الفصل ٥

85 7 188
                                    


في قلب الأرشيف༼༻


في الحُجرةِ التي أحكمَ الظلامُ قبضتَهُ عليها، وقفَ ڤيرمولن وديستني وسطَ الظِّلالِ الكثيفةِ تلاقت أبصارُهما في لحظةٍ عابرةٍ محفوفةٍ بالتوجُّساتِ تُجاهَ المجلَّدِ الغامضِ الذي وجداه للتوِّ. إنَّه قديمٌ لدرجةٍ أنَّ جِلْدتَهُ المُشَقَّقةَ عانَت من تعاقبِ العصورِ وتبدُّلِ الأزمانِ.

بَسَطَ يَدَهُ لِيُسْفِرَ السِّتارَ عن فحوى المجلَّدِ، مأسورًا بشغفٍ لا يَعرِفُ الحدودَ، غيرَ أنَّ ديستني أوقَفَتْهُ وصوتُها الخافتُ اهتزَّ قليلاً تحتَ وطاءةِ التوتُّرِ: "لا، لا تفعلْ، الميستيريو أرادَ منَّا أن نجده فقط. لا نعرِفُ ما إذا كان من الآمِنِ فتحُهُ."

تراجعَ ڤيرمولن بحذَرٍ، مُتحيِّنًا فيها نظراتِ القَلَقِ ناحيَةَ ذلك المُجلَّدِ كأنَّما استشعَرَ خطورةَ الموقِفِ حيثُ تداعت إلى ذهنِهِ فكرةٌ لا تَسُرُّ، "حياةُ السَّيِّدِ هولشتاين قد تكونُ بينَ أيدينا. أيُّ خطوةٍ غيرُ مدروسةٍ قد تَعني نهايتَهُ."

فجأةً، شقَّت طَرقاتٌ على البابِ مَسامِعَهُما لتضربَ ملامحَ كِلَيهِما بلمسةٍ من الاضطرابِ. اتَّخذَ ڤيرمولن مسارَهُ نحوَ البابِ لِيَفتَحَهُ جُزئيًا مُخفِيًا الفوضى وراءَهُ، فظهرَ له سيدريك واقفًا هناكَ بنظرةِ تعجُّبٍ على وجههِ.

قال وهو يتفحَّصُ ڤيرمولن بعينَيهِ الفضوليتَينِ:
"وَرَدَ اتصالٌ آخرُ، لكن هذه المرةَ إنَّهُ لك بالتحديدِ."

ولم يمنحْهُ أيَّ فرصةٍ للرَّدِّ حتى استَطرَدَ: "وأنا لا أفهمُ ما الذي يجري هنا، تجمعانِ المجلَّداتِ وتُغلقانِ البابَ على نفسَيْكُما. عِلاوةً على ذلك، الاتصالاتُ الغامضةُ!"

أحكمَ ڤيرمولن رِباطةَ جأشهِ، وأجابَ بابتسامةٍ هادئةٍ: "لا شيءَ سلبيٌّ يحدثُ هنا سِيد، كلُّ ما نقومُ به جزءٌ من أبحاثي التي قصدتُ روتردام لأجلِها، وديستني تُساعدني لأنَّ السيدَ هولشتاين غائبٌ."

تدفَّقت كلماتُهُ بسلاسةٍ، مُحمَّلةً بجُرعةٍ كبيرةٍ من الثقةِ التي غَذَّت قدرتَهُ على إقناعِ سيدريك، تبدَّدت تعابيرُ الرِّيبةِ على وجهِهِ وأدبَرَ قائلًا:

"حسنًا، إذا كانَ الأمرُ كذلك... سأكونُ في الخارجِ إذا احتجتُما إلى شيءٍ نادِياني."

غدا ڤيرمولن خلفهُ وما إن أُغلِقَ البابُ، حتى سمعَت ديستني خطواتِهِ وهو يتَّجه للحديثِ على الهاتفِ. وقفت في مكانِها، تمنَّت لو يتسنَّى لها سَماعُ المُكالَمةِ، لكن شيئًا ما بداخلِها منعَها من التحرُّكِ. كانت ذكرياتُ السيدِ هولشتاين تتدفَّقُ في ذهنِها حاملةً لها كلماتِهِ التي يُكرِّرُها دائمًا:

"أسرارُ الأكاديميةِ يجبُ أن تبقى مَدفونةً. نحنُ ملتزمونَ بقَسَمٍ، وعلى عاتقِ حاملي هذا السِّرِّ، التضحيةُ بحياتِهم إنْ لَزِمَ الأمرُ."

حراس المعرفة | Guards of knowledge حيث تعيش القصص. اكتشف الآن