لا إلَه إلا أنتَ سُبحانَك إنّي كنتُ مِن الظّالِمين
—
كانَ هناكَ مشهَدٌ في مسرحية "الصبِيّة ونارل" متفرّد، قوِيّ المشاعر، بأجواءٍ ساحرة، وهو بالضبطِ سبَب وجودِي هنا وأخذي لدورِ الصبِيّة واقتلاعِه من بينِ كلّ حسناوات ثانويتنا اللاتي كانت بعضهنّ جيّدات في التمثيل.
جلستُ على المقعدِ الخشبِي الطويل الذي يُشبِهُ مقاعِد الحدائق العمومية، وأنا أضمّ قدَمي إلى الجانِب من تحتِ فُستانِي الذي يصل إلى ركبتَي، وفي الحذاء ذو الفيونكة اللطيفة وشعري المظفّر جانبيا والألوانِ الزاهية التي كنتُ أرتديها جسّدتُ مظهر الشخصيّة بكُلّ مثالية، وما زادَ ذلِك إقناعا وجهي الذي وضعتُ عليهِ ملامِح الاسترخاء وبسمة صغيرة تعتلي ثغري.
كانَت أنظارُ الحضورِ مُسلّطة علَي، والألحانُ في الخلفية خفيفة تناسِبُ مشهدَ الإنصاتِ إلى الطبيعة التي جسّدتها أدواتُ المسرحِ حولي، وكنتُ أنتظر ذلِك، أنتظِرُ جملة نارل، الشبحُ الذي لا هيأة لهُ ولا شكل، ظهرَ في حياةِ الصبية على حينِ غرّة ومركزَ صوتَهُ في كُلّ ثناياها:
«العينُ باكِية، والقلبُ مكسُور، والرّوح على لظى الوجعِ تتقلّب، ما بكِ يا حُلوَة؟»
كان ذلِك صوتُ هنري من الكواليس بنبرته العاطفية المُذهلة، ومع آخر كلمة نطق بها تسلّل الإنزعاجُ إلى وجهي وتململتُ في جلستي غيرَ مُرتاحة، ثمّ أجبتهُ بانفعال مكبوت:
-ما بي شيء، أنتَ تتوهّم أيّها الشبحُ المزعج!
«ولكِنني أراكِ يا حُلوة، أسمَعُ دواخِلَك، وأتلمّس ألمك–»
-أنتَ لا تعرِفُ شيئا، لا تسمعُ شيئا، ولا تفهمُ شيئا!
انفعلت ساخطة، وتعالت أنفاسي شيئا ما مع شعوري بحرقة في عينَي، ثمّ بقسوة أتبعت:
-أنتَ محضُ شبحٍ أحمَق!
«تكرهين والِدَك يا حُلوة..»
لم يبالي بي وهو ينطِقُ ما جعلَ شفاهي تفغرُ وأنفاسي تنقطِعُ مع تسلل دمغة غادرة إلى وجنتي، ومع شهقة خفيضة قلتُ ويدي التي ارتفعت سابقا مع انفعالي تهاوت ساقطة كأن لا وزن لها:
-لا أفعل، لا أفعل!
«بلى، أليسَ سبَب آلامِك وتوجّع قلبك، تكرهينه، تكرهينه، تكرهينه!»
انغلقت أجفاني لتنهار دموعي بحرقة مع ارتجاف جسدي وهززتُ رأسي رافضة تصديق كلامه مُفصحة بضعف:
-لا أفعل! لا أفعل–
وأردتُ أن أقولَ أنّني أحبّه، أحِب والدِي كثيرا، لكِنّ الكلمة علِقت في حلقي، والجمهور سمِع ذاكَ التأثّر الخافت عبر الميكروفون المعلّق عندَ عنقِ فستاني، غطّيتُ فمي بيدي وعدتُ أهزّ رأسي في الجهتين رافضة التصديق، رافضة أن يكُون سبب ألم روحي ووجع قلبي والدي الذي يتهمّه نارل...
أنت تقرأ
هوشيكو [✓]
Narrativa generale'هوشيكُو' -قصّة | مُكتمِلة- "تُطارِدُنا الأحلامُ أم نحنُ الذين ننساقُ وراءَها؟" تُؤمِنُ هوشيكو لايت أنّها ستصِلُ إلى مآربها يوما، وذاكَ بالعمَلِ الجادّ والمواظبة وعدَم الاستسلامِ أمامَ المصَاعِب، ولكِنّ كُل ذلِك يندَثِر مُحلّقا معَ النوارِس بلا عودَ...