رواية "عالم آخر".
الفصل الثامن عشر:
"اخْـتِـطَـاف".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــابتسم عادل ابتسامة انتصار، ثم عانق حسن بشدة، حامدًا الله وشاكرًا إياه على نعمه التي لا تحصى. رغم حزنه العميق على وفاة سليم، إلا أن تحقيق مراده بفضل الله أولًا، ثم القاضي الذي حكم بالعدل، كان يعزيه. بعد ذلك، غادر عادل المحكمة بصحبة حسن.
مرت الأيام، وتم تأسيس شركة جمال الخاصة التي أطلق عليها اسم G.M للعقارات. أما حالة عمر، فلم تتغير، فقد ظل مستمرًا في تناول المنوم الذي نصحته به ملك، وكانت نور تهتم به وتعتني به. في ذلك اليوم، قرر عمر ترك المقهى بعد تقديم استقالته لإلهام، التي عرضت المقهى للبيع. في الوقت نفسه، تم قبول رامي في وظيفة جديدة بشركة جمال. كانت الشركة تسير على ما يرام، وكان عمر يدير قسمًا كبيرًا فيها، وكان سعيدًا جدًا بالعمل مع عمه.
بعد أسبوع، تم إعلان خطبة ملك على النائب آسر، مما جعل الجميع في غاية الفرح. في هذه الأثناء، استمرت نور في عملها، وواصلت كتابة المقالات التي تهاجم فيها كمال الجندي، كما اعتادت. كان زين يحاول دائمًا إيقافها، لكنها كانت تتجاهله تمامًا. حتى أنه ذهب إلى رئيس التحرير وقدم شكوى ضده، لكن رئيس التحرير سخر منه وأمره أن يكتب عن كمال أيضًا أو سيطرده من العمل. رفض زين هذا الحديث، واعتبره فارغًا، فقرر أن يقدم استقالته. ذهب إلى شركة كمال، حيث أخبره بكل شيء وقال إنه ترك العمل وفشل في مهمته.
لم يكن أمام كمال سوى مراقبة نور، فقرر أن يثق في زين مرة أخرى، وطلب منه أن يوافيه بكل تفاصيل حياتها.
حان موعد عقد قران ملك في إحدى القاعات الفخمة بفندق كبير، كانت القاعة مفتوحة تحيط بها الحدائق والأشجار والورود، مما أضفى على المكان منظرًا رائعًا. في ذلك الوقت، علم زين بخطوبة ملك، فطلب منه كمال أن يذهب إلى الفندق فورًا ويحاول التقرب من نور، ويعترف لها بمشاعره. وبالفعل، حجز زين غرفة في الفندق.
في جناح ملك، كانت تتجهز بمساعدة نور وندى وبعض الأصدقاء المقربين. بينما رن هاتف نور، وكان عمر على الطرف الآخر، طلب منها أن تخرج من الغرفة لأنه يريد التحدث إليها. أخبرته بأنها ستخرج له، فكان في انتظارها في الحديقة المجاورة للقاعة. عندما اقتربت منه، نظر إليها بانبهار وقال: "أنتِ في غاية الجمال." ابتسمت نور ببراءة وشكرته. كان يرتدي بنطالًا أسود وسترة سوداء وقميصًا أبيض، وكان مظهره أنيقًا جدًا.
وأثناء حديثهما، خرج زين من الغرفة ورآهما معًا، ففوجئ لرؤيتهما معًا. كان في حيرة لأنه لم يكن يعلم بعد بخطبة نور. نظر إليهما للحظة ثم اقترب من نور وقال:
- ابقي فكريني أقولك حاجة بس لما اليوم يخلص..
ابتسمت ثم قالت بتلعثم:
- حاجة إيه؟
- لما اليوم يخلص.
- مش هقدر استنى.. قول دلوقتي.
- لا.. خليها مفاجأة.
- هحاول أستحمل لحد كتب الكتاب ما يخلص.
رنّ هاتف نور وكان المتصل مريم، فطلبت نور الإذن من عمر وابتعدت قليلًا لترد على المكالمة. أخبرتها مريم أنها تنتظرها في القاعة، ووصفت لها كيفية الدخول. بينما كانت نور تسير نحو القاعة، اصطدمت بشخص ما، فسقط هاتفها على الأرض. نظرت نور إلى الشخص الذي اصطدمت به، ثم قالت:
- أنت!
- نور! معقول؟! أنتِ بتعملي إيه هنا؟
- أنت اللي بتعمل إيه هنا!
- أنا نزيل هنا فِ الفندق، وأنتِ..
انحنت نور لالتقاط هاتفها من على الأرض، ثم نظرت إلى الشخص الذي اصطدمت به باشمئزاز. كادت أن تبتعد وتكمل طريقها، لكنّه أمسك بذراعها وأوقفها قائلاً:
- استني يا نور..
كان عمر يتحدث مع رامي عبر الهاتف، وعندما استدار، تفاجأ بما رآه. رأى زين وهو يمسك بذراع زوجته، فأنزل الهاتف ببطء من شدة صدمته، وبدأ يقترب منهما، وقد بدا عليه الغضب الشديد. أغمض زين عينيه ثم قال:
- نور أنا معجب بيكِ من أول يوم شوفتك فيه..
اتسعت عينيها من الصدمة.. ثم قالت:
- أنت بتقول إيه هو أنت متعرفش إني....
تفاجأت نور بعمر الذي سحب زين إليه بغضب، ثم وجه له لكمة قوية سقط على إثرها زين أرضًا. اقترب عمر منه وهو ملقى على الأرض، يتألم من شدة اللكمة، وكاد أن يخنقه وهو يقول:
- أنت بتحب مراتي أنا يا حيوان!
لكمه عمر مرة أخرى، وظلت نور تصرخ كي يتركه وشأنه، لكن عمر كان في قمة غضبه وكاد أن يقتله. تجمع الجميع حولهم، وحاول جمال التدخل بشجاعة، فأنقذ زين من بين يدي عمر. ثم قال زين، وهو يتنفس بصعوبة:
- أقسم بالله ما أعرف إنها متجوزة!
أمسك عمر بيد نور وسحبها بغضب إلى غرفته بالفندق، ثم أغلق الباب وراءه. نظرت إليه نور بتوتر وقالت:
- إيه اللي أنت عملته ده! أنت كنت هتقتله!!
- أنا فعلًا كنت هرتكب جناية لولا إن عمي حاشه من إيدي..
- وبعد ما ترتكب جناية وتروح فِ داهية هتبقى استفدت إيه!
فصاح عمر بصوتٍ جهوري:
- أنتِ تخرسي خالص، كمان ليكِ عين تتكلمي!
- وميبقاش ليا عين ليه! كنت عملت إيه عشان أبص فِ الأرض!
- ده نفس الشخص اللي شوفتك واقفة معاه فِ الشارع يا مدام..
- بس متقولش مدام!
تفاجأ عمر ثم قال:
- هو أنتِ بتتكلمي بجد ولا بتهزري! أنتِ عارفة الست المتجوزة اللي بيبقى ليها....
فوضعت يدها على فمه ثم قالت:
- اسكت.... متكملش.. أنت واعي للي كنت لسه هتقوله!
- أومال عايزة تبرريلي اللي حصل ده بـ إيه!
- أقسم بالله العظيم أنا معملتش أي حاجة.. البني آدم ده اتفاجئت بيه جيه عندنا الجريدة وبدأ شغل معانا ومن ساعتها وهو مش سايبني فِ حالي وأنا دايمًا بصده وزمان مريم وصلت حتى لما تنزل ابقى أسألها!
- إيه اللي جابه هنا! أنتِ اللي عزمتيه؟!
- لا طبعًا، إيه اللي أنت بتقوله ده!
ضرب عمر الباب بقبضته بعنف من شدة غضبه، ثم قال بنبرة مليئة بالاستياء:
- أومال إيه اللي جابه هنا! إيه اللي جابه هنا....! استحالة تكون صدفة واوعي تقنعيني إنها صدفة!
- اللي أنا متأكدة منه إنها مش صدفة، هو جاي هنا عن عمد وعارف كل حاجة بس أنا مش قادرة أفهم الشخص ده تبع مين ويطلع مين!
- من الآخر كده يا نور.. أنا مش هتنازل عن اللي حصل من شوية ده..
- يعني إيه!
- يعني قدامك لحد بالليل وتاخدي قرارك.. يا تختاريني، يا تختاري شغلك..
تفاجأت ثم ابتسمت بحزن، والدموع تتساقط من عينيها، قائلة:
- أنت مدرك أنت بتخيرني بين إيه!
- هو ده اللي عندي يا نور.. أنا اتحملت كتير وكنت فاكر إني بطريقتي هخليكِ تسيبي الشغل بس أنا جربت معاكي كل حاجة والظاهر كده إن مفيش فايدة..
فاقتربت إليه ثم توسلت قائلة:
- عمر أرجوك بلاش تخيرني بينك وبين مستقبلي!
- مستقبلك اللي كله اختلاط ده هيدمرك يا نور.. اللي أنتِ فيه ده مش اسمه مستقبل، اسمه عك.
- بس هو خلاص قدم استقالته ومشي من بدري.
- واحنا دلوقتي مش فِ الجريدة وجيه وراكِ لحد هنا.. لولا الشغل اللي أنتِ فيه مكنش حد اتعرضلك بالطريقة دي.
- طب ممكن تهدا دلوقتي عشان خاطري، ملك زمانها لوحدها وهي ملهاش أي ذنب ننكد عليها فِ يوم زي ده..
- أنا قولت اللي عندي يا نور.. قدامك تفكري لحد ما اليوم يخلص، ومستني قرارك.
فتح عمر الباب وخرج، متوجهًا إلى الأسفل حيث جلس بجوار عمه، غارقًا في غضب شديد. ربّت جمال على كتفه محاولًا تهدئته، فابتسم عمر رغمًا عنه. ثم جاءت العروس برفقة أختها وزوجة أخيها. كانت نور تراقب عمر بنظرات مليئة بالحيرة والألم. خلال عقد القران، كان عمر في عالم آخر، غارقًا في أفكار تتعلق بما ستفعله نور، وكان يخشى أن تختار مسيرتها المهنية وتتركه، لأنه أصبح لا يستطيع العيش بدونها.
خلال الاحتفال، كانت نور تجلس مع مريم، وأخبرتها بكل ما حدث. وعندما علمت مريم عن شرط عمر، نصحت نور قائلة:
- أنا لو مكانك هسيب الشغل..
- بعد كل ده يا مريم! أنتِ نسيتِ قضية كمال الجندي! هسيب الشغل ازاي بعد ما كنت قربت خلاص؟
- تهون أي حاجة يا نور.. ربنا موجود والبلد فيها قانون مسيره هيقع فِ يوم من الأيام..
- لا يا مريم.. أنتِ عارفاني استحالة أسيب حاجة فِ نصها ومكملهاش..
- يعني هتعملي إيه دلوقتي، الحفلة قربت تخلص هتقولي إيه لعمر!

أنت تقرأ
عَالَم آخَـر
Açãoلكل منّا عالمه الآخر، العالم الذي لا يعرفه أحدٌ سوى صاحبه فقط.. ماذا يفعل وما الذي يوجد بداخل عالمه هذا! حقًا لا نعلم وليس من شأننا معرفة ذلك، ولكن هل يمكن للشخص الغامض الذي يملك عالمه الآخر أو عالمه الثاني.. بأن يرتكب الجرائم من أجل استرداد حقوق ال...