الفصل ٧

85 8 111
                                    

༺༽دائرة الشعاع الأزرق༼༻


أفاقَ روتجرت هولشتاين تدريجيًا على وَقْعِ نبضاتِ الألمِ المُتغلغِلِ في كيانِه، ما لَبِثَ أن شرعَ يستوعِبُ محيطَه، وقد غمرَهُ نورٌ أزرقُ ينثُرُ على الأجواءِ هالةً من البرودةِ والبُعدِ.

لمحَ شاشاتٍ عملاقةً تُحيطُه من كلِّ جانبٍ، مدعومةً بمؤشِّراتٍ تكنولوجيةٍ معقدةٍ تَحُومُ في الفضاءِ كأنَّها جزءٌ من واقعٍ رقميٍّ متداخلٍ معَ الماديِّ، التجهيزاتُ على يمينِهِ مألوفةٌ له، مثل أجهزةِ المراقبةِ الحيويةِ، التي كانت تعرضُ بياناتٍ عن ضغطِ دمهِ، معدلِ نبضاتِه، وحتى نسبِ الأكسجينِ في الدمِ.

لكنَّ على شمالِه، ظهرت شاشاتٌ تعرضُ بياناتٍ معقَّدةٍ بلغةٍ غريبةٍ عليه، رسومٌ بيانيةٌ تتصاعدُ وتَنخفِضُ بشكلٍ غامضٍ، وتحليلاتٌ أخرى لا يُمكنهُ تفسيرُها. بدا الأمرُ وكأنَّ بعضًا من هذه الآلاتِ كانت تُراقبُ أشياءَ أعمقَ من مجردِ حالتِهِ الجسديةِ.

اجتاحه إحساسٌ وكأنَّهُ فقد أجزاءً منه فورَ عودةِ إدراكِه كاملًا، حدَّثتهُ نفسُه الداخليةُ أنَّ العَطبَ يكمُنُ في يدِهِ اليُمنى المُختفِيةِ تحت لفافاتِ الضماداتِ البيضاءِ.
لكنَّها لم تُخفِ الشُّعورَ بالوَخزِ الحارِقِ الذي توغَّلَ في النهاياتِ العصبيَّةِ لجلدِه.

لم يكنْ هيِّنًا تحمُّلُ تلكَ الخسارةِ، فقد بُتِرَت أناملُهُ التي لطالما جابت بين دفاتِ الكتبِ وسبرت أغوارَها.
أناملُهُ التي لطالما استعمَلَها لصيانةِ كنوزِهِ الأدبيةِ.
أناملُهُ التي لطالما اعتمدَ عليها في حفظِ نفائسِهِ الثمينةِ.
أناملُهُ التي لطالما انغمست بحبرٍ يضخُّهُ لطُلَّابِهِ بُغيةَ ترسيخِ المعرفةِ في عقولِهِم.

سعى لرفعِ يدِهِ ليتبيَّنَ حجمَ الضررِ لكن جسدَهُ أبى الامتثالَ لرغبتِهِ، لم يَعدْ ملكَهُ بعدَ الآنَ.

"ماذا...؟" حاولَ التفوُّهَ بشيءٍ، غيرَ أن صوتَهُ لم يبلُغْ مسامعَهُ قطُّ كأنَّهُ سافرَ إلى بُعدٍ لا يُسمَعُ منهُ صدى. وعلى نحوٍ بطيءٍ، طَفِقَ الألمُ ينسابُ في جسدِهِ، ساقُهُ اليسرى... فذراعُهُ... فأصابعُهُ المُتبقيةُ...

أسفلَ المنصَّةِ حيثُ كانَ مُستلقيًا، ينبُعُ ضوءٌ بمسارٍ دائريٍّ يُحيطُهُ كهالةٍ زرقاءَ مُتوهِّجةٍ، تحصُرُهُ داخلَ قفصٍ وهميٍّ. لم تكنْ هناكَ أيةُ قيودٍ تُرى، لكنَّ شعورًا قويًّا بالشللِ تغلغلَ فيهِ.

لم تَلتقِط أذنهُ أيّ صوتٍ مما جعلَ التفكيرَ يغدُو بِه إلى أنَّه محتجزٌ في فضاءٍ معزولٍ عن الواقعِ تماما، لكن فجأة، ودون أي مُقدماتٍ..

صارَ يسمعُ هديرَ الهواءِ مِن أنظمةِ التهويةِ، وأعقَبَ ذلك صوتٌ معدنيٌ صادرٌ عنْ أحدِ الحواسيبِ الذكيةِ، يرنُّ في الأرجاءِ بنغمةٍ تُحاكي دقّةَ التكنولوجيا المُتقدِّمة: "أهلاً بك مجددًا، روتجرت."

حراس المعرفة | Guards of knowledge حيث تعيش القصص. اكتشف الآن