الفصل العاشر: "اللقاء الأخير"

0 0 0
                                    

كانت ياسمين واقفة أمام البوابة القديمة التي فُتحت أمامها، وكأنها تدعوها للدخول. في داخلها، كان هناك شعور غير مريح يتسرب إلى قلبها. لم يكن هذا مجرد اكتشاف تاريخي، بل كان دخولًا إلى أعماق أسرار كانت مُخبأة منذ قرون. كان قلبها ينبض بسرعة، وعقلها مشوش. هل هي على وشك اكتشاف شيء يمكن أن يغير مجرى التاريخ؟ أم أنها تغامر بشيء لن تتمكن من فهمه حتى بعد فوات الأوان؟

نظرت إلى الباب المغلق أمامها، الذي كان يصدح بأصوات قديمة ومهملة، وكأنها تمثل تاريخًا غارقًا في الغموض. على الرغم من أنه كان موصدًا، إلا أن هناك شعورًا غريبًا كان يهمس في أذنيها: "ادخلي، اكتشفي كل شيء." لم يكن هذا الصوت خارجيًا، بل كان ينبع من أعماق نفسها. كان التاريخ نفسه يدعوها للاستكشاف، ربما لكي تحرر الأسرار المدفونة داخل هذا المكان.

ترددت للحظة، لكن سرعان ما جمعت شجاعتها وتقدمت نحو الباب. كان يعلو الباب نقوش غريبة، رموز وأشكال تتشابك مع بعضها البعض، تلمع في الضوء الخافت الذي يتسلل عبر الفتحات القديمة. وكأن هذه النقوش كانت تروي قصة طويلة، قصة حب، صراع، وحروب قديمة، كانت تكتب على جدران هذا المكان منذ مئات السنين.

تذكرت ياسمين لحظةَ محادثتها مع الرجل الغامض، الذي قال لها أن هناك ثمنًا لابد من دفعه. هل كانت قد وصلت إلى اللحظة الحاسمة التي كان يحذرها منها؟ ومع ذلك، لم يكن لديها خيار سوى المضي قدمًا. كانت قد تخطت العديد من المحطات في هذه الرحلة، وكان الباب أمامها هو محطة النهاية.

دخلت ياسمين إلى الداخل، ووجدت نفسها في غرفة واسعة، جدرانها مزخرفة بنقوش مشابهة لتلك التي رآتها في الكتاب. كانت الغرفة مغطاة بالغبار، وكان الضوء يتسلل عبر النوافذ الصغيرة، ليخلق ظلالًا غريبة على الأرض. في وسط الغرفة كان هناك تمثال ضخم لفرسان قدامى، يحملون دروعًا وسيوفًا، وعيونهم تحدق نحو الأرض وكأنهم في حالة انتظار.

عندئذ، اكتشفت ياسمين شيئًا آخر: كان هناك جدول من الماء يتدفق من زاوية الغرفة، يشق طريقه عبر الأرض. كان هذا الجدول غريبًا جدًا، وكأن الماء ينساب من مكان بعيد، ويُحمل على أكتاف الزمن نفسه. كانت المياه تتجمع في بركة صغيرة عند طرف الغرفة، وعلى سطحها كانت تعكس الظلال التي تحيط بها.

فجأة، شعرت بشيء غريب في قلبها. كانت تعتقد أنها بمفردها، لكن هناك شيئًا ما كان يراقبها. كان هذا الشعور يزداد كثافة، وكأن هناك روحًا قديمة في المكان تتنفس بداخلها، تراقب كل تحركاتها. كانت تحس بذلك في الأعماق، في كل خطوة كانت تخطوها على الأرض القديمة.

تقدمت نحو البركة، وبمجرد أن اقتربت منها، لاحظت شيئًا غريبًا يطفو على سطح الماء: كان هناك حجر كبير، مُربوط بحبل خفيف، وعليه نقوش كانت مشابهة تمامًا لتلك التي رأت في الكتاب. اقتربت أكثر، وسحبته بحذر. كان الحجر ثقيلًا، ولكنها تمكنت من رفعه بسهولة كما لو أنه كان ينتظر أن يُحرك.

فجأة، كما لو أن المكان كله قد تجمد، انتبهت ياسمين إلى شيء آخر. كان هناك باب صغير مخفي خلف الحائط، كان متماشيًا مع النقوش التي كانت حولها. قلبها بدأ ينبض بسرعة أكبر، فقد كانت تعلم أن هذا الباب سيقودها إلى شيء أعمق، شيء لا يمكن أن تفهمه بالكامل إلا عندما تعبره.

دون أن تتردد، بدأت في تحريك الحائط. كانت يديها ترتعش قليلاً، ولكنها سرعان ما شعرت بشيء غريب عند لمستها الحجر. ببطء، انفتح الباب. وتسلل شعاع من الضوء الساطع إلى الغرفة، بينما كانت ياسمين تشعر أنها قد دخلت إلى عالم آخر. كان الباب يقود إلى ممر طويل، مظلم تمامًا، لا يكاد يُرى. مع ذلك، لم تفرط في التفكير وقررت المضي قدمًا.

بينما كانت تسير في الممر الضيق، كان هناك شعور غريب بالضغط في صدرها، كما لو أن المكان نفسه كان يحاول منعها من الوصول إلى نهايته. وعلى الرغم من كل شيء، استمرت في المشي، معتقدة أنها قد تكون على وشك اكتشاف السر الأكبر.

الممر لم يكن طويلًا كما توقعت. سرعان ما وصلَت إلى قاعة كبيرة مليئة بالكتب والمخطوطات القديمة. كانت الجدران مزخرفة بنقوش معقدة تشبه تلك التي رأت في الكتاب. وبينما كانت تتجول في القاعة، لاحظت شيئًا غريبًا على الحائط: كانت هناك لوحة قديمة تحتوي على صورة لمدينة غرناطة، ولكن هذه الصورة كانت محاطة بدائرة غريبة. كانت الدائرة تحمل نفس الرموز التي كانت قد اكتشفتها في الكتاب.

اقتربت ياسمين أكثر، وبدأت في فحص الرموز على اللوحة. كانت تشعر أن هناك شيئًا مميزًا في تلك الرموز، شيء يتعلق بالمدينة نفسها. فجأة، وقع نظرها على أحد النقوش الذي كان غير واضح تمامًا. كان يبدو وكأن كلمة مفقودة، كما لو أن هناك لغزًا آخر ينتظر من يحله.

وفي تلك اللحظة، شعرت بشيء غريب. كان هناك صوت هادئ يأتي من وراء أحد الأرفف القديمة. ثم، وببطء، تحركت إحدى الأرفف الجانبية، وظهرت أمامها غرفة صغيرة أخرى. كانت مليئة بالكتب والمخطوطات، ولكن أكثر ما لفت انتباهها كان شيء ما وسط الغرفة: كان هناك تمثال ضخم لفرسان من زمن الأندلس، وكل منهم يحمل درعًا، وكل درع يحمل نفس النقوش التي كانت قد رأت في الكتاب.

لكن هناك شيء غريب في هذا التمثال. كانت عيناه غارقتين في الظلام، كما لو أنه كان يراقبها، وفي يده كان يحمل شيء ما: شيء عتيق جدًا، كان يبدو وكأنه قطعة من تاريخ ضائع. لم تتمكن ياسمين من تحديد ماهيته، ولكنها شعرت في أعماقها أن هذا الشيء هو مفتاحها للوصول إلى الجواب.

وقفت في مكانها للحظة، وأدركت أن هذا هو الوقت الذي ستكتشف فيه السر. ولكن هل هي مستعدة لتحمل تبعات هذا الاكتشاف؟ هل ستكون قادرة على فهم المعنى وراء كل هذه الرموز؟ وبينما كانت تمسك بالكتاب الذي لا يزال بين يديها، أدركت أن كل خطوة تقطعها ستقودها إلى شيء أكبر بكثير مما توقعت.


ظل الاندلسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن