غرناطة، 1491م
كانت الشمس قد بدأت تغرب خلف جبال البشرات، تُرسل آخر خيوطها الذهبية عبر السماء، لترتسم على جدران قصر الحمراء، ذلك الصرح الذي شهد لقرون أضواء الحضارة الإسلامية في الأندلس. لكن في هذا المساء، كان الجو مختلفًا. الرياح كانت تحمل معها رائحة التوتر، وتاريخ طويل من المجد الذي بدأ يذبل.
ياسمين، ابنة أحد كبار المستشارين في البلاط الملكي، وقفت على شرفة منزلها المطلة على المدينة، قلبها مليء بالحيرة. كانت تراقب الناس في الشوارع، الذين بدت وجوههم قلقة ومتعبة. بعد سنوات من الحروب والصراعات، كان الجميع يعلم أن النهاية اقتربت. جنود قشتالة يزدادون قربًا يومًا بعد يوم، والمدينة تكتظ بالجيوش والتجار والمقاتلين الذين يسعون للهروب أو البقاء.
وفي هذه اللحظات العصيبة، استدعاها والدها، الشيخ عبد الله، إلى مكتبه الخاص. كان عابس الوجه، مشبكًا يديه على الطاولة الخشبية القديمة. لم يكن كعادته، هادئًا ومستمعًا. بل كان عينيه تلمعان بالكثير من القلق، وكأن هناك شيئًا ما قد تغير إلى الأبد.
"أين كنتِ، يا ياسمين؟" سألها بصوت منخفض، لكنها شعرت بثقل السؤال.
"كنتُ في الحديقة، أراقب المدينة... إنها تبدو غريبة هذه الأيام." أجابت بصوت هادئ، رغم أنها كانت تخفي الكثير من الأسئلة التي تدور في ذهنها.
أشار والدها إلى خريطة قديمة كانت ملقاة على الطاولة. "هذه الخريطة قد تكون آخر أمل لنا في إنقاذ غرناطة."
"خريطة؟" قالت ياسمين، مندهشة، بينما اقتربت لتفحصها."لا وقت للكلمات الآن. هناك شيء ما في هذه الخريطة يمكن أن يغير مجرى التاريخ. ولكننا لسنا وحدنا في البحث عنها. أعداؤنا يعرفون عنها الآن."
في تلك اللحظة، دخل شخص غريب إلى الغرفة، شاب في مقتبل العمر، يُدعى مالك. كانت عينيه تتنقلان بين ياسمين ووالدها، كأنه كان ينتظر إشارة لبدء حديثه. لكن ياسمين لم تكن متأكدة من أمره. هو ليس أحد رجال القصر المعروفين، وكان يبدو أكثر شبهاً بجاسوس من الخدم الذين يعملون في القصر.
"مالك... هل يمكننا الوثوق بك؟" سألته ياسمين بصوت منخفض، لكن عينيها لم تتركاه. كان يراقبها بتوجس، وفجأة، شعر قلبها بشيء غريب.
قال مالك بنبرة ثابتة: "أنتِ لستِ الوحيدة التي تبحث عن هذه الخريطة. لكنني هنا لأساعدك."
ولكن هل كان حقًا هناك لمساعدتها؟ أم أنه كان جزءًا من الخطر الذي كان يحيط بها؟
منذ تلك اللحظة، بدأت الأيام تتسارع بسرعة، وكانت كل لحظة تمر تجلب معها شكوكًا جديدة.
ما الذي كان يخفيه مالك؟ وكيف سيؤثر هذا السر على مصير المدينة؟ كان السؤال يلاحق ياسمين مثل ظلٍ لا يُرى، ولكنه كان حاضرًا في كل زاوية.
لكن في اليوم التالي، وصل خبرٌ جديد:
"الجيش القشتالي على بعد يومين من المدينة."كانت تلك اللحظة هي اللحظة التي لم يعد فيها مجال للهرب. إما أن تكون ياسمين جزءًا من قصة الأندلس التي تكتب نهايتها، أو أن تجد طريقة للبقاء على قيد الحياة، ومعها سرٌّ قد يغير تاريخ المنطقة إلى الأبد.
والآن، بقيت فقط خطوة واحدة: أن تُكمل البحث، أو أن تُسلم للخوف الذي يرافقها.
ماذا ستفعل ياسمين؟
إلى الفصل التالي...
---
أنت تقرأ
ظل الاندلس
Short Storyفي عام 1491م، قبل عام من سقوط غرناطة، تجد ياسمين، الفتاة النبيلة من عائلة مرموقة في غرناطة، نفسها في قلب المؤامرات السياسية والخيانات المشتعلة داخل المدينة. عثر والدها على خريطة سرية تقود إلى كنز يحتوي على أسرار علمية وفنية قد تغير مصير الأندلس. ولك...