تسللت أشعة الشمس عبر النوافذ الصغيرة، ليغمر الضوء الغرفة المتواضعة في قصر الحمراء. ياسمين، التي كانت تقف أمام الخريطة القديمة، لم تدرِ كم من الوقت مضى منذ أن دخلت تلك الغرفة. كان ذهنها مشتتًا بين ما اكتشفته وما كان في انتظارها. المخطوطات، الجدار المخفي، والخريطة، كلها كانت تقودها نحو مكان مجهول، لكن شيئًا في قلبها كان يخبرها أنها على وشك اكتشاف سر قد يغير تاريخ غرناطة إلى الأبد.
بعد لحظات من التفكير العميق، قررت أن تتابع ما بدأته. لم يكن هناك عودة بعد الآن. كان كل شيء قد أصبح متشابكًا معًا: الماضي والحاضر، الحقيقة والأسرار، كل شيء كان في مكانه الصحيح. كان عليها أن تتبع الخريطة إلى حيث تقود، مهما كانت العواقب.
خرجت من الغرفة الصغيرة وبدأت تسير في الممرات المظلمة. كانت خطواتها تتردد في المكان، وكأنها تشعر بوجود شيء يراقبها. لكنها تابعت السير، دون أن تدع الخوف يعيقها. كانت قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، وما كان على المحك الآن ليس فقط فهم التاريخ، بل أيضًا تحديد مصير المدينة التي احتضنت الكثير من الأسرار.
مرت لحظات طويلة حتى وصلت إلى الساحة الداخلية للقصر. كانت هناك مجموعة من الزوار يتجولون في المكان، ولكنها لم تكترث لهم. كانت عيونها تبحث عن شيء ما، عن مدخل خفي، عن شيء لا يمكن للآخرين رؤيته. وبينما كانت تتأمل المكان، اكتشفت شيئًا غريبًا: تمثال قديم كان يقع في الزاوية المظلمة من الساحة، تمثال يبدو وكأنه كان قد مر عليه الزمن. لكن ما لفت انتباهها حقًا هو أن هذا التمثال كان يحتوي على علامة مشابهة لتلك التي كانت موجودة في المخطوطات.
اقتربت ياسمين منه بحذر. كان التمثال يمثل فارسًا مقنعًا، يحمل سيفًا في يده اليمنى. ولكن في يده اليسرى، كانت هناك كرة صغيرة، كانت تحتوي على نقوش غير واضحة. سعت ياسمين لمسح الغبار عنها، وعندما فعلت ذلك، اكتشفت أن الكرة كانت تحتوي على رموز غريبة. كانت هذه الرموز مشابهة تمامًا لتلك التي كانت قد رآتها في الخريطة.
وضعّت ياسمين يدها على الكرة، وعندما فعلت ذلك، حدث شيء غير متوقع. تحرك التمثال بشكل خفيف، وكأنها كانت قد فتحت بابًا مغلقًا منذ قرون. وفي تلك اللحظة، شعر قلبها ينبض بشدة. كان هذا هو المفتاح، المفتاح الذي يفتح الباب إلى السر الذي طالما سعت لاكتشافه.
عندما تحرك التمثال، تكشفت أمامها صورة لممر مظلم آخر، كان يمتد عميقًا تحت الأرض. كان هذا الممر هو نفسه الذي كانت الخريطة تشير إليه. التفتت ياسمين مرة أخرى إلى التمثال، الذي عاد إلى وضعه السابق بعد أن تم تحريكه. كان الممر مفتوحًا الآن، وعينها مليئة بالعزم.
انحدرت خطواتها إلى الأسفل، وكلما كانت تقترب من أعماق القصر، كلما شعرت بشيء غريب يحدث حولها. كان الممر ضيقًا ومظلمًا، ولكن ضوء القمر الذي كان يتسلل من شقوق الجدران كان يضيء الطريق أمامها. وبينما كانت تمشي ببطء، كانت تسمع همسات قديمة، همسات كانت وكأنها تتحدث إلى روحها، تحثها على الاستمرار.
لم تكن ياسمين تعرف ما الذي ستجده في نهاية هذا الممر. كان كل شيء غامضًا، وكلما اقتربت من النهاية، ازدادت الأسئلة. ماذا كان يخفي هذا المكان؟ هل كانت المخطوطات مجرد بداية للرحلة، أم أن هناك المزيد من الأسرار التي كانت تنتظر أن تكشف؟ كانت تعلم أن الإجابة قد تكون على بعد خطوات قليلة، وأنه لم يكن هناك وقت للانتظار.
توقف قلبها عندما وصلت إلى نهاية الممر. كانت هناك غرفة مظلمة أمامها، لكن في وسطها كان هناك ضوء غريب، ضوء يبدو وكأنه ينبعث من قلب الأرض نفسها. تقدمت نحو الضوء، وعينيها تلمعان بالأمل والتحدي، وكأنها كانت على وشك اكتشاف أعظم سر في تاريخ غرناطة. وعندما دخلت الغرفة، شعرت بشيء لا يُوصف. كان هناك شيء غير مرئي في الهواء، شيء كأن الزمن نفسه قد توقف.
وسط الغرفة كان هناك صندوق قديم، مغطى بالتراب والرماد. اقتربت ياسمين منه بحذر، وكأنها كانت تفتح بابًا لزمن آخر. بحركة رقيقة، رفعت الغطاء، وما إن فعلت حتى بدأ الصندوق ينبعث منه ضوء ساطع.
وجدت ياسمين نفسها أمام ما لم تكن تتوقعه أبدًا: سجل قديم يحتوي على أسرار لم تكن لتصدقها. كانت تلك الأسرار تتعلق بأحداث غامضة حدثت في عهد آخر حكام الأندلس، الذين حاولوا إخفاء حقيقة وجودهم وتاريخهم الحقيقي. كانت هذه الحقيقة تتعلق بأشياء أعمق من مجرد حروب ومعارك، بل كانت تتعلق بمخططات قد تغير مجرى التاريخ بأسره.
أخذت ياسمين نفسًا عميقًا، وبدأت تقرأ السطور الأولى من السجل. وابتسمت. فقد أدركت أخيرًا أن الرحلة التي بدأتها لم تكن مجرد بحث عن تاريخ قديم، بل كانت بحثًا عن نفسها وعن دورها في كشف هذه الأسرار للعالم.
أنت تقرأ
ظل الاندلس
Short Storyفي عام 1491م، قبل عام من سقوط غرناطة، تجد ياسمين، الفتاة النبيلة من عائلة مرموقة في غرناطة، نفسها في قلب المؤامرات السياسية والخيانات المشتعلة داخل المدينة. عثر والدها على خريطة سرية تقود إلى كنز يحتوي على أسرار علمية وفنية قد تغير مصير الأندلس. ولك...