الفصل ٢

118 9 60
                                    


༺༽الزائر༼

مساءً، في زقاق ضيق بين مبانٍ عتيقة تزينها الزهور المتدلية من الشرفات، كان إرنست ڤيرمولن يسير بخطى هادئة نحو منزل عائلته. الطقس الخريفي أضاف لليوم هدوءً وجمالًا، ونسيم البحر اللطيف كان يحمل معه رائحة الملح.

قضى ڤيرمولن يومه يتجول بين شوارع روتردام، زائرًا مرافقها الشهيرة. توقف عند السوق الكبير، حيث امتلأت الأجواء بروائح التوابل الطازجة والخبز الطازج، ثم قصد متجر المكسرات.

كان يرى به كميات هائلة من الأكياس المحملة بأجود أنواع الجوز والكاجو، وغيرها من الأصناف التي يقف أمامها ضعيفاً، لم يسعه سوى طلب كمية تُرضيه.

"٨ يورو"- قال البائع أثناء الدفع.
ولحسن الحظ، عثر على بعض المال في محفظته، فهو لم يعتد على حمله، كونه يستخدم البطاقة الائتمانية.

حمل ڤيرمولن الكيس مقررا الرحيل بعد أن شكر البائع، لكنه أعرض عن ذلك مُخاطبا إياه مُجددا: "سيكون من الأحسن إذا أقصيت حبتين من الجوز"

بدا على قسمات وجه الرجل ظل من العبوس الخَفيف، ثم سأله: "ماذا تقصد؟"

ابتسم ڤيرمولن وفسر له الأمر قائلا: "لقد طلبت ٥٠٠ غرام، وهذه الكمية تزيد بغرامين على الأقل"

استغرب البائع، فهو لم يكن يأخذ تغيرات الكمية في الحسبان ظننا منه أن لا ضرر في ذلك طالما الكمية الموزونة لا تقل عن الكمية المطلوبة، لذا قال له: "أجل، أجل، لا بأس في ذلك.. بالهناء والشفاء"

إلا أن ڤيرمولن استمر في تحليل وتفسير الأمر: "لنقل أنك أعطيتني زيادة غرامين من الجوز، وكررت نفس الشيئ مع الزبون الذي ورائي، ثم مع الذي يليه وهكذا.. ألن تتكبد خسارةً حينها؟"

لقد كان مُحقا في ذلك، ولم يكن بوسع البائع سوى أن ينفذ رغبة هذا الزبون المزعج ليتخلص منه، تناول الكيس وأعاده برفق إلى الميزان، ثم انتشل حبتين من الجوز تباعًا بيده المغطاة بالقفاز، حينها أذهلته الدقة التي تحدث بها زبونه، لأن الوزن ثبت بعد اقصاء حبتين بالضبط.

بعد انقضاء الموقف، توجه ڤيرمولن إلى متحف بويمانز فان بونينغن، حيث تأمل لوحات الفنانين الهولنديين القدامى. كان يشم عبق التاريخ في كل زاوية، ويتأمل الفن ببصيرة العالِم الأثري الذي يعشق الماضي بكل تفاصيله.

وأخيرا عاد إلى المنزل، توقف لحظة ونظر إلى الواجهة التي شهدت العديد من الأجيال. فتح الباب بهدوء وولج ليتجول قليلاً في الأرجاء، متأملاً تفاصيل المنزل الذي يحمل في طياته تاريخ أسرته. وصل أخيرًا إلى مكتب جدِّه الخشبي المعتق، المكان الذي يحتضن كنوز المعرفة، لقد صار مكتبه الآن.

حراس المعرفة | Guards of knowledge حيث تعيش القصص. اكتشف الآن