4/ يُحِبّها..

5 2 0
                                    


مرّ أسبوع كامل لم يعد يأتي فيه أنيس .. في النهاية هو زبون استمتعت بالحديث إليه كل يوم ..
وقفت عند ماكينة العصير وهي تتذوق عصير الموز الذي أصبحت تحبّه منذ أن تذوقته رفقته .. فجأة أطلّت فتاة الصورة! .. تساءلت في نفسها لم لم تسأله عن اسمها .. تبعتها بعينيها وهي تتجه نحو طاولة حمراء اللون .. كانت الطاولات الملوّنة فكرتها وقد رحّب والدها بأفكارها كاملة كأنه وُجد لتحقيق الأحلام..
كانت الفتاة ترتدي فستانا أبيضا بأكمام طويلة يصل إلى ركبتيها وحذاء رياضيا أبيض بخطوط حمراء ..
اقتربت زاد وهي تضع كأسها جانبا وقالت بلطف : مرحبا بكِ مجددا في مقهانا..
نظرت إليها شام بابتسامة رائعة وهي تقول : هل لي بكأس من عصير الموز!  كما أنني كنت أود زيارة المكتبة ولم أفعل المرة السابقة .
- تسعدني عودتك .
وضعت زاد كأس العصير على سطح الطاولة وبعض حلوى الشوكولا التي صنعتها بيديها ..
- أرجو منكِ تذوّق الحلوى التي أصنعها كل صباح!
- هذا لطفٌ منك ..
كانت زاد ستذهب لكن شام استوقفتها قائلة بخجل: هل يمكنك أن تشاركيني الجلسة إن لم يكن لديك عمل آخر!
أومأت زاد وهي تجلس قائلة : في الحقيقة أنا هنا فقط لتتبّع العمل في غياب والدي المؤقت لذا فالنادلون هم من يهتمّون بالزبائن عادةً!
- حقا؟ لكنّك كنت من قدّم الطلب في المرّة السابقة!
- عندما رأيتك رفقة أنيس شدّني الفضول فأتيت لأعرف مالّذي يحدث ..
- هل تعرفينه!
تساءلت زاد فجأة إن كانت تعرفه..
- في الحقيقة ليس كثيرا ، هو مجرد زبون دائم عندنا لذلك تحدثنا بضع مرّات ..
أومأت شام وهي تتفّهم الأمر لكنها قالت فجأة: وجهك مألوف جدا هل من الممكن أنني رأيتكِ في مكان ما؟
ضحكت زاد بخفة وهي تقول : أنا أعمل في مجال الترجمة ، لكنني لا أذكر أنني رأيتك قبلا!
فتحت شام عيناها على وسعهما وهي تقول بفرحة : تذكّرتكِ! أنت المترجمة المتدرّبة التي كانت رفقة مازن!
اندهشت زاد لمعرفة شام بمازن وهي  تسألها: هل تعرفينه؟
- أجل منذ الصغر! نحن جيران .. كما أنه هو الذي أوصاني بزيارة مقهاكم!
- رائع! لم يخبرني مازن عنكِ من قبل .. هو أيضا صديقي .
مدّت شام يدها بعفوية وهي تقول : شام مديرة أعمال شركة إنتاج أفلام سنيمائية وأنتِ!
ابتسمت زاد بفرحة وهي تمدّ يدها لتصافحها قائلة : زاد ..

-هذه هي المكتبة يمكنكِ استعارة ما أردتِ من كتب!
مرّت عيناها على الرفوف والكتب وهي منبهرة لجمال المكان وانشراحه..
- في الحقيقة أنا لا أقرأ عادة إلا ما يخص مجال عملي .. لكنّني أحب شكسبير بشكل خاصّ!
ابتسمت زاد وهي تتّجه وراء أحد الرفوف قائلة : هناك كتاب ذو إصدار قديم يحوي مسرحياته..
تبعت شام زاد لتقفا جنبا إلى جنب تمرّران أيديهما على الكتب المرصوفة وقد بدتا كصديقتين قديمتين كل ما يهمّهما هو الفنّ وحب الكتب..
- سأستعيره وأقرؤُه قريبا!..
نظرت زاد صوب عينيها الزرقاوتين وقد عجزت عن عدم الغوص فيهما وهي تقول : لديك هالة فريدة من نوعها..
ابتسمت شام على إطرائها وهي تحمل الكتاب بين يديها تتبع زاد التي تتحرّك كفراشة أنيقة لتفتح دفترها وهي تخط اسم شام تحت اسم أنيس وقد خطر ببالها أنه مرّت أيام لم يعد يواضب على زيارة المقهى والكتابة فيه ..
- وأنتِ أيضا تشعّ منك نسمات الأمل الفرِحة .. ابقَيْ هكذا ! 
اندهشت زاد لتشبيهها وهي تمد لها الكيس الأصفر الذي تضع فيه الكتب المستعارة..
- سأحاول!..
~•~
لطالما انتظرتها في المفرق التالي لأنصت لضحكتها أو أرى ابتسامتها أو حتى أشاركها اهتمامها بترجمة الكلمات الصعبة منذ أن كنا نتشارك ذات المقاعد في مدرجات الجامعة .. لم أحكِ لأحد عنها واعتبرتها سرّا لأنني لم أعلم كيف يمكن تعريف ما أمرّ به فقط ..
ولجتُ إلى المقهى التي اكتست جداراته بلون البنّ أو لون الشوكولا إلا أنه مضاءٌ بفعل النوافذ الكبيرة.. بحثتُ عنها بعينايَ لكنّها لم تكن موجودة فجلستُ إلى طاولةٍ واكتفيتُ بطلب الشاي فقط ..
لكنها ظهرت بعد دقائق وهي تتحدث رفقة شام!!
- مازن!!
كانت زاد من تحدثت وهي تقترب منّي مضيفة : أخيرًا أتيت!
صافحتها قائلا : أعلم أنكِ اشتقتِ لي!
- أجل كثيرا .. قالتها وهي تضحك بخفة!..
كانت شام تنظر إلينا وقد بادلتُها النظرات المتفحصة لأسألها: هل أعجبك المكان !؟
- شكرا لأنك أوصيتني به لقد أحببته جدا ..
- ستحبّينه بالفعل وزاد موجودة فيه!
ابتسمت شام تومئ نحوي بشكّ وقد ابتعدت زاد عنّا تحضر بعض الحلويّات لتجلس بجانبي تسأل : لم لا أعرف عن هذه الفتاة من قبل! هل كنّا نخفي عن بعضنا الكثير من الأشياء!؟
- لم نكن نخفي عن بعضنا شيئا ..
ارتفعت جفناها بدهشة لكنها سرعان ما ابتسمت بخفة قائلة: فتاة البنفسج ..
- إنها هي ..
- إنها رائعة ..
- هل تعرّفتِ عليها بهذه السرعة؟
- ليس لتلك الدرجة .. لكن يمكنني أن أقول عن شخص قابلته مرة واحدة فقط أنه رائع ..
- كيف ذلك!
- في حواراته.. تجدُ الكثير من الجمال..
- تفضّلا .. 
تحدثت وهي تضع فنجانيْ شاي لها ولمازن وفنجان قهوة لشام وبعض قطع الحلوى ..
جلس الثلاثة إلى نفس الطاولة وكانت باللون البنفسجيّ ..
نظرت زاد نحو مازن بغيض وهي تقول : لم تأخرت .. انتظرت قدومك كل يوم ..
بقي ينظر نحوها وبدا لشام أنه قد نسي أمر السؤال لصمته الغريب لكنه تحدّث في النهاية قائلا : إنه العمل أبعدني عنكِ .. أرجو أن تعودي في أقرب وقت ..
ابتسمت وهي تجيبه : سأعود بمجرد عودة أبي هذا وعد ..
أومأ وهو يحتسي فنجان الشاي وخيّم الصمت بينهم لكن شام تحدثت قائلة لمازن : لديّ مشروع جديد ..
- حقا!؟ .. ما قصّته !
- في الحقيقة إنه فيلم عن قصة حبّ لكننّي لا أملك الكثير من التفاصيل .. قريبا سأحصل على السيناريو ..
أومأ مازن باهتمام وهو يسأل: من هو المخرج هل نعرفه؟
- لا شخص جديد ..
- ماذا عن كاتب السيناريو؟
- لم ألتقِ به بعد!
بقي يحدّق فيها باستغراب لكونها شخصا حذرا في اختيار شركاء العمل لكنها لا تبدو كذلك هذه المرة ..
- أرجو أن يكون العمل مثمرا هذه المرة!
استقام مازن منهيا الحوار قائلا : سأذهب الآن نلتقي قريبا !
وقفت زاد بدورها وهي ترافقه نحو باب المقهى لتخرج معه قائلة : شكرا مازن لأنك خصّصت وقتا وسط انشغالك وأتيت!
نظر نحو ابتسامتها بأعينه الخضراء العميقة وقد تاه مجدّدا بطريقة تخبر الجميع أنه واقع بشدة في حبّ هذه الإبتسامة لكن لا أحد ينظر إلى عينيهِ سواها ولسبب ما هي لا تفهم أو ربما تتظاهر أنها لا تفهم ..
- لا حاجة لشكرِ شخصٍ يدين لكِ بالكثير ..
- أنا فعلا لم أفعل الشيء الكثير مازن .. أنتَ الذي فعلت كل شيء لذلك أنت تدين لنفسك بهذا الشكر حسنا؟ ..
ابتسم بخفة على ردّها لكن أعنيهما تتبّعت السيارة البيضاء التي توقفت بالقرب من مكان وقوفهما .. كان سيذهب لكنه انتبه لنظرات زاد المثبتة نحو الرجل الذي ترجّل من السيارة ثم ابتسامتها التي عادت للظهور مجددا لكن هذه المرة كانت موجّهة نحو هذا الرجل !
- زاد ..
- نعم ..
- هل تعرفينه لم تحدّقين به!؟
اتسعت عيونها بدهشة وهي تقول ناظرة إليه : لا لاأعرفه ..
بقي صامتا وهو يراه داخلا نحو المقهى وشيءٌ في عقله ينذر بالخطر..

حقولُ سْمِيرَالْدُوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن