قبلَ البِداية | 01

27 4 20
                                    

لا إلهَ إلا أنتَ سبحانك إني كنتُ من الظالمين

---

رسمَتُ عينَي بطريقة بديعة لطالما أثنَت عليها لوسِي كثيرا، ابتسمتُ بسمَة ملأت فمِي قبلَ أن أخفيها ويدِي سارعت إلى الكعبِ العالِي الأخضر ثمّ مضيتُ أنزِلُ الدرَج وهمهمات من أغنِية رائعة أصدرتها مغنيتي المفضلّة الأسبوع الماضي تُرفرفُ مِن حلقي.

لم يكُن هناك أحدٌ في المنزل، مع ذلِك حملتُ كيسَ القُمامة ورميتُه في الحاوية القريبة، وصفّقتُ يدَ لوسي في الهواء ثمّ ركبنا الحافلة لتصمُت الأجواء في الداخل قبلَ أن يتعالى التصفيقُ والتصفيرُ بينَ طلاب مدرَستي مع هتافات عالية، واتّسعت إثر ذلِك ابتسامتي ورميتُ شعرِي الذي كنتُ قد قصّرتُه ليُناسِب دوري في المسرحية وراء كتفي بغرور وجلستُ بزهوٍ على مقعدي المحاذِي للنافذة.

لقد حصلتُ على دورِ الصبيّة في مسرحية الصبية ونارل التي ستُعقَد في احتفالية الربِيع في مدرستنا بعد شهرين، وهو دورُ البطولة، كما أنّه أكثَرُ دورٍ مهم باعتبار شخصية الصبية المعقدة نفسيا وقصّتها الحزينة التراجيدية والمغمورة بالدراما والمأساوية، وبكلامٍ آخر؛ أقنعتُ اللجنة وهطلتْ دموعهم على أدائي.

تضخّم الفخرُ داخلي، إن كنتُ آمنتُ بشيءٍ بإخلاص في حياتي فهُو أنّني موهوبة، وكذاكَ أنّ لي لمستي الخاصّة في كُل شيء أفعله، أملِكُ ما يجعلني ألمَعُ، وسألمعُ أسطَع من النجوم لا ريبَ يوما ما!

مضت رحلة الحافلة صاخبة في بدايتها، ثمّ بعد محطّة خبتت شيئا ما حتّى توقّفت عندَ الموقِف ما قبل الأخير لينتشِرَ الصمتُ كإعصار ضربَ الجميعَ فجأة، وكدتُ أشرَقُ في الهواء وأنا أشهَدُ ولأوّل مرّة في حياتي الفتَى المثالي يركَبُ معنا الحافلة!

دفَع نقدا، وتقدّم يسيرُ بتمهّل دون أن ينظُر حولَه إلا ليبحثَ عن مكانٍ ليجلِس فيه، وكانَ ذاكَ المقعدُ أمامَ لوسي، ابتلعتُ رمقي وبقِيت عينَي تتابعَانه وأنفاسي محبوسة في صدري، كانَ متوسّط الطّول ببنية نحيفة، كثيرا ما يُحبّ أن يرتدي اللونَ البُنّي والأبيض، شعرُه الأشقَر يميلُ قليلا إلى البُنّي ودائما ما يحلِقُه ويترُكُه قصيرا جدا، وقد كانت لهُ لحية خفيفة كذاكَ، أما ملامِحُه فتحمِلُ الهدوء وتمنحُه نظّارتُه الطبّية التي تُخفي عينيهِ الخضراوين الغامقتين والكتُب التي ترَافقه مظهَر الطّالِب النجيب ودودة الكُتُب لكِنّ مستواهُ الدراسي في الحقيقة متوسّط ولم يلحق بالرّتبة الخامسة في الصفّ كما لم ينزِل كذاك عن الثامنة.

عندَما جلسَ على المقعدِ الفارِغ جوارَ أحدِ طلّاب فصلنا، كتّف ذراعيه ونظَر بهدوءٍ تُجاهَه مما جعلَ الهمسات تظهَر ثمّ عادَ الصخبُ إلى عهدِه وسألتني لوسي:

-لديكِ تدريبٌ اليوم؟

رمشتُ مرّتين أبعِدُ بصرِي عن جانِب وجهِه لأتتبّع نظر لوسي الذي كان على الكعبِ العالي الذي في يدِي، فابتسمت بسمة سريعا ما زالت وأنا أرمشُ من جديد أخبِرُها بهدوء:

هوشيكو [✓]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن