الفصل الثاني عشر (عزومة)

29 4 0
                                    

مع إشراقة صباح اليوم التالي، استيقظت "مريم" بشيء من النشاط، رغبة داخلية تدفعها لتحضير نفسها ليوم جديد في العمل. وقفت أمام مرآتها وهي ترتدي ملابسها بعناية، رفعت هاتفها ونظرت إلى الشاشة، وتقرر الاتصال بندى.

رفعت الهاتف إلى أذنها، وبابتسامة دافئة قالت: صباح الخير يا ندى.

جاءها صوت "ندى" على الطرف الآخر مليء بالمرح: صباح النور! إيه الأخبار يا مريومة؟

ابتسمت "مريم" بحنان وقالت: الحمد لله بخير. إنتِ وخالد عاملين إيه؟

ضحكت "ندى" بخفة وقالت: كويسين الحمد لله، خالد لقى شغل في مدرسة جنب الشقة اللي هنتجوز فيها. هو دلوقتي مستني يثبت فيها وبعدها نعمل الفرح.

قالت جملتها تلك وظهرت الفرحة على وجه "مريم" وقالت بحماس: بجد؟! ربنا يوفقه يا رب

ردت "ندى"، بابتسامة يملؤها الأمل: يا رب. إنتِ بقى أخبارك إيه؟ أول يوم في الشغل كان عامل إزاي؟

تنهدت "مريم" ببطء، وتداخلت المشاعر في صوتها الهادئ واجابتها: مش هتصدقي… لاقيت مين بيشتغل في نفس الشركة.

سألت "ندى" بفضول: مين؟

أجابتها "مريم" بصوت خافت: فادي.

قالت "ندى" مستغربة وقد تخلل صوتها قليل من الذهول: فادي مين؟

نظرت "مريم" إلى الأرض للحظة، وكأنها تحاول استرجاع صورة من الماضي، وقالت بهدوء: فادي… الشاب اللي كنت بحبه. مش فاكرة؟

تذكرت "ندى" وقالت بصوت مليء بالدهشة: آه، فادي… بتتكلمي بجد؟ شغال في نفس الشركة؟ إيه الصدفة دي؟!

ابتسمت "مريم" ابتسامة خفيفة ممزوجة بالتنهيدة، وقالت: أيوة…

"ندى"، بصوتها الهادئ والداعم، قالت: طيب، وإنتِ هتعملي إيه دلوقتي؟

أخذت "مريم" نفسًا عميقًا، مترددة، قبل أن تقول بنبرة متحفزة: مش عارفة… هحاول أتجنبه بقدر الإمكان. عدى وقت طويل. ده إذا كان لسه فاكرني أصلاً.

قالت لها "ندى" بصوت هادئ وداعم: ركزي في شغلك، وإن شاء الله تتعدل الأمور.

أنهت "مريم" المكالمة بعد لحظة من الصمت المتفهم، ثم وضعت هاتفها جانبًا، تأملت للحظة، ثم تنفست بعمق وحملت حقيبتها، وخرجت من المنزل بخطوات ثابتة، لكنها تحمل ثقلًا من مشاعر الماضي.

---

على الجانب الآخر من المدينة، كان "يوسف" ينزل من على درجات سلم منزله. بدلة أنيقة تحتضن جسده، وعلى وجهه ملامح حادة تعكس جديته المعهودة. في الأسفل، لمح "والده"، الذي كان جالسًا يقرأ صحيفة اليوم، ويرفع رأسه ناظرًا إليه.

ابتسم "والده" ببرود وقال: يوسف، صباح الخير.

لم يتوقف "يوسف" ولم يبدِ أي استجابة، مضى بخطوات ثابتة نحو الباب، وكأن "والده" لم ينطق بحرف. لكنه سمع "والده" يناديه بنبرة جدية قائلاً: يوسف، استنى.

ذكريات وقراراتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن