١٧. هروب

6 3 0
                                    


بعد تلك المحادثة، بدأت روزالين تتصرف بشكل مختلف تمامًا. أصبحت وجودها بينهم مجرد حضور صامت، لا تقدم أي كلمات تشجيع، ولا تتفاعل معهم كما كانت تفعل من قبل. كانت تساعدهم في التجهيز للهروب، لكن حديثها معهم بات محدودًا وباردًا، وكأنها لم تعد جزءًا من عائلتهم المؤقتة، وإنما غريبة تشاركهم فقط في الطريق.

بعد تلك الليلة المتوترة بين ألكسندر وروزالين، عاد كل منهما إلى صمته، وكأن شرخًا غير مرئي قد بدأ يتسع بينهما. ومع ذلك، لم يكن لديهم رفاهية الاستسلام لتلك العواطف المعقدة. فقد كانت مسألة البقاء والهروب هي الأولوية، ووجبت عليهم أن يتركوا خلافاتهم جانبًا.

في صباح اليوم التالي، دعا فيكتور أفراد الأسرة للاجتماع في غرفة المعيشة الصغيرة بالمزرعة، حيث بدأت تفاصيل خطتهم للهروب تأخذ شكلها النهائي. جلس الجميع بصمت وترقب، بينما أخرج فيكتور خريطة متهالكة لفرنسا، ورسم بيده خطوطًا تقطع البلاد حتى الحدود الشمالية.

"الطريق ليس سهلًا، والأوضاع على الحدود تزداد خطورة يومًا بعد يوم. لكننا سنبدأ بالانتقال تدريجيًا نحو الشمال." قال فيكتور بصوت خفيض ولكنه مليء بالعزم. أشار إلى عدة نقاط على الخريطة، وأضاف، "سنستخدم الطرق الريفية، ونتجنب أي بلدات كبيرة قدر الإمكان، حتى نصل إلى ممر سري يتصل بالحدود مع بلجيكا."

نظر الجميع إلى الخريطة بانتباه، حتى روزالين التي كانت تجلس بعيدًا عنهم، تحدق في الخريطة بعينين مشدودتين، دون أن تبوح بشيء. كانت مساعدة فيكتور وخبرته تجعله القائد الطبيعي للمجموعة، رغم أن الأوضاع كانت تزيده شيبًا وتعبًا.

خلال الأيام التالية، أدخلوا تعديلات طفيفة على الخطة لتجنب مناطق الشكوك والمراقبة، بعد أن علموا أن الثوار قد شددوا الخناق على الطرق المؤدية إلى الحدود. كان عليهم أن يحسبوا كل خطوة بحذر شديد، وأن يجدوا مخابئ آمنة ليتوقفوا عندها أثناء الرحلة. أضافوا أيضًا بعض المحطات السرية حيث يمكنهم الحصول على مؤن إضافية دون لفت الأنظار.

فيكتور أعدّ لهم وثائق مزورة بمساعدة بعض معارفه، معتمدة على هويات مموهة كعائلة تجارية صغيرة تبحث عن ملاذ آمن، بينما كانت حقيبة ألكسندر تحمل المستندات التي ستمكنهم من عبور الحدود بمجرد وصولهم إلى الأراضي البلجيكية.

رغم تواجد روزالين وسط المجموعة ومشاركتها في التحضيرات، ظلّ موقفها باردًا وعزلها غير مفهوم. كانت حاضرة جسديًا، تساعد في تجهيز الحقائب، ترتب الملابس، وتشارك ببعض الاقتراحات اللوجستية، لكنّها كانت كأنها شخصٌ آخر، خاليًا من روحها المعتادة، كأنها كانت تؤدي دورها دون أن تكون حقًا جزءًا من العائلة.

حاول ألكسندر خلال تلك الأيام أن يتجاوز تلك المسافة العاطفية التي أوجدتها بينهما، لكنه شعر بالاختناق من ردودها الجافة أو الصامتة. أصبح الأمر أكثر وضوحًا أن قلبها كان مغلقًا، أو ربما مكسورًا.

فوضى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن