الفصل الثاني: الظل الذي لا يكشف

0 0 0
                                    

في صباح اليوم التالي، استفاقت ياسمين على أصوات المدينة التي كانت تشهد حركة غير اعتيادية. كان هناك هدوء مريب، وكأن المدينة بأكملها كانت تترقب مصيرها المجهول. الشمس كانت قد بدأت تُلقي بأشعتها الدافئة على جدران قصر الحمراء، لكن في قلب ياسمين، كانت الظلال تسود أكثر من أي وقت مضى.

توجهت إلى القصر، حيث كان والدها ينتظرها في مكتبه، كما كان دائمًا، محاطًا بكتب قديمة وأوراق مترامية. كان يبدو مشغولًا بقراءة أحد المخطوطات القديمة التي كان يمتلكها. نظر إليها نظرته المعتادة، ثم أشار لها بالجلوس.

"ياسمين، يجب أن تعلمي أن هذه الخريطة التي بين يديك ليست مجرد خريطة عادية. إنها مفتاح لشيء أكبر مما تتصورين." قالها بصوت عميق، كان يعكس حدة التوتر الذي كان يشعر به.

"ماذا تعني؟" سألته ياسمين، وهي تحاول أن تفهم مغزى كلامه.

"إنها تحتوي على طريق يؤدي إلى أماكن مخفية في الأندلس، حيث توجد ثروات ونصوص قديمة قد تغيّر مجرى التاريخ. لكن هناك من يسعى خلف هذه الخريطة، وإذا وقعوا عليها، قد تكون هذه النهاية." كانت عينا والدها تشعان بالقلق، وهو يعيد النظر في الخريطة بين يديه.

دخل مالك فجأة إلى الغرفة، دون أن يُعلن عن وصوله، وعينيه تتنقل بين ياسمين ووالدها، وهو يحمل شيئًا في يده. كانت تبدو عليه الجدية الشديدة، وربما كانت تلك أول مرة تراه ياسمين على هذا النحو، كما لو أنه كان يخفى شيئًا.

"أين هو الجزء الآخر؟" سألته ياسمين بصوت حاد، بينما كانت تنظر إلى يديه، محاولًة استيعاب ما كان يحمله.

"كل شيء في وقته. عليكِ أن تكوني مستعدة." أجاب مالك، في حين كان يتوجه إلى النافذة ليشاهد المدينة التي كانت تزداد فيها علامات القلق.

أدركت ياسمين أنها لا يمكن أن تظل في مكانها في هذه اللحظة. كان عليها أن تتبع الخريطة، وتكتشف المزيد من أسرار الماضي. كان كل شيء متعلقًا بغرناطة، وقد بدأت تفهم أنها لن تتمكن من البقاء في الظل بعد الآن.

"أين أبدأ؟" سألته ياسمين.

"ابدئي من مسجد الجامع الكبير في غرناطة. هناك ستجدين أول خيط في هذه القصة." قال والدها، وهو يشيح بيده في اتجاه بعيد كما لو كان يشير إلى مكان ما.

"ولكن، احذري." أضاف والدها بصوت هادئ، "المدينة مليئة بالخيانة، ولن يكون الطريق سهلاً."

توجهت ياسمين إلى الجامع الكبير في غرناطة، وهي تعي تمامًا حجم المخاطر التي قد تواجهها. كان المسجد، ذلك المعلم العظيم في قلب المدينة، مليئًا بتاريخ طويل من الازدهار والتقلبات. كان مكانًا يُشعِر بالروحانية، ولكنه الآن، في ظل ما كانت تمر به غرناطة، أصبح مكانًا يعج بالهمسات، بالنظرات الحذرة، وكأن كل زاوية تخفي شيئًا.

كان الجو في المدينة ثقيلًا، مليئًا بالغموض. كلما تقدمت ياسمين في الأزقة الضيقة، كانت تشعر بأن هناك شيئًا يراقبها. الناس الذين كانت تصادفهم في طريقها، كانوا يلوحون لها بنظرات لا يمكن تفسيرها، وكأنهم كانوا يعلمون أنها كانت جزءًا من لعبة أكبر مما تتخيل.

عندما وصلت إلى المسجد، كان المكان هادئًا بشكل غير طبيعي، وكأن الجميع اختفى فجأة. وقفت أمام المدخل الكبير، حيث كانت الأبواب تتنفس الصمت، وكأنها تخفي سرًا قديمًا. في الزاوية البعيدة من المسجد، كانت هناك بوابة صغيرة مخفية بشكل جيد. تحركت نحوها، وقلبها ينبض بشدة.

ولكن بينما كانت تقترب من البوابة، شعرت بشيء غريب. كانت هناك أصوات قادمة من الداخل، همسات غير واضحة. كان هناك شيء ما في هذا المكان كان يُثير القلق. لكن ياسمين تمتمت في نفسها: "لا وقت للتراجع. يجب أن أكتشف الحقيقة."

ظل الاندلسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن