الفصلُ الخامِس

26 5 22
                                    

لا إله إلا أنتَ سُبحانَك إنّي كنتُ مِن الظّالِمين

---

كنتُ ما أزالُ أحتفظُ ببعض المدّخرات التي كفتني الأيام الماضية، بيدَ أنّني عندما قرّرتُ شراء بعض الحاجات اتضَح لي أنّ أمري سينتهي إن لم أجِد عملا سريعا، ولهذا أجولُ في الأنحاء منذُ مُدّة، ولم أجد حتّى اللحظة مكانا يستقبلني، تجنّبتُ الخروج عن نطاقِ هذه المنطقة، وكان هذا الذي صعّب المهمّة، لكنني في النهاية وقفتُ عندَ مقهى صغير ميّزتهُ لافتة جعلتني أعقدُ حاجبي، أليس هذا الذّوقُ الياباني؟ شيءٌ ما كان يُميّز ثقافة عن الأخرى، وطريقة تصميمِ واجهة المحلّ ذكرَني بمقهى الخالة أياني التي كان آخر عهدي بأخبارها مرضُها بالروماتيزم، مما جعلَني أقتربُ بمزيجٍ من الترقّب والحماس والخوف.

لفتني خروجُ أحدِهم من هناك، كان شابا صغيرا يُمسِك بيدِ حبيبَته وسارا بعيدا حاملين مشروبيهما، نزعتُ عنهما بصري، ودخلتُ بتردّد انتهى حالما استقبلني هدوء المكان ودفؤُه.. جلتُ ببصري هنا وهناك قبلَ أن أتجمّد مُتّسعة الحدقتينَ إذ لقيتُ وجهَين صغيرَين مألوفين على طاولة يُواجهان البابَ حيثُ أقِف وكذاكَ والِدَهُما الذي كانَ يضعُ حاسُوبَه قبالَتَهُ يُحادِثُ أحدا ما بمكالمة فيديو، ابتلعتُ رمقي وشعرتُ بالدّموعِ تقفِزُ إلى عينَي، ألا يبدُو هذا الموقِفُ مألوفا؟

رجَفَت عِظامِي مع فِكرَة أن أخرُج من هنا فيحدُث لي شيء ما، لكِنني تمالَكتُ نفسِي وابتلعتُ مخاوفِي ثمّ رمشتُ حينَ وجدتُ رجُلا يُخاطِبُني بلباقة وشيءٍ من البشاشة، التفتّ جانِبا فإذا بي أنظُر مباشرة إلى وجهٍ بملامِح يابانية، مقلتان سوداوان ضيّقتان وشعيرات صغيرة تُزيّن ذقنه، تراجعتُ خطوة موفّرة لنفسي مساحة آمنة، وانزعجتُ قليلا لوقوف الرجُل -الذي يرتدي قميصا أبيضا يُفصّل جسدَهُ- جامدا مكانَهُ وبصرُه يتنقّل بانشداهٍ لم يفُتني على عينَي.

وعلمتُ السبب، إنّ لعَينَاي -كما لبسمتي- سحرٌ خاصّ حسبما أشادَ بهِ النّاس وأكثروا المدحَ والثّناء، وكان هذا ليُدغدغَ قلبي ربّما في وقتٍ ما، لكِن مع كُلّ ما مررتُ بهِ مع الجنسِ الآخر لا تُصيبني هذه المواقف إلا بالرّعب.

-كيفَ أساعِدُك؟

خرجَ من شرودِه وابتسمَ بلُطفٍ يسألني بلباقة، كان أنيقا ولبقا ولطيفا هذا صحيح، لكِنّني كدتُ أتراجعُ لشعوري بعدَم الآمان تُجاه كُلّ شيءٍ، لكِنّني شددتُ قبضَتِي وثبّتني، يجِبُ أن أتجاوز مخاوفي، يجبُ أن أبادِر بعزمٍ لكسرِ ما يمنعني عن العيش.

حافظتُ على هدوئي وأنا أستخدِمُ ذاتَ لباقَتِه في الكلام:

-أبحثُ عن عمَل، هل تحتاجون أحدا ما؟

نظرَ إلى المكانِ حيثُ يتوزّعُ الموظفون الذين كان عددهم قليلا ثمّ شعّ وجههُ بابتسامة واسعة وهو يقُول:

هوشيكو [✓]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن