عُازله

1.4K 38 4
                                    


vote and comment ,enjoy
ch; 02


مرت أسابيع منذ أن زرت إزيدورا آخر مرة  تجاهلت زيارتين متتاليتين، لم أملك الشجاعة الكافية لرؤية وجهها مجددًا، لم أستطع مواجهة نظرتها التي تحفر في روحي ثقبًا لا يلتئم. كنت أهرب، أجل، كنت أهرب منها ومن نفسي، لكن إلى متى؟

كانت والدتها جينا، وحدها من تزورها، لتعود بعدها وترمي عليّ لعناتها المعتادة، تصرخ في وجهي وكأنني أنا من وضع الأصفاد حول معصميها، وكأنني دفعتها إلى الهاوية بيديّ

"أنتِ السبب!"

"لو لم تكن حياتها معكِ لكانت الآن حرة!"

ذات الكلمات  ذات الاتهامات، ذات النظرة التي تملؤها الكراهية النقية، تلك الكراهية التي لم أفهمها يومًا ولم أحاول حتى تبريرها لكن ما كنت أعلمه جيدًا أنني، رغم كل شيء، كنت أنهار من الداخل.

كنت أحاول التظاهر بالقوة من أجل فلورنس، كنت أطعمها بينما عينيّ تتابعان أفلام الكرتون على شاشتها الصغيرة دون أن أعي شيئًا مما يدور حولي، فقط أحرك الملعقة بين يديّ وكأنني روبوت مبرمج على الاعتناء بها. لم تكن لدي شهية، لكنني أجبرت نفسي على الأكل أمامها حتى لا تقلق.

ثم جاء الصوت الذي توقعت سماعه في أي لحظة صوت الباب وهو يُفتح بعنف، خطوات ثقيلة تقترب، وكأنها تعمدت أن تجعل وقعها صاخبًا حتى تعلم أن عودتها تعني مواجهة جديدة. لم ألتفت، لكنني كنت أعلم أنها جينا.

وقفت أمامي، نظرتها تخترقني كما تفعل دائمًا، عيناها ممتلئتان بحقد قديم، لم يعد مجرد غضب بسبب حبس ابنتها، بل كان شيئًا أعمق، شيئًا تجذر في قلبها منذ زمن.

"لماذا تفعلين هذا؟!" صوتها كان حادًا، كالسياط التي تُلهب جلدي.

تنهدت ببطء، لم أرد أن أُستدرج لمواجهتها هذه المرة، فأجبت بصوت مرهق، بالكاد خرج مني: "أفعل ماذا؟"

"تتجاهلين ابنتي! تعلمين أنها في الحبس بسببكِ، ومع ذلك تتصرفين وكأنها غير موجودة!"

وضعت الملعقة جانبًا، التفت إليها ببرود ظاهر رغم الغليان بداخلي، وحدقت مباشرة في عينيها وقلت بنفس النبرة القاسية:

"أنا لا أتجاهلها، فقط لا أريد رؤيتها" توقفت لبرهة قبل أن أضيف: "أنا مشغولة بالاعتناء بفلورنس، وهذا أهم عندي من أي شيء آخر"

المُخملِيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن