ليلى والذئب

21 4 0
                                    

..
أتى وكأنه روحاً لروحي
*************
..

صوت خطواته لم يكن الضجيج الوحيد الذي شق سكون المساحة أمام باب الشقة الرمادي؛ بل انضمت إليه أصوات أكياس الطعام وهي تحتك ببعضها في يده المثقلة. توقف للحظة، وضع الأكياس برفق على الأرض، ليتمكن من إدخال الرمز السري للشقة. وبعد أن فتح الباب، دخل بخطوات متأنية .

لكن تلك السعادة سرعان ما تبددت حينما التفت إلى الصالة التي كانت في حالة فوضى عارمة، كأن إعصارًا قد اجتاحها أو ثورًا غاضبًا اقتحم المكان دون هوادة. ومع ذلك، لم يتفاجأ أو يبدُ عليه الانزعاج، فقد كان يتوقع ذلك. أريسا، التي تركها هنا، كانت السبب المحتمل لهذا المشهد الفوضوي.

عيناه تجولت في المكان بحثًا عنها، حتى وجدها مستلقية على الأريكة بكل هدوء، ممسكة بجهاز التحكم عن بعد وهي تعبث بالقنوات التلفزيونية بكسل. ورغم ملاحظتها لوجوده، كان ما أثار انتباهها حقًا هو أكياس الطعام، خاصة تلك التي تحوي أجنحة الدجاج المقلية التي تعرف جيدًا أنها مفضلة لديها.

"حسنًا، قل ما لديك"

قالت ببطء وهي تسند نفسها لتجلس بشكل أكثر استقامة. كانت تعلم تمامًا أن هذه الأكياس تحتوي على شيء جلبه خصيصًا لها؛ أجنحة الدجاج الحارة التي تعشقها. لكنها أيضًا تعرف أنه لن يقدمها لها بلا مقابل.
ابتسم ببرود، ورفع الأكياس ليضعها أمامها على الطاولة، ثم نظر إليها وقال بهدوء:
"لنعقد صفقة".

عينيه تجولتا مجددًا في المكان، يتفحصان كل زاوية من الشقة التي غادرها صباحًا مرتبة وجميلة، ولكنه يشعر الآن وكأن شيئًا ما تغير إلى الأبد، وكأن السلام الذي كان هنا قد تلاشى.

لمعت عيناها وهي تحدق بالفوضى الصغيرة التي أحدثتها،  لكنها لم تكن سوى انعكاس صغير للفوضى الأكبر التي خلّفها بداخلها منذ الصباح. تلك الفوضى التي لم تتوقف عن النمو، تتشابك مع أفكارها ومخاوفها. نظرت إلى الأكياس وكأنها تزن كل كلمة في ذهنها، ثم سحبتها نحوها ببطء، وقالت بنبرة ساخرة مشوبة بالتحدي:

"لن أمشي إلى الموت بقدمي."

على الجانب الآخر، رفع حاجبيه بابتسامة تهكمية، يراقب حركاتها بعناية قبل أن يرد بهدوء بارد:
"لن تمشي، لأنني هنا لحملك إليه. هل ستأتي معي إذن؟"

كانت نبرته هادئة، لكنها لم تخف النوايا التي كانت تتسلل بين كلماته .
هي زفرت بضجر، عينيها تلمعان بالعناد:
"إذا كنت تسألني، فجوابي لا."

وقف هناك بلا حراك، يتأمل ملامحها المشدودة قبل أن يتنفس بعمق، وكأنه يزن كلماته بعناية أكبر. ثم قال بنبرة حاول أن تبدو لطيفة:

"هيا، ستكون آخر مرة أطلب منك شيئًا لا تريدينه."

لكنها لم تترك له مجالًا لإقناعها بسهولة. نظرت إليه من زاوية عينها، وهي تعلم أنه لا يتراجع بسهولة. وبنفس السخرية التي لم تغادر صوتها، قالت:

زهرة بثلاثة بتلاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن