11/ عازفةُ البيانو

11 4 37
                                    

في منزلِهِ تحديدًا داخل غرفتِهِ الرّماديّة الآمنة يجلسُ أنيس مختليًا بنفسه عن أبيهِ يقرأ مدوّناتِهِ السابقة .. يفعل ذلك أحيانا عندما يشتاقُ لروحِهِ القديمة الّتي غادرتْه دون رجْعة وبقي منها مقالاتُه وما كتبَه هنا ..

كان يقرأ تعليقات المعجبين بابتسامة مشتاقة لتلكَ الأيام ، لازال يعتبرها من أثمنِ الأيام الّتي يمكن أن تمرّ على المرء ولا ينساها بعدَها أبدا ، يمضي في حياته لكنّها تبقى طيفًا حاضرًا في داخلِه .. لأنها هي من صنعَته وجعلتْه على ما هو عليه اليوم..

فجأة قرأ تعليقا شدّ انتباهه .. إنه من معجبةٍ وفيّة لمقالاته ..

كان شابّا في منتصف العشرينات يكتبُ عن الحبّ والفلسفة والألم وكان لديهِ بعض المعجبين ممن يتابعون مقالاتِهِ بانتظام ، لكنّها كانت مختلفة .. كانت تُعامل مقالاتِه معاملة الأدوية الّتي تشفيها من حُزنِها لذلك كان مهتمّا بوضع مقالة واحدة كل أسبوعٍ من أجلِها ومن أجل متابعيه الآخرين ، لكنّها اختفت فجأة ذات مقالةٍ غيرِ مقروءة ..

ربّما كانت أكثر كلماتٍ خاصّة من أجلِها لأنها كانت تخبره أنها تحبّ القصص الّتي تحكي عن الحب وعن طريقة مواجهتِه إن هو صادَفَها يومًا ،لكنّها لم تعلّق يومها ، انتظر يوما وأسبوعاً وشهرًا لعلّها كانت منشغلة .. لكنّها لم تعد بعد خمسِ سنوات من تلك المقالة الّتي كان يحكي فيها عن امرأةٍ فاتنة بأعيُنٍ زرقاءَ أو رماديّة وجدها أو وجدَتْهُ عند أوّل البحر في آخرِ اللّيلِ البارد .. لم تقرأ قصّة حبّه الّتي لم تمكث طويلا على أيّةِ حال.

ولج إلى حسابِها الّذي لم تزله ، لازالت صورة الحساب كما هي .. فتاة ترتدي الأسود بشعرٍ بندقيٍّ جميل قرب أغصانٍ كثيرة.. وكذلك تعريفُه .. أتمنّى ألّا تبقى أحلامي مجرّد أحلام.. تُرى هل تحققت أحلامُها!؟

دخل إلى المحادثة الّتي جمعتهما للحظاتٍ قصيرة جدًّا تشكُرُه عن كلامه الّذي يشبه المرهم في نظرِها وهو يشكرُها لدعمِها المتواصل .. لم تعلم أنه بعد مدة قصيرة ضاع منه شيءٌ في غايةِ الشّفاء .. أمّه ..ولم يعد بعدها قادرًا على مُداواةِ جرحِه الغائر فكيفَ بجِراح الآخرين! ..
صعد كثيرا داخل المحادثة لتستوقفه كلماتُُ منها تقول فيها أنها ستقرأ مقالاته دائما وإن اختفت يومًا فإنّ ذلك بسبب مرضِها .. لم يكن يتذكر أيّا من هذا الكلام .. أغلق حاسوبه وهو يسمع صوت فتح باب البيت ، عاد والده من العمل..

كانت علاقتهما باردة نوعا ما منذ وفاة والدته ولكن قبلها لطالما كان والدُهُ صديقًا جيّدا له ، تعلّم منه السياقة وكانا يقضيان وقتا كافيا كأبٍ وابنه ، لكن منذ وفاتها .. لم يعلم أحدهما من رمى اللّوم على الآخر لذلك شيئا فشيئا خفتَت أصواتهما الّتي اشتبكت معا .. ولم يبق بينهما إلا مختصر الحديث ، كيف حالك .. هل أكلت .. تصبح على خير ونادرًا ما يُقال صباح الخير.. ذاك لأن والده يغادر باكرًا من أجل العمل فلا يلتقيان كثيرا في الصّباح .. على عكس ما مضى ..

حقولُ سْمِيرَالْدُوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن