا فاضي ابعتها عليا وأنا هاخد بالي منها كويس..
_ لأه بردو يا بيه ..أصلها مابترتاحش مع حد غيري.. رفع الآخر حاجبيه ،قائلاً بدهشة:
_ لأ حنين يا عبده !!
قالت نعيمة ببكاء :
_ وأنا مليش دعوه يا عبد المقصود.. يا أنا يا سالي دي في حياتك..
أجابها بعصبية :
_ مقدرش أبعد عنها يا نعيمة .. انتي متعرفيش هي بالنسبة ليا إيه ..
قال حسام بغضب مصطنع:
_ هتكون مين يعني ؟ وهي تيجي إيه جنب نعيمة؟!_ قوله يا حسام بيه..
_ ما أنا بقوله!.. ده نعيمة ضفرها برقبه ألف سالي من اللي بتتكلم عنها.. فوق !..فوق يا عبده !.. دي كلبة ولا تسوى..!
في هذه اللحظة نبحت سالي وكأنها تدافع عن نفسها ؛ فانتبهوا إليها واقترب منها عبد المقصود يضمها بحنان قائلاً :
_ سالي !.. إيه اللي خرجك من عشتك دلوقتي ؟!..
_ شايف يا سيدي بيعاملها ازاي ؟
نقل حسام بصره منها إلى سالي بذهول ..لا يصدق أنه دخل نقاش كهذا من أجل كلبة !! ؛فقال بغضب مكتوم :
_ هي سالي.. كلبه ؟!
أومئت له نعيمة ؛ فقال وهو يخلع نعله :
_كلبة ؟!..آاه !!..طب تصدقي بقى ان أنا اللي كلب إني اتدخلت في مشاكلكم التافهة.. يا عيلة تافهة يا ولاد ال...
ركضت بسرعة قبل أن يلقي حذاءه خلفها ،بينما قال عبد المقصود :
_ سيبك منها يا حسام بيه ..دي وليه خرفانه.. بتغير من كلبه!!
نظر إليه حسام ،ثم تمتم قائلاً :
_ يا أخي احمد ربنا.. دا أنا مش لاقي كلبة تغير عليا.. سمعه الآخر ؛فقال :
_ متقولش كده يا سيدي.. ده انت ألف كلبة تتمناك !.. نظر إليه حسام بغضب، فتدارك الآخر نفسه قائلاً :
_ قصدي واحده.. واحده يا حسام بيه.. عن اذنك.. سحب سالي ؛ لتخرج معه ، بينما ضرب حسام كفاً بالأخري وهو يقول:
_ إلهي أنت تعلم كيف حالي.. فهل يا سيدي فرج قريب .. أنا كمان عايز حد يغير عليا من صبحي ولا انا مشبهش يعني ..؟!
تنهد ثم تناول فطوره بغيظ.. وقد سأم حياة العذوبية ..وبنفس الوقت لا يريد حياة الزوجية!!!نهاية الفصل الثاني..
يا تري الكابتن هيروح الخطوبة مع حسام ؟..
وايه اللي هيحصل في الحفلة ؟
مستنيه تفاعلكم يا حلوين 💜

YOU ARE READING
خديچة ( قلب الكابتن )
Romantikوبعد أعوام من الصبر ترى أن ذلك الإحساس الذي صدقته - دون دليل علي إمكانية تحقيقه - صائباً .. ذلك القلب الذي عاشت تحفظه لأجله يخبرها الآن بأنها علي موعد معه.. ذلك الذي حافظ على قلبه أيضاً لأجلها 🫀