لا إلَه إلا أنتَ سُبحانَك إنّي كنتُ مِن الظّالِمين
---
[السعادة ليست مجرّد شعور، قد تكونُ شخصا، شيئا، مكانا أو منظرا، وربّما هي نحنُ ونحنُ نلاحِقُ أحلامَنا.]
أبقيتُ عينَي طويلا على هذه الجملة المكتوبة على اللوح الذي يقف أمامه كاتبها، الأستاذ رَيَان، مُدرّس الأدب في جامعتنا.
لكل طالب نظرة أولية عن كل أستاذ يدرسه قبل أن يبدأ الدراسة حتى، لكن لا أحد يعلم عن هذا الرجُل شيئا باستثناء اسمِه الذي أدلى به قبلَ دقائق بعد أن كتب تلك العبارة وعُمرِه الذي قال أنه ثلاثة وثلاثون عاما. هو الأستاذ الشاب الجديد وهذه سنته الأولى في التدريس، يجدُر بهِ أن يحمِل بعضَ التوتر ولو خفِيا، لكِنّه كانَ هادِئا، رزينا، ونبرةُ صوتِه ثابتة.
رجُل متوسّطُ الطول، رشيقُ البنية، من ذاكَ النوعِ الذين يرتدون قمصانا قطنية فوقها سترة تُظهر ياقة بيضاء.
شعرُه البنّي ملتَفّ في حلقاتٍ، ولهُ لحية خفيفة، يلبَس نظارات بإطارات سوداء تخفيان عينيه الخضراوين الهادئتين وحاجبيه الكثيفين... وقد كانَ متزوجا.وذاكَ في الواقِع ما كان يُتحاوَر بشأنِه بينَ الشابتين ورائي، وعندمَا رميتُ نظرَة إلى يدِه علِمتُ سبب الإشاعة التي ستنفجر بمجرد خروجنا من الفصل؛ خاتَمٌ فِضّي في بنصُره.
غيرَ أنّ هذا ما همّنِي في شيءٍ قدرَ كلِماتِه تِلك التي خطّها على اللوح وتركَها هناك تستفزّني وتثِير حنقِي كلما وقع عليها نظري أثناء الحصّة.
أكرَه المتفلسفين، وأظنّني سأكرَه هذا الرجُل أيضا.
ولأنّ هذهِ حصّتي الخامِسة في هذهِ الجامعة، وفي تخصّص لم أفكّر في الاقترابِ منهُ يوما، كنتُ اللحظَة ذائبَة في شرحِهِ لنصّ أدبي، وكان قد أدلى في البداية أنّه سيجعلَهُ خفيفا علينا لكِن بعدَ ذلِك سنُشمّر عن السواعد، فتساءلت حينذاك حيالَ ما سيبدُو عليهِ الأمر لاحقا إن كان من الان بهذا التعقيد؟
لم يكُن هذا الرجُل من النّوع الذين يرمون ابتساماتهم هنا وهناك، وحتى عندما تلتقي عيونهُ بعيون أحد طلابِه كانَ ينظُر بهدوء فقط، دون أن يبدو متغطرسا، ودون أن يُظهر الودّ كذاك، ولاحظتُ أمرا جعلني أشخَر ساخرة؛ لم يكُن ينظُر إلى الفتيات لأكثر من خمسِ ثوان، عندما توقفُه إحداهُن لطرح سؤال أو الاستفسار ينظُر إليها ثانية أو ثانيتين ثمّ يشيحُ بصرَه.
ولن أصدّق أيّ هراءٍ حيالَ أنّه يفعلُ هذا من باب الأخلاق والقِيَم والعفاف، ولّى زمنُ الإيمان بالخرافات.
وهؤلاء الذين يدّعون القدسية والملائكية لا يعدون أنْ يكونوا محضَ وحوشٍ تخفِي شهواتِها وراءَ قناعٍ صلبٍ خادِع، وهو لا ريبَ واحِدٌ من هؤلاء، أراهِنُ أنّه خانَ زوجَته عشرات المرّات دون علمها، وأراهنُ أنّه كان على علاقات لا متناهية قبلَ الزواج، لا يُمكِنُ لشيء "كإنسان خلوق لا شهواني" أن يكونَ لهُ وجود في هذا العالم!
أنت تقرأ
هوشيكو [✓]
General Fiction'هوشيكُو' -قصّة | مُكتمِلة- "تُطارِدُنا الأحلامُ أم نحنُ الذين ننساقُ وراءَها؟" تُؤمِنُ هوشيكو لايت أنّها ستصِلُ إلى مآربها يوما، وذاكَ بالعمَلِ الجادّ والمواظبة وعدَم الاستسلامِ أمامَ المصَاعِب، ولكِنّ كُل ذلِك يندَثِر مُحلّقا معَ النوارِس بلا عودَ...