رواية "عالم آخر".
الفصل الرابع عشر:
"مُـكَـابْرَة".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ- بقالي فترة بحس بفقدان ذاكرة مؤقت ومش عارف إيه السبب..
أمسك دفترها لتدوّن ما يقوله عمر، فسألته:
- واحدة واحدة عايزاك تقولي.. بدأت تحس بـ ده امتى وإيه الأعراض اللي كانت بتحصلك.
- بقالي أكتر من سنة.. أول مرّة حسيت بالموضوع ده في بداية شغلي في الكافيه، وتقريبًا بعد اليوم اللي عرفنا فيه خبر قتل مدير الكافيه..
- طب قولي إيه اللي كنت بتحس بيه قبل ما تفقد جزء من ذاكرتك وإيه اللي بتحس بيه لما بترجع تاني.
- أنا ببقى كويس لحد ما بحس بصداع شديد بيبقى هيفرتك دماغي وبعدها كأني بفقد الوعي، ولما برجع تاني ببقى لسه صاحي من النوم وآخر حدث كان بالنسبالي هو الصداع اللي كنت بحس بيه.
- طب ما يمكن تكون فعلًا بتفقد الوعي وأنت مش حاسس بـ ده!
- والله يا دكتورة أنا كنت فاكر إن عندي مشكلة خطيرة لحد ما روحت لدكتور مخ وأعصاب.
- وبعدين.. قالك إيه؟
- كتبلي على تحاليل وأشعة عملتهم والنتيجة طلعت نضيفة ومفيهاش أي حاجة.. فقال يبقى ده سبب نفسي مش عضوي.
- أنت ممرتش بأي صدمة نفسية عيشتها فِ طفولتك؟
- هي طفولتي كانت صعبة فعلًا بس مش لدرجة صدمة نفسية، أنا من صغري وأنا بتقبل أي مصيبة بتحصل، بزعل عادي زي أي إنسان بس مبديش الحاجة أكبر من حجمها..
- طب ممرتش باكتئاب لفترة طويلة؟
- أكيد مريت كتير بس مكنش في أي حاجة بتحصل لحد ما حصلت الحادثة بتاعت بيتنا القديم والست اللي ربتني توفّت.
- هل كنت بتشعر بـ ده قبل وفاتها ولا بعد؟
- لا.. بعد..
- على العموم أنا مش عارفة أشخصك ازاي بس كل اللي ممكن أقولهولك إنك تطلب من نور إنها تراقب تصرفاتك وأنت تكون معاها خطوة بخطوة وتعرفها كل حاجة.. عشان لو لاحظت أي حاجة غريبة تقولك على طول ودي هتبقى فترة مؤقتة طبعًا..
- صحيح في حاجة أنا نسيت أقولهالك..
- إيه هي؟
- فِ مرة من المرات كنت عندكم ونمت ليلة هناك، ف الليلة دي نور قالتلي إنها شافتني وأنا بشرب سجاير وأنا فِ الحقيقة مش بدخّن!
- وبعدين؟!
- ساعتها أنا كذّبتها واتهمتها بالجنون.. بس هي ليه برضو هتلفّق حاجة زي كده من دماغها؟
- طب هي لاحظت حاجة تاني؟
- يوم ما سليم اتقتل، ساعتها نور قالتلي برضو إني كنت سهران معاها لحد الصبح وأنا مش فاكر أي حاجة غير إني كنت نايم وصحيت من النوم على ١١ بالليل وكنت فاكرها ١١ الصبح..
شعرت ملك بالارتباك وظلت صامتة لأنها شكت في شيءٍ ما ولكنها لم تخبره بما يدور في ذهنها حتى تتأكد من صحة شعورها، فقالت له لتنهي هذا الحوار:
- طب على العموم لازم تعمل زي ما قولتلك، تخلي نور جنبك الفترة دي وإن شاء الله خير..
- أنا متشكر أوي يا دكتورة.. تعبتك معايا..
- ده واجبي.. ولو فِ أي حاجة فِ أي وقت تعالى على طول من غير مواعيد.
- اتفقنا.. سلام عليكم.
- وعليكم السلام..
غادر عمر الغرفة، وبعد لحظات دخلت المساعدة لتخبر ملك بأن الساعة أصبحت الرابعة، فطلبت منها أن تنصرف، بينما بقيت شاردة، غارقة في التفكير في حالة عمر وما يمر به. في تلك الأثناء، كان عمر في طريقه إلى المقهى، وعند وصوله، طمأن رامي على حالته وأخبره أنه بخير، لكنه سيخضع لعلاج نفسي بناءً على نصيحة طبيب المخ والأعصاب. فابتسم رامي مطمئنًا إياه بأنه سيتجاوز هذه المرحلة بسلام.
ومع مرور الأيام، بدأ عمر يعود إلى عمله بتركيز والتزام أكبر، متخذًا قرارًا بالاستمرار فيه والاهتمام بمسيرته المهنية. كما شعر بتطور إيجابي في علاقته مع نور، وأصبحت شبه مستقرة، لكنه لم يكن مرتاحًا لفكرة عملها دون أن يعرف سبب هذا الشعور. ومع حلول الليل وانتهاء يومه الطويل، رنّ هاتفه، وعندما رأى المتصل، أجاب بصوت هادئ، قائلًا:
- سلام عليكم أهلًا وسهلًا يا عمي أخبار حضرتك إيه؟
- أنا الحمدلله يا حبيبي أنت أخبارك إيه؟
- الحمدلله كله تمام.. لسه مخلص شغل أهو وراجع على البيت..
- طب كلم نور تجهز وهاتها وتعالوا..
- ليه خير في حاجة ولا إيه؟
- لا خير.. لما تيجوا هتعرفوا كل حاجة.. مستنيكم..
بعد مرور ساعة كان الجميع مجتمعًا على مائدة الطعام فابتسم جمال وقال بسعادة:
- أنا فرحان أوي إننا قدرنا نتلم على سفرة واحدة.. عادل وعمر عايزكم تصفوا أي زعل بينكم، عادل غلط في أسلوبه بس بلاش تنسى إن ده شغله والشغل ده مفهوش وسايط عشان احنا قرايب، هو مأمور ومضطر ينفذ الأمر، وأنت يا عادل المفروض كنت تبقى صبور شوية لحد ما الحقيقة تبان..
رد عادل وقال بنبرة ندم:
- والله يا بابا كان غصب عني وكنت متلخبط بس أنا عرفت غلطي بعد كده..
نظر إلى عمر وقال معتذرًا:
- حقك عليا يا عمر، أنا آسف لو كنت حكمت عليك حكم مسبق، وآسف على أسلوبي..
ابتسم عمر متقبلًا اعتذاره:
- ولا يهمك ده شغلك زي ما عمي قال وأنا خلاص مش زعلان، نبتدي صفحة جديدة..
فابتسم عادل بسعادة وقال:
- نبتدي صفحة جديدة..
ابتسم الجميع وبدأوا بتناول الطعام وسط أجواء مريحة ودافئة. وبعد أن انتهوا، جلسوا معًا يتبادلون الأحاديث، فتوجه جمال بالكلام إلى الجميع قائلاً:
- أنا حبيت أجمعكم النهاردة عشان حاجتين، أول حاجة إننا نخلص موضوع الزعل ده والحمدلله أهو خلص خلاص، تاني حاجة وهي إني نويت أفتح شركة عقارات وعايزكم معايا.. طبعًا أنا عارف إن عادل صعب يسيب شغله وكذلك ملك، بس عمر ونور وممكن ندى وكمان أسماء، عايزكم تكونوا معايا في الشغل وأهو هيبقى على مزاجكم ومش هتبقوا تحت إدارة حد غريب..
رد عمر وقال:
- والله يا عمي دي فكرة كويسة جدًا.. بس زي ما حضرتك شايف كل واحد متعلق بشغله ومش هيقدر يسيبه أو يغيّره..
- أنت مش كنت عايز تشتغل في الشئون القانونية يابني؟
- دي حقيقة بس من ساعة ما اتثبتت مدير المكان اللي أنا فيه وأنا فعلًا نسيت الموضوع ده..
- وأنتِ يا نور رأيك إيه؟
- أنا مع حضرتك فِ أي حاجة هتقولي عليها بس للأسف مش هقدر أسيب الصحافة فممكن أبقى معاك ومن ناحية تانية مسيبش شغلي..
شعر عمر بالضيق ثم قال:
- بس احنا اتفقنا يا نور إنك هتستقيلي..
ضحكت نور وقالت بنبرة ساخرة:
- أنا متفقتش معاك على أي حاجة.. أنت اللي عايز تتحكم فيا بأي طريقة..
ضحك عادل وتذكر حاله مع زوجته، فقال عمر:
- وأنا قولتلك قبل كده إني جوزك وليا حق عليكِ يعني اللي أقوله يتنفذ..
تعجب جمال وكذلك عادل من لهجة عمر فقال جمال:
- اهدوا يا ولاد.. اهدوا مش كده، تعالي يا نور أنا عايزك.
فقال عادل:
- وأنا عايزك يا عمر.. عن إذنكم يا جماعة..
فذهب معه إلى الخارج وذهبت نور مع والدها إلى غرفة مكتبه فكان عمر واقف أمام المسبح واثبًا فوقف عادل بجواره ثم قال له:
- إيه الحكاية يا عمر.. من يوم النيابة وأنت اتغيرت أوي..
ضحك عمر بسخرية ثم قال:
- ده أنت مصمم تضغط عليا بقى!
- يبقى أنت لسه زعلان مني..
- لا أبدًا أنا مش زعلان ولا حاجة..
- هعمل نفسي مصدق.. بس قولي إيه الحكاية، نور كانت قايلالي إنكم اتفقتوا على الطلاق، إيه اللي اتغير؟
- أنا متفقتش معاها على حاجة..
- معنى كده إنك متقبلها فِ حياتك؟
- لا..
- يعني أنت مش متقبلها ولا عايز تطلقها، ممكن أعرف ده معناه إيه؟
- بحاول أتقبلها، ولحد ما ده يحصل في حاجات كتير لازم تتغير..
- أفهم من كده إنك خلاص رضيت عن الجوازة بعد ما كنت متدبس فيها؟
- مقدرش أنكر إنها جدعة وطيبة وبميت راجل، بس أنا عندي مبدأ وطول عمري رافض إن البنت اللي هتكون مراتي تبقى بتشتغل وخاصةً فِ مكان فيه اختلاط..
ضحك عادل وقال:
- والله أنا لحد دلوقتي مش متقبل إن ندى بتشتغل بس بقول هي دكتورة وهما محتاجين لوجودها في المستشفى وعملت أكتر من مشكلة بسبب الموضوع ده وكنا على وشك إننا ننفصل بس شاء القدر وكل حاجة اتصلحت ومبقتش بفكر فِ الموضوع ده عشان منشدش أنا وهي مع بعض..
- يعني أنا مطلوب مني إيه دلوقتي؟ عايزني أعمل زيك؟
- ثواني بس يا عمر في حاجة أنا عايز أفهمها منك.. أنا كنت رافض شغل ندى عشان حاجتين أول حاجة عشان موضوع الاختلاط والحرمانية ودي حاجة النقاش أو الجدال فيها مفروغ منها، والسبب التاني بينطبق على السبب الأول ألا وهو إني بغيير عليها، عشان بحبها..
ظل عمر صامتًا فرمقه عادل بنظرة شك، ثم قال له:
- أنت بقى إيه؟ إيه أسبابك؟ مجرد تسلط وتحكم وفرض رأي ولا أنت فعلًا بدأت تحب نور وتغيير عليها بس أنت بتكابر؟
- مفيش الكلام ده.. أنا كل اللي خايف عليه هو منظري وبس ومش عايز أي حد يعرف إني قادر أصرف على بيتي وموفرلها كل اللي احتياجاتها وهي برضو مصممة تشتغل، ممكن أعرف إيه اللي يخليها تشتغل؟
- يعني أنت كل اللي هامك منظرك صح كده؟
- أعتقد المفروض أنتوا قبلي ومن قبل ما أعرفها أو تدخل حياتي، نور مش محتاجة لأي شغل.
- ومين قالك بقى إني متكلمتش معاها فِ الموضوع ده مليون مرة، أنا عايز أقولك إن فِ الفترة اللي كانت فيها مشاكل بيني وبين ندى كانت علاقتي بنور سيئة جدًا، كانت أسوأ مما تتخيل خاصةً لما كنت بشوفها بتعمل تحقيق صحفي فِ أي جريمة أنا كنت بحقق فيها كنت بتجنن، وياما اتكلمت وكلنا اتكلمنا بس هي مش صغيرة عشان نجبرها تعمل حاجة هي مش عايزاها.. وعلى فكرة نور كان عندها استعداد إنها تسيب الشغل بعد الجواز، يعني عايز أقولك إن لو كانت جوازتها ليك طبيعية كانت بقت زي الخاتم فِ صباعك..
- طب وده أعمله ازاي؟
- هو هيبقى صعب وهياخد وقت، بس هيجيب نتيجة..
- اللي هو!
- إنك تبينلها الحب والاهتمام والتقدير، وطالما هي بتحبك يبقى هتتنازل عن أي حاجة فِ سبيل إنها تسعدك بس لو شافت منك التقدير..
غادر عمر الغرفة، غارقًا في التفكير في كلمات عادل، بينما على الجانب الآخر، كان جمال يتحدث مع نور حول موضوع عملها. أخبرها بأنه لن يتمكن من طلب مساعدتها في افتتاح شركته الجديدة، خاصة بعد إصرار عمر على أن تترك عملها المعتاد. غضبت نور وأعلنت أنها لن تتخلى عن عملها، وأنها ستكون بجانبه وتساعده في شركته متى احتاج ذلك، دون أن يضطر لطلبه. اعترض جمال على لهجتها وعنادها، وطلب منها أن تطيع أوامر زوجها، فأخبرته بحدة أنها لا تعتبر نفسها زوجة لعمر إلى الحد الذي يملي عليها ترك عملها والإنصات لأوامره، التي تراها بلا قيمة. ثم استأذنت وخرجت من الغرفة، لتلتقي بعمر في الداخل، ونظرت إليه نظرات غاضبة. ناداها عادل وطلب منها الجلوس للتحدث بهدوء، وأخبرها أن عمر لن يطلب منها مجددًا ترك العمل، وأنها ستستمر كما تشاء طالما أنها لا تفعل شيئًا مسيئًا، وكان هذا حلاً مؤقتًا اتفق عليه عادل مع عمر على أمل أن تتخلى نور عن العمل بمرور الوقت وبدون ضغوط. شعرت نور ببعض الراحة، بينما قرر جمال إنشاء شركته بنفسه، دون طلب مساعدة من أحد.
![](https://img.wattpad.com/cover/375074289-288-k571867.jpg)
أنت تقرأ
عَالَم آخَـر
Aksiyonلكل منّا عالمه الآخر، العالم الذي لا يعرفه أحدٌ سوى صاحبه فقط.. ماذا يفعل وما الذي يوجد بداخل عالمه هذا! حقًا لا نعلم وليس من شأننا معرفة ذلك، ولكن هل يمكن للشخص الغامض الذي يملك عالمه الآخر أو عالمه الثاني.. بأن يرتكب الجرائم من أجل استرداد حقوق ال...