كانت الشمس قد غابت وراء الأفق عندما بدأ الحشد في التحرك. كل خطوة كانت تحمل معنى، وكل نفس كان يمر بسرعة وكأن الزمن قد تحول إلى عدّاد رقمي. كانت ياسمين تقود المجموعة، ورغم الثقل الذي شعرت به في قلبها، إلا أنها كانت تشعر أيضًا بشيء من الطمأنينة. لم يكن الطريق إلى الجبال سهلاً، لكن كانت هناك حاجة ملحة للمضي قدما.
بينما كانوا يسيرون، كانت ياسمين تستعرض في ذهنها كل خطوة قد اجتازوها من قبل، وكل حرف قرأته في تلك الكتب القديمة التي كانت قد اكتشفتها في السجل المهدم. كانت بعض الفصول التي قرأتها تتحدث عن هذا الجبل، عن العوائق التي قد يواجهونها، وعن العواقب التي يمكن أن تكون غير متوقعة. لكن كلما زادت الصعاب، كانت عزيمتها تتقوى أكثر، وكأن هذه المهمة كانت قد وضعت على عاتقها وحدها.
في تلك اللحظات، كان الظلام قد بدأ يغلف الطريق، وكان الجو باردًا رغم حرارة اليوم، وكأن هذه الأرض كانت تحمل شيئًا أكثر من مجرد الظروف الطبيعية. كانت الرياح تعصف بالأشجار التي كانت على جانبي الطريق، وتكاد تهمس في آذانهم بأسرار قديمة. كان كل شيء هادئًا، على الرغم من أن هناك شعورًا غريبًا كان يسيطر على الجميع. كل خطوة كان يأخذها الحشد كانت تبتعد بهم عن واقعهم، وتقرّبهم أكثر إلى شيء مجهول، شيء غامض كانت تراه ياسمين في رؤاها أحيانًا.
وصلوا إلى أسفل الجبل في ساعات متأخرة من الليل، وكان الظلام قد سيطر تمامًا على الأجواء. كانت هناك خيام قد تم نصبها في الموقع، حيث قرروا أن يبيتوها في انتظار الفجر. كانت الغابة المحيطة بهم عميقة، ولم تكن هناك أي أصوات سوى تلك التي تصدر عن الرياح التي كانت تتلاعب بأشجارها. كانت ياسمين تجلس بعيدة عن الجميع، مستلقية على أرضٍ صخرية، تتأمل السماء المظلمة، وتفكر في ما ينتظرهم. هل كانوا على صواب؟ هل كانت هي المسؤولة عن مصير هذا المكان؟ كانت تساؤلات لا تنتهي، لكنها كانت تدرك أنها كانت تخوض معركة أكبر من أي وقت مضى.
وفي وسط هذا السكون، كان صوت خافت يخرج من داخل الخيمة المجاورة. اقتربت ياسمين في هدوء، وعندما دخلت، اكتشفت أن أحد رجال الحاشية كان يجهز خريطة قديمة، مغطاة بالغبار، كان يبدو عليها آثار الزمن، لكن تفاصيلها كانت لا تزال واضحة. وضع الرجل الخريطة على الطاولة أمامها، وأشار إلى نقطة معينة في أعلى الجبل.
"هذه هي النقطة الأخيرة في رحلتنا. إذا وصلنا إلى هناك، سنجد ما نبحث عنه، ولكن هذا ليس كل شيء. هناك اختبار يجب أن نمر به." قال الرجل بصوت خافت.
نظرت ياسمين إلى الخريطة بعناية. كانت هناك خطوط تشير إلى مسار معقد، وكأنها كانت تُرشدهم إلى مكان لا يمكن الوصول إليه بسهولة. لكن ذلك لم يكن ما أثار انتباهها. كان هناك رمز صغير قرب النقطة الأخيرة، لم تستطع تحديده في البداية. كان يشبه حجرًا قديمًا، وحول هذا الرمز كان هناك دائرة تمثل فخًا، أو ربما لغزًا.
"ما الذي تعنيه هذه العلامة؟" سألت ياسمين، وهي تركز نظرها على الرمز.
أجاب الرجل بصوت هادئ، وكان يبدو أنه يعرف أكثر مما يظهره: "هذا الرمز يشير إلى مكان مختبئ فيه سر عميق. لا أحد يعرف إذا ما كان هناك طريق آمن للوصول إليه. هذا قد يكون الفخ الذي يواجهنا."
بينما كان يشرح، كانت ياسمين تفكر في الكلمات التي قالها. كانت تعلم أن هذا السر كان موجودًا منذ زمن بعيد، وكان محاطًا بالغموض. لكن السؤال الذي بقي في ذهنها كان: هل كانوا على استعداد لاكتشاف هذا السر، مهما كانت التضحيات؟ كان هناك شعور قوي بأنها قد وصلت إلى نقطة اللاعودة.
بعد فترة من التفكير، قررت ياسمين أنها لن تسمح لهذا السر أن يظل محاصرًا في الماضي. كان عليهم أن يواجهوا المجهول، وأن يكتشفوا الحقيقة مهما كانت العواقب. كانت تعلم أن ما ينتظرهم لن يكون سهلاً، ولكنها كانت على يقين أن هذا هو الطريق الوحيد لإعادة بناء غرناطة، ولإعادة بناء نفسها أيضًا.
"إذا كان هذا هو الطريق، فسنمضي قدمًا. يجب أن نكتشف هذا السر، ولن نتراجع الآن." قالت ياسمين بثقة، وعيناها تلمعان بعزم.
بدأ الجميع بالاستعداد للمرحلة التالية من الرحلة. كانت ساعات الليل تمضي، والمجموعة كلها كانت تتأهب لملاقاة قدرها. كانوا يعرفون أن ما ينتظرهم في الجبال قد يغير كل شيء.
أنت تقرأ
ظل الاندلس
Contoفي عام 1491م، قبل عام من سقوط غرناطة، تجد ياسمين، الفتاة النبيلة من عائلة مرموقة في غرناطة، نفسها في قلب المؤامرات السياسية والخيانات المشتعلة داخل المدينة. عثر والدها على خريطة سرية تقود إلى كنز يحتوي على أسرار علمية وفنية قد تغير مصير الأندلس. ولك...