الفصل ١٠

48 6 169
                                    

༺༽الأرواحُ غاضبة؟༼༻

ترجَّلَت ديستني من سيارتِها بتأنٍّ، فغمرَتها سكينةُ الريفِ حولَها، إنَّ الطبيعَة الهولندية في ذروةِ سحرِها، حيث امتدَت الحقولُ الخضراءُ تحتَ سماءٍ ملبدةٍ بغيومٍ رماديةٍ خفيفةٍ تتلاعبُ بنورِ النهارِ الرقيق. النسيمُ الباردُ يعانقُ الأشجارَ المحيطةُ، فيما تتناثرُ أوراقُها على الطريقِ الحجريِّ المُؤدي إلى منزلٍ كبيرٍ يلوحُ في الأفقِ.

بدَت واجِهَتُهُ البيضاءُ الراقيةُ شامخةً بين البساتينِ، ونوافذِه الواسعةِ تستقطبُ البصرَ نحوَ أفقٍ مفتوحٍ، تتخلَّلهُ قنواتٌ مائيةٌ.

وفي الخلفيةِ، تقفُ طواحينُ الهواءِ الكلاسيكيّة بأجنِحتِها الطويلة التي تدورُ على مهلٍ، تقاومُ الزمنَ بعزمٍ وشموخٍ. شفراتُها العتيقةُ تحرِّكُها الرياحُ، فتبدوَ كأنَّها تعزفُ إيقاعًا خفيًا عاكسةً جمالَها في صفاءِ المياهِ القريبةِ.

تقدَّمت نحوَ البوابَة الرئيسيَّة، حيثُ يقِفُ حارسانِ بزيِّهما الرسميّ. لبُرهةٍ، إكتنَفَها القلقُ مخافةَ منعِها من الدخولِ.
هي على درايةٍ بأنَّ المالِكَ لا يسمحُ بتواجُدِ الصحفيِّينَ في مِساحتِهِ. وقفَت للحظاتٍ مترددةً، تملكتها الهواجسُ لكنَّ حينَ إلتقطَتها أنظارُ الحارسَين، فسحَا لها المجالَ للدُخولِ، أومأَت برأسِها إمتنانًا، وانتابَها قِسطٌ منَ الارتياحِ وهي تجتازُ البوابةَ.

أجلَت نحوَ الداخلِ، وسرعانَ ما غدَى بِها الحنينُ إلى نشأَتِها حينَما كانَت تزورُ هذَا المكان برفقةِ عمِّها. أخذَت مخيِّلتُها تِلقائيًا تنسِجُ صورًا قديمةً تملأُ قلبَها بشيءٍ من الدفء رغمَ الظروفِ الراهنةِ.

ارتدَّت ديستني مِن سراديبِ شُرودِها لَمَّا أبصرَت من قصدَت زيارتَهُ جالِسًا في الحديقةِ الخلفيةِ على مقعدٍ خشبيّ تحتَ شجرة ضخمة، تفتحَت إبتسامةٌ على مُحياهُ فورَ مرآهُ لها، فبادلَتهُ ذلِك مُلوحةً له بيدِها وهي تتقدَّمُ نحوَه بخطواتٍ ثابتةٍ. يرتدي بدلةً مخمليةً داكنة، أنيقة بكلِّ بساطةٍ، لا تخلو من لمسةٍ تعبِّرُ عن نفوذِه وغِناهُ.. كان ذلِك هيمث ڤوس.

دَنا مِنها بأسلوبٍ تفيضُ مِنه الرصانةُ، وقال بصوتٍ هادئٍ يَدعوها للجلوسِ: "سعيدٌ أنَّكِ استطعتِ القدومَ، دي ڤي" جلسَت بهدوء مُقابِلهُ، مُستشعِرةً أنَّها في حضرةِ شخصٍ يعرفُ جيدًا كيف يدير جُلَّ ما يُحيطُ بِه.

بادرَ هو بينَما يُعطيها رمقةً عميقةً: "كنتُ في انتظاركِ منذُ المُحادثةِ الأخيرة. خشَيتُ أنْ يمسَّكِ مكروهًا."

تردَّدت قليلاً قبل أن تسأله: "كيفَ علِمتَ بِما حدَث قبلَ أنْ تتصِلَ بي؟"
هيَ تعلَمُ أنَّ الأخبارَ تنتشرُ بسرعةٍ، لكنّ طريقتَه في الحديثِ أيقظَت فضولَها الصحفيّ.

حراس المعرفة | Guards of knowledge حيث تعيش القصص. اكتشف الآن