10. ضَـحِـيَّـة.

697 48 2
                                    

رواية "عالم آخر".
الفصل العاشر:
"ضَـحِـيَّـة".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نفخ في الهواء ثم زفر قائلًا:
- بقولك إيه أنا مش فايق للهبل بتاعك ده..
كاد أن يتحرك ولكنها أمسكت بذراعه فوقف أمامها، ثم قالت وهي تحرّك سبابتها في الهواء:
- مش هسمحلك تهرب.. ومش هتتحرك لـ أي مكان قبل ما تجاوب على كل أسئلتي..
ضحك بصوتٍ عالٍ وقال بنبرة ساخرة:
- هتعملي إيه يعني؟
- هروح الكافيه وهقول لكل الموجودين على تصرفاتك، وهفضحك قدامهم يا مديرهم..
اختفت ابتسامته وقد بدا عليه التوتر، فقال بتلعثم:
- أنتِ عايزة إيه؟
حدّقت في عينيه وقالت:
- عايزة أعرف إيه معنى تصرفاتك دي، هل ده تمثيل ولا بجد؟ طب لو تمثيل أحب أقولك إن أدائك رائع وياريت توقّف لحد كده، ولو بجد فـَ ليه؟
- لا يا نور.. أنا مبمثلش.
- يعني أسلوبك معايا ده بجد.. طب ليه، إيه السبب؟
- من غير أسباب، ده طبعي ومش هيتغير عاجبك على كده عاجبك.. مش عاجبك....
قاطعته وقالت بخفوت:
- كل واحد يروح لحاله صح؟
- ده اللي عندي..
نزلت دموعها وقالت:
- طب ليه.. أنا عملتلك إيه عشان تعمل فيا كده.. أنا وافقت عليك بدون تفكير وكنت فرحانة فرحة مش طبيعية لحد ما اكتشفت إنها كانت لحظة عابرة، مكنتش متخيلة إني هعاني معاك بالشكل ده..
- عشان مغفلة..
نظرت إليه والدموع تنهمر من عينيها، فابتسمت بألم وقالت:
- أنا فعلًا مغفلة.. بس أنت برضو مجاوبتش على سؤالي.. احنا متجوزين بقالنا شهور وعايشين مع بعض زي الاخوات، طالما حياتنا هتبقى كده اتجوزتني ليه يا عمر؟
بقي عمر ينظر إلى نور، وتملّكته الحيرة حين رأى صدمتها الصامتة، وقد غابت عن عينيها الحياة للحظات. ظل منتظرًا، متسائلًا عمّا يدور في ذهنها، فيما كانت هي مستغرقة في صدمة الخبر الذي ألقاه عادل. لم تملك أيّ ردة فعل، فقط برزت علامات الذهول على وجهها، وعينيها التائهتين، وكأنها لم تستوعب ما سمعته للتو.
حاول عمر، وقد شعر بالقلق، أن يقترب منها ببطء، وسألها مرة أخرى بصوت منخفض، مشيرًا إلى الهاتف: "ما الأمر؟". لكن نور لم تستطع إخراج الكلمات، وكأن عقلها يرفض تصديق ما قيل لها، وكانت تائهة، تكاد لا تميز وجوده بقربها.
فجأةً، أفاقت من شرودها، ثم نظرت إلى عمر كأنها تبحث عن شيء ما في وجهه، شيءٌ قد يمنحها تفسيرًا لما يحدث.

***

وصف المحقق الجريمة قائلاً: "جريمة قتل وقعت بعمارة الصفا، في شقة رقم 10، ومالكها النقيب سليم نور الدين، الذي قُتل بسلاح أبيض لم يُحدد نوعه بعد. كما يظهر أن الشقة قد تعرضت للسرقة، مع وجود آثار لتحطم الأثاث وبعض الكؤوس." كان عادل في موقع الجريمة، يحاول جاهدًا التماسك وإخفاء حزنه العميق، مركزًا على واجبه. لم يكن في العمارة حارس، بل كان أحد الجيران هو من قدّم البلاغ بعد سماعه صرخات سليم، فسأله عادل:
- عايز أعرف إيه اللي حصل بالضبط؟
- والله يا فندم أنا مكنتش سامع أي صوت لحد ما سمعت صوت سيادة النقيب وهو بيصرخ وبيطلب النجدة، الباب كان مقفول حاولت أكسره لحد ما اتكسر فعلًا.. ساعتها دخلت لقيت البيت مقلوب وسيادة النقيب مرمي في الأرض سايح في دمه.
- أنت مشوفتش اللي دخل واللي خرج؟
- لا يا فندم للأسف.. حتى مسمعتش أي حاجة قبل اللي قولت لسيادتك عليه..
- العمارة هنا فيها كاميرات؟
- مع الأسف لا..
- على العموم دي مجرد إفادة مؤقتة، هنحتاجك في مركز الأمن ياريت متروحش أي حتة.
- متقلقش يا سعادة الباشا، أنا موجود لحد ما حق سيادة النقيب يجي وحسبي الله ونعم الوكيل في اللي عمل فيه كده..
تحرك ذاك الشخص واقترب حسن من عادل ليسأله:
- تفتكر ده له علاقة بالجريمتين اللي فاتوا؟
- مش عارف.. ونفترض إنه هو نفس القاتل، هيبقى نفس الوضع.
- الفترة الأخيرة مكنش في أي حد قريب من سليم؟
صمت عادل لبرهة، مستجمعًا أفكاره، وتذكر مرام، خطيبة سليم السابقة. أخبر حسن بذلك وطلب منه إبلاغ عائلتها فورًا لاستجوابهم والحصول على جميع المعلومات الممكنة عن مرام وعائلتها. بعد مرور يومين، صدر تقرير الطب الشرعي الذي أكد أن سليم قُتل بسكين وتلقى 27 طعنة، مع وجود خدوش على جسده تشير إلى محاولته الدفاع عن نفسه. طلب عادل عينة من الخدوش، وجمعت الجهات المختصة جميع البصمات من موقع الجريمة، وبدأت تعمل بجد للوصول إلى أي دليل.
في المستشفى، كانت عائلة سليم في حالة انهيار أمام المشرحة، يبكون فقدان ابنهم الوحيد الذي وعدهم بأنه سيأتي إليهم في الصباح. أما نور، فقد كانت في منزل والدها، تشعر بالحزن العميق تجاه فراق سليم، وتغمرها مشاعر الذنب لأنها شعرت أنها ظلمته عندما تركته دون أن تمنحه فرصة للدفاع عن نفسه. كان الندم يلاحقها، فيما كان جمال غارقًا في حزنه هو الآخر، يتساءل بحسرة عن سبب هذا المصير المأساوي لسليم، وعن هوية الجاني ودوافعه.
كانت نور تشعر أن جريمة سليم قد تكون مرتبطة بجرائم سابقة، وقررت البدء بتحقيق صحفي مع جيران العمارة. فجأة تذكرت مرام، فنهضت من مكانها شاردة:
- مرام.. مرام هي اللي ممكن يكون ليها يد في الموضوع..
تعجب والدها وقال:
- مين مرام دي يا بنتي؟
- مرام خطيبة سليم الأولى.. مش بعيد تكون هي اللي قتلته..
- هتقتله ازاي وهي كانت بتحبه ونفسها تتجوزه!
- مش عارفة.. بس قلبي بيقولي إنها ليها يد، أنا لازم أروح لعادل وأقوله..
- طب استني أنا هاجي معاكِ..
- يلا بينا..
وصلوا إلى مركز الأمن، وفي ذلك الوقت كان عادل في المشرحة يواسي عائلة سليم الذين كانوا في حالة يرثى لها. شعر عادل بثقل اللحظة، لكنه اقترب من والد سليم، وطلب منه التحدث قليلاً، معتذرًا بأن الوقت قد لا يكون مناسبًا، لكنه بحاجة لإفادته، فقد تساهم في كشف الجاني. وافق الأب بصعوبة وذهب مع عادل، وجلس بجواره، مستعدًا للإجابة عن أسئلته بقدر ما يسمح له حزنه
- مرام يا عم نور.. مرام خطيبة سليم الأولى..
عقد نور الدين حاجبيه وتذكرها، ثم قال:
- أيوة أيوة افتكرتها، مالها يابني؟
- مرام بنسبة كبيرة مشتبه فيها، حضرتك كنت عارف اللي حصل الفترة اللي فاتت أو سبب فسخ خطوبته بنور؟
تفاجأ نور الدين وقال:
- هو سليم فسخ خطوبته!
وضع عادل يديه على وجهه من فرط صدمته بأن عائلة سليم لا تعلم بشأن فسخ الخطبة، فقال:
- للأسف خطوبتهم اتفسخت من شهور، وحصلت مشاكل كتيرة جدًا وسببها خطيبته الأولى..
- ليه يابني، هو إيه اللي حصل؟
- مرام ظهرت في حياة سليم مرة تانية، وللأسف فضلت تلف وتدور حواليه لحد ما نور اكتشفت ده، صممت ساعتها إنه بيخونها وقررت إنها تفسخ الخطوبة..
- أنا مش قادر أصدق اللي أنت بتقوله، سليم طول عمره ملتزم وماشي جنب الحيط ويوم ما قرر ينفصل عن مرام انفصل عنها بالمعروف، وبعدين هو ازاي قدر يخبي علينا حاجة زي دي طول المدة اللي فاتت!
- يمكن مكنش حابب يزعلكم.. عمومًا احنا محتاجين تليفون مرام وعنوانها عشان تليفون سليم ملقناهوش في موقع الجريمة..
- أنا أعرف عنوانها، هكتبه لحضرتك.

عَالَم آخَـرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن