رواية "عالم آخر".
الفصل التاسع:
"زَوَاجُ قَـسْـرًا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوصلت نور مع عمر إلى المنزل الجديد، ودخلت إلى بيتها، حيث بدأت تتفقد المكان بنظراتها. ابتسمت وأخبرته أنه رائع ومريح للغاية، معربةً عن معرفتها الجيدة بذوق والدها. أومأ عمر برأسه مبتسمًا رغم أنه لم يكن مرتاحًا. كانت تشعر ببعض الخجل، وعندما دخل البواب مع الحقائب، أخبرتهم أنها ستذهب لتغيير ملابسها.
دخلت إلى الغرفة وارتدت ملابس مريحة وجديدة اشترتها مسبقًا، ثم فردت شعرها وخرجت لتجد عمر جالسًا شاردًا في همومه. نادت عليه وعندما نظر إليها، وجدها بشعرها المفرود، مما جعله يشعر بغرابة لأنه هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها شعرها. ابتسمت وطلبت منه ألا يتعجب، فهي الآن أصبحت زوجته، وأخبرته أنها كانت تتمنى أن يتزوجا في ظروف أفضل، ولكن هذا هو القدر. رد عليها بأنه لا بأس وطلب منها أن تذهب إلى النوم.
سألته إذا كان سينام هو الآخر، ليجيبها باستنكار بأنه لن ينام الآن. شعرت بشيء غريب يسيطر عليه، فجلست بجواره وسألته عن ليلة البارحة والسجائر ومعاملته الجافة لها. تعجب من حديثها وسألها إذا كان يعتقد أنه يُدخن، ليؤكد لها أنه لا يُدخن ولا يطيق التدخين. زاد تعجبها وظنت أنه يخدعها، لكنه أقسم أنه لم يفعل ما ذكرته، ونهض متهمًا إياها بالجنون.
نهضت هي الأخرى وأصرت على إخباره بما رأته بالتفصيل، وشرحت له أنه كان يدخن وذهب إلى مكان غير معروف وعاد بعد ساعة. حاول أن يتذكر ما تخبره به ولكن بلا جدوى. انفعل عليها وطلب منها أن تذهب إلى الغرفة لأنه سيستريح في الصالون. دلف إلى الحمام ودفع الباب بغضب، مما أصدر صوتًا مزعجًا جعلها تشعر بالفزع. قررت أن تذهب إلى الغرفة، وجلست على السرير ضامة ركبتيها بذراعيها، تفكر فيما أصابه.
حل الصباح، ففتحت عينيها لتجد نفسها بمفردها في الغرفة. نهضت وخرجت لتجد عمر نائمًا في الصالون كما أخبرها. تفاجأت لأنه نفذ ما قاله، لأنها اعتقدت أنه يمزح. أخذت تسأل نفسها ما الذي يحدث، ثم قررت تركه نائمًا وذهبت إلى المطبخ لتشرب بعض المياه، ثم استبدلت ملابسها استعدادًا للخروج. نهض عمر عندما سمع صوت تحركاتها ونظر إليها متسائلًا:
- رايحة فين؟
- هكون رايحة فين يعني.. هروح الجريدة.
- والناس تقول عليكِ إيه لما يلاقوكِ نازلة الشغل وأنتِ لسه متجوزة امبارح؟
ضحكت وقالت بسخرية:
- ده على أساس إني عروسة بجد وقمت يوم صباحيتي من جنب جوزي وقررت إني أنزل الشغل!
- بالله عليكِ مش عايز تريقة على الصبح، مش هينفع تنزلي.
- مش لما تكون جوازة طبيعية الأول! أنا نازلة.
نهض واتجه إليها ليلحقها فأمسك بذراعها فشعرت بالألم ثم قالت:
- إيه في إيه.. سيب إيدي!
- قولتلك مش هتنزلي وكلمتي لازم تتسمع..
سحبت ذراعها بعنف ورمقته بنظرات حادة وسألته باستنكار:
- أنا مش فاهمة أنت اتجوزتني ليه وأنت مش طايق تبص في وشي.. أنا عايزة أفهم أنت بتحكم عليا مخرجش دلوقتي على أساس إيه؟
- على أساس إني جوزك ولازم تطيعي أوامري.
- مش لما تكون جوزي بجد!
- يعني إيه؟
- يعني أنت قررت إني أنام لوحدي وأنت تنام بره لوحدك.. ممكن أفهم ده معناه إيه؟
- اسمعي يا نور، أنا مش مضطر أبررلك أي حاجة.. هو ده اللي موجود إذا كان عاجبك.
- أنا كده فهمت..
قال بتوتر:
- فهمتِ إيه؟
- أنت بتعمل كده عشان أسيب الشغل صح؟؟
شعر بالارتياح عندما قالت تلك الكلمات، فقال ليخفي اتفاقه مع عمه:
- أيوة يا نور.. عايزك تسيبي الشغل.
ضحكت وتركت حقيبتها وسترتها على المائدة وقالت:
- قول كده بقى.. عشان كده عامل الشويتين دول؟
- أيوة يا نور.. كل ده عشان مش عايزك تشتغلي.
قالت وهي تقترب إليه ثم وقفت ونظرت في عينيه بتحدٍ:
- يعني لو قدمت استقالتي كل شيء هيتغير؟
- مش فاهم..
- لا أنت فاهم.. سألتك سؤال جاوبني عليه.
- أنا مش فايق للعب العيال بتاعك ده.. عايزة تنزلي انزلي، وسّعي بقى عشان أنا كمان عندي شغل.
تركت نور عمر وقررت الذهاب إلى عملها. عند وصولها، هنأها الجميع وأعربوا عن سعادتهم بعودتها بعد غيابها. شعرت بالتوتر عندما رأت مريم، التي نظرت إليها بتمعن دون أن تتحدث. انتبهت نور لقلق مريم، لكنها لم تكن مستعدة لمشاركة تفاصيل حياتها الشخصية.
توجهت نور إلى مكتبها، محملة بأفكار متضاربة، وقررت التركيز على العمل لتتخلص من مشاعر الاضطراب التي تسيطر عليها. فقالت:
- إيه.. في إيه!
- أنتِ هنا بتعملي إيه؟
- يعني إيه بعمل إيه.. ده مكان شغلي على فكرة..
- والله؟ تصدقي أول مرة أعرف إنه مكان شغلك، متستعبطيش يا نور، ازاي تسيبي بيتك وجوزك وتنزلي الشغل يوم.....
قاطعتها نور وقالت:
- صباحيتي.. صح؟ مش ده اللي عايزة تقوليه! أنا بقى مبعترفش بيوم الصباحية ده..
- ده اللي هو ازاي يعني؟ في عروسة تنزل الشغل تاني يوم جواز!
- على أساس إنه قانون يعني بينص على إن العروسة مينفعش تخطي باب بيتها يوم صباحيتها!
- أيوة مينفعش..
- ده جهل وتخلف..
- سيبنالك أنتِ العلام يا متعلمة..
ران عليهما الصمت قليلًا فأردفت مريم قائلة:
- طب وعمر، سابك تنزلي كده عادي؟
- الباشا عايزني أسيب الشغل..
ضحكت مريم وقالت:
- من أولها كده! خلصنا من عادل عشان يطلعلك عمر..
- شوفتِ بقى الحظ..
- طب وأنتِ كان إيه رد فعلك؟
تبدلت ملامحها عندما تذكرت ما فعله معها منذ البارحة، فهو شيء لم تستطع إخبار أحدٌ به حتى ولو كانت صديقتها المقرّبة، فأخبرتها أنها تشاجرت معه ونزلت وهو الآخر ذهب إلى عمله، فقالت مريم:
- والله أنتوا الاتنين مجانين.. ما جمّع إلا ما وفّق بصحيح..
ابتسمت نور رغم أنها كانت تشعر بالقلق والارتباك، لكنها قررت مواجهة الوضع. دخلت المنزل ورأت عمر جالسًا في الشرفة، يمسك هاتفه ويبدو سعيدًا. وضعت المفتاح في الحقيبة وسعلت لتنبهه لوجودها. نظر إليها بابتسامة، ولكنها شعرت بشيء غير مريح في قلبها.
قررت أن تسأله عن غيابه، ولكنها ترددت في البداية. شعرت بأنها بحاجة لمعرفة الحقيقة حول ما يجري. نظرت إليه مباشرة، وبدأت تسأله عن سبب تصرفاته الغامضة. في تلك اللحظة، أدركت أن هناك شيئًا ينقص في العلاقة، وأنها بحاجة لفهم ما يجري قبل أن تتخذ أي خطوات أخرى.
بدأت تفكر في كل ما حدث في الأيام الأخيرة، من كذبه حول السفر إلى مشاعره المتضاربة. كانت تشعر بأن هناك شيئًا غير واضح يجري بينهما، وأنها بحاجة لاكتشاف الحقيقة، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة عمر بجرأتها.
- مساء الخير..
قال بنبرة باردة وهو ما زال يمسك بهاتفه دون أن ينظر إليها:
- أنتِ جيتِ؟
- أنت شايف إيه؟.. عديت عليك في الكافيه قالولي إنك مش موجود..
نهض على حين غفلة وترك هاتفه فتبدلت ملامحه واقترب منها وقال بانفعال:
- أنتِ روحتِ هناك!
- أيوة يا عمر روحت هناك.. وقالولي إنك مسافر.. ممكن أفهم إيه الحكاية بالظبط؟
استدار وجعل ظهره أمامها فقال بتلعثم:
- مش حابب حد يعرف دلوقتي إني اتجوزت.
- ممكن أفهم السبب!
- مش حابب حد يعرف وخلاص.. هو أنا هبررلك!
أمسكته من ذراعيه وجعلته يستدير إليها فقالت بغضب:
- أيوة تبررلي، لأنك مجبر إنك تبررلي.. جاوب على سؤالي، ليه كذبت عليا وعليهم هناك!
ابتعد عنها وقال:
- أنا مش مجبر أبررلك أي حاجة.. وأنا اللي دلوقتي بجبرك إني متعديش ناحية هناك..
اقتربت إليه وقالت:
- يا سلام! وده ليه بقى إن شاء الله!
- عشان أنا عايز كده..
كانت نور تشعر أنها بكابوس كبير فنظرت إليه بعيونٍ دامعة وقالت:
- أنا مش قادرة أستوعب اللي أنا فيه، أنت ازاي كده؟ ازاي كنت شايفاك ملاك طول الفترة اللي فاتت.. أتاريك كنت مستني الوقت المناسب اللي تبان فيه على حقيقتك!
مضت من أمامه ودلفت إلى الغرفة وغلقت الباب باندفاع، فظل عمر واثبًا بمكانه وهو يشعر بالضيق. عاد إلى الشرفة وقرر أن يهاتف رامي ليخبره بما حدث. تفاجأ رامي بخبر زواجه من نور، وطلب منه أن يعده ألا يخبر أحدًا، وخاصةً سلمى، وأن يمنع نور من الذهاب إلى المقهى. أخبره رامي أنه لن يستطيع فعل ذلك، مما جعل عمر يفكر في حل آخر، وهو أن يلهيها حتى يجد طريقة مناسبة تجعلها تخرج من حياته.
أنت تقرأ
عَالَم آخَـر
Hành độngلكل منّا عالمه الآخر، العالم الذي لا يعرفه أحدٌ سوى صاحبه فقط.. ماذا يفعل وما الذي يوجد بداخل عالمه هذا! حقًا لا نعلم وليس من شأننا معرفة ذلك، ولكن هل يمكن للشخص الغامض الذي يملك عالمه الآخر أو عالمه الثاني.. بأن يرتكب الجرائم من أجل استرداد حقوق ال...