عبورٌ عابر

101 2 0
                                    

عش الأمس في ذكرياتك ..

واليوم بجوارحك ..

والغد عبر خيالك ..

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

طريق إسفلتي طويل تشبعت شقوقه بمياه الأمطار المنهمرة في ليلة باردة طُمس نور قمرها بكتلة كثيفة من الغيوم السوداء. زاد من ظلمة الطريق وو حشته أشجار متراصة طويلة تمتدة على جانبيه لكن ذلك لم يمنع الشرطي الواقف على أحد جوانبه من تشغيل صفارة الإنذار وتعقب سيارة سوداء ذات نوافذ معتمة ومنزوعة اللوحات التعريفية عبرت بجانبه بسرعة خاطفة. بعد مطاردة قصيرة هدأت السيارة من سرعتها وتوقفت على يسار الطريق وهذا بحد ذاته مخالفة مرورية تستوجب العقاب مما أثار أستغراب الشرطي الذي ترجل من سيارته مشعلاً كشافاً صغيراً ثبته على كتفه مخرجاً سلاحه متأهباً لأي مفاجأة من سائقها الذي بدا له غير متزن وقد يكون مجرماً هارباً أو مخموراً أو معتلًّا نفسياً.

وقف الشرطي بجانب باب السائق و بسبب النوافذ السوداء لم يتمكن من رؤية قائد المركبة أو أي تفاصيل داخلها مما اضطره للطرق برأس مسدسه زجاجة النافذة و هو يقول بنبرة صارمة :
(( أنزل النافذة لو سمحت ! )) لم يتلقَّ إجابة أو استجابة من السائق عدا إطفائه لمحرك السيارة
ومصابيحها مما زاد عتمة المكان حولهم و لم يتبقَّ أي مصدر للضوء سوى مصابيح الدورية المشعلة
بالخلف. استاء الشرطي من تلك الفعلة مما دافعه لتكرار ندائه مجدداً بصرامة أقوى و هو شاهرٌ سلاحة :

(( أنزل النافذة ! ))

بعد مضى ما يقارب نصف الدقيقة من الترقب تحت المطر المنهمر دون أي استجابة من السائق فقد الشرطي صبره و صرخ مهدداً وآمراً السائق بالترجل من السيارة على الفور.

صوت طنين نزول جزء من النافذة خلال استمرار انهمار المطر بقوة ..

توتر الشرطي وصل إلى قمته وقتها لأن و جوده في تلك المنطقة النائية على الطريق السريع لم يكن مصادفة فقد توالت على مر الأشهر السابقة عدة بلاغات عن اختفاء أناس في المنطقة نفسها ناهيك عن عدد من السيارات التي و جدوها خاوية
و أصحابها مفقودون دون دليل لمكان اختفائهم مما دفع مركز شرطة المدينة لتعيين دورية لتراقب ذلك الجزء من الخط السريع بشكل دوري علهم يجدون دليلاً على حوادث الاختفاء ليقينهم بأن الفاعل يتردد هناك من وقت لآخر بحثاً عن الضحايا.

(( ترجل من السيارة بأيدٍ مرفوعة !! )) ..

قالها الشرطي المرتبك و مسدسه موجه على الفتحه الضيقة في نافذة الباب ..

لم تصدر أي ردة فعل من السائق المتواري في ظلمة السيارة بالرغم من توجيه الشرطي ضوء الكشاف على النافذة بشكل مباشر فقرر أخيرًا مد يده
و محاولة فتح الباب بنفسه و عندما أمساك المقبض و أبعد درفته لأقصاها تفاجأ بأن مقعد السائق فارغ فأمسك مسدسه بكلتا يديه بسرعة و توتر و هو يجول بنظره على المقاعد الأمامية بحيرة شديدة.

دخل الشرطي في صراع نفسي بين خيار استكشاف المقاعد الخلفية بنفسه وو حده أو العودة لسيارته
و طلب الدعم من دورية أخرى و المخاطرة بهروب من قد يكون المجرم الذي يبحثون عنه خاصة و أنه لم يتمكن من معرفة سوى لون السيارة و نوعها فقط بسبب غياب اللوحات التعريفية.

اتخذ الشرطي قراره في نهاية الأمر بأن يقوم بتفتيش السيارة بالكامل بنفسه وأخبره حدسه بأن السائق قد تسلل واختبأ في المقعد الخلفي ليباغته لذا و قبل أن يتقدم أكثر قام بفتح الأبواب الأربعة بالكامل و كانت الصدمة أنه لم يجد أحداً بداخلها لكن رائحة عفنة تسربت للخارج وأزكمت أنفه مما زاد من توتره ورهبته.

مد الشرطي يده بعدما دخل من المقعد الخلفي
و فتح صندوق السيارة فقفز غطاؤها و نقاط المطر الثقلية ترطم على سطحه بقوة ثم ترجل منها و سار نحو الصندوق شبه المفتوح بخطواتٍ حذرة و فتحه ببطء لتصدمه رائحة أقوى وأشد حدة كاشفة عن كيس بلاستيكي أبيض بأطراف حمراء.

كان من الواضح أن ما رآه الشرطي أمامه جريمة مكتملة الأركان و أنه غالباً قد أوقع بالمجرم قبل هروبه بفعلته الجديدة فجرى مسرعاً وركب سيارته
ورفع جهاز النداء و قبل أن يقوم بالتبليغ شعر بمجموعة من الرؤوس الحادة تغرس في رقبته من الخلف و تخترقها ليفور دمه على الزجاج الأمامي
و تهتز سيارته بالكامل لعدة ثوانٍ قبل أن تتوقف
و يتوقف معها هطول المطر.
____________________________

جحيم العابرينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن