في تلك الليلة الهادئة، جلس "يوسف" في غرفته ينظم ملابسه بعناية، كأنما يحاول إشغال يديه ليُبعد عقله عن الأفكار التي تلاحقه. لكن ذكرياته حول "مريم" كانت تطغى على كل شيء. تذكر كلماتها عن "فادي"، وتلك النظرات المليئة بالمشاعر المختلطة، التي كانت أشبه بألغاز لم يكن يملك مفتاحها. شعر وكأنه الوحيد الذي يعيش الحب بكل أبعاده، وكأن مشاعره تعمقت حتى صارت كفيلة بحمل حب الطرفين وحده.
بينما كان غارقًا في أفكاره، قطع عليه شروده صوت طرقات خفيفة على الباب. رفع رأسه ليجد شقيقه "أحمد" يدخل الغرفة بابتسامة مرحة وغمزة خبيثة، قائلاً: أيه يا شِقو، روحتوا فين بعد الاجتماع؟
أخذ "يوسف" نفسًا عميقًا، وكأنه يحتاج إلى الوقت ليبتعد عن تلك الذكريات، ثم أجاب بتثاقل: كمال راح يودي الأوراق للإدارة... وروحنا أنا ومريم نشرب عصير.
لم يستطع "أحمد" منع ابتسامته العريضة من الظهور، واقترب من "يوسف" وهو يضحك: أوبااا، يبقى أكيد اعترفتلها بإعجابك!
ألقى "يوسف" نظرة إلى الأرض، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة حزينة، كأنها مرآة لمشاعره المكبوتة، ثم قال بهدوء يكاد يُسمع: لا، ما بقاش ينفع أقولها أصلاً.
رفع "أحمد" حاجبيه بدهشة صامتة، لكنه لم يستطع مقاومة الفضول فسأل: وليه بقى ما بقاش ينفع؟
تردد "يوسف" للحظة قبل أن يرد بصوت خافت كأنه يتحدث مع نفسه أكثر مما يتحدث مع أحمد: في دماغها حد تاني.
بدا الاستغراب على وجه "أحمد" لكنه سرعان ما وضع يده على كتف "يوسف" وابتسم محاولًا التخفيف عنه: قلتلك تستعجل! عادي ياسطا، هجوزك ست ستها.
ابتسم "يوسف" ابتسامة صغيرة، لكن في قلبه كان يعرف أن الأمر ليس بهذه البساطة. لم يكن يشعر بمجرد إعجاب عابر، بل كان يحمل بداخله حبًا عميقًا، حبًا استطاع أن يتسلل إلى كل جزء من قلبه دون أن يشعر. لم يكن يعلم ماذا يفعل، ولا كيف يُفصح عن هذا الشعور الذي بات يثقل عليه كأنه سر يحترق بداخله، لكنه كان يعلم أن خوفه من الخسارة يعوقه عن البوح بما في داخله.
---
وعلى الجانب الآخر، كانت "مريم" تستلقي على رجل والدتها، تنعم بالدفء والحنان الذي يمنحه هذا القرب. كانت الغرفة هادئة، وصوت التلفاز يملأ الأجواء، لكن في قلبها كان هناك شعور بالاضطراب، شيء ما يدفعها للتحدث. رفعت نظرها إلى والدتها، ثم ابتسمت بلطف وقالت: ماما، عايزة أخد رأيك في حاجة.
نظرت إليها والدتها بحب، وابتسامة هادئة ظهرت على شفتيها قائلة: قولي يا حبيبتي.
ترددت "مريم" قليلًا، ثم قالت بصوت خافت يملؤه التردد: هو الشخص لو اتحط في اختيار بين الماضي والحاضر، هيختار أيه؟... أنا دايمًا بفكر في الماضي، لكن أوقات بحس إن الماضي بيأثر عليا في الحاضر. إنتي رأيك إيه؟
أنت تقرأ
ذكريات وقرارات
Roman d'amourالبطلة تحمل ذكريات جميلة عن حبها القديم للبطل والذي انتهى بشكل غير مرضي لها. بعد خمس سنوات، تتخرج وتبدأ البحث عن وظيفة. البطلة تتفاجأ عندما تجد وظيفتها الجديدة في نفس الشركة التي يعمل بها البطل وبعد عدة مواجهات محرجة، يزداد التوتر بينهما. يظهر (صديق...