الفصلُ الثّالِث

10 3 17
                                    

لا إله إلا أنتَ سُبحانَك إنّي كنتُ مِن الظّالمين

---

قُبَيلَ الغرُوب كنتُ في السّوبرماركت أتجوّل بينَ الأرفُف ويدَي في سترتي الرياضية، كانت العاملة الجديدة تراقبني كأنّني سأسرقُ في أيّة لحظة، ولم أبالي، فقد شكّت بي الفتاةُ التي كانت هنا قبلها أيضا، ولكِن ماذا أفعَل؟ إنني معتادَة على السيرِ بين الأرفُف أختارُ بعينَي الوجبات التي أريدُ تناولها ثمّ أتوقّف في النهاية عندَ الشعيرية والبيض وأنسى أمرَها جميعا لأنّني لم أجرّب الطبخَ من قبل.

رمقتُ العاملة المتبرّمة ببرود ثمّ تركتُها تعُدّ المشتريات بينما أرمي بصري هنا وهناك، ولحظّي الرائِع قفزت لي هيأة هادئة كانَ آخر عهدي بها قبلَ يومين في الجامعة، ودلَف السوبرماركت ليسيرَ مباشرة نحوَ رفّ الطحين، وبعدَ ثوانٍ قليلة دلَف رجُل طويلٌ بمعطَف أسود وبجوارِه... إيف؟

نقلتُ بصري إلى الرجُل الذي معها ليظهر لي شعرُه الأسودُ الطويلُ جليا، وكذاكَ لحيتُه وإن لم أكُن مخطئة لهُ عينانِ رماديتان ثمّ لمحتني إيف وتقدّمت إلي بعدما همست شيئا لزوجها، ورغمَ أنني بادلتها الابتسامة أقسمت في عقلي ألا تعتَب قدَمِي هذا المكان مجددا.

-مرحبا يا هوشي!

رددتُ التحيةّ، ولم أكُن ببهجتها لكِنّني كنتُ أبتسم، تحدّثَت عن شيءٍ ما ولاحظَت تباعدي وردودي المختصرة، فاستأذنت بعدَ قليلٍ لتعودَ إلى زوجها، وقد أردتُ الشعورَ بالسوء من فعلتي، لكنني كنتُ مرتاحة، هكذا أفضل، لا أريدُ الاحتكاكَ بها.

-ساعة لتجمعي ثمَن المشتريات؟

وبّختُ الموظّفة، ورغمَ أن ذلك كان آخر ما تعنيه اعتذَرَت، فمططتُ شفتي وغادرت، وبمُجرّد خروجي ابتعدتُ بسرعة لأصل إلى منزلي أسرَع وحالما دخلتُ أغلقتُ الأقفال كُلّها ثمّ النوافِذ.

لم أكن في ذهنٍ رائق ففتحتُ معلّبة وأكلتها بالملعقة لأتناول أقراصي المنوّمة بعدها ثمّ خلدتُ إلى النومِ في غرفتي هذه المرّة.

صباح اليومِ التّالِي ذهبت عنّي موجة الفراغ التي ابتلعتني بعدَ لقائي مع إيف، فتحتُ النوافِذ لتدخُل الشمسُ معانقة الأثاث باشتياق، نظّفتُ المكانَ قليلا حتّى يناسب مزاجي الجميل، ومع أنّني لم أفعَل هذا منذُ زمن، ارتديتُ ملابس الرياضة وخرجتُ لأركُض.

فقدتُ هذه الهواية مع فقداني لكُل شيءٍ قديمٍ كان لدي، دون أن أسأل الطبيب عن شيء حينها؛ أخبرني أن ضربة السكين ستمنعني عن العودة إلى المنافسة، ومع كلّ ما كان بي تساءلت مع نفسي ما إذا كان معتوها حتّى يذكُر هذا الأمرَ أمامَ كُلّ الأمور المهمّة التي فقدتُها تِلك الليلة!

انزعجتُ لتذكّري هذه السّيرة، نفضتُ رأسي في الجهتين طاردة خواطري ثمّ خفّفتُ سرعتي عندَما شعرتُ بنغزَة ألمٍ في ساقِي، ولم يأخُذ الأمرُ منّي أكثر من هذا لأفقِدَ شغفي، فتابَعتُ جولَة الركضِ مشيا مع عبوسٍ قوِيّ اعتلى ثغري، قلبتُ عينَي بتملّل حال مرَرتُ برجُل يتأبّطُ ذراع زوجته لكِنّ قرصَة ألمٍ ألمّت بقلبِي فضحَت تأثّري.

هوشيكو [✓]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن