الفصل الحادي عشر: "حافة الهاوية

0 0 0
                                    

كانت ياسمين تقف أمام التمثال الضخم، وقد تجمدت في مكانها. كان قلبها ينبض بقوة، وأفكارها تتسابق في ذهنها. لم تستطع أن تتجاهل الإحساس الذي كان يلاحقها، كأن هناك شيئًا ضخمًا ومظلمًا ينتظرها، شيء يتجاوز مجرد الاكتشافات التاريخية. كان هذا التمثال ليس مجرد تمثال، بل كان جزءًا من لغز قديم، ومعه ربما كانت تقف على حافة شيء أكبر من تصورها.

التفت ياسمين إلى التمثال الذي كان يحمل درعًا وسيفًا، وعينيه اللتين كانتا غارقتين في الظلام. كان وجهه يبدو وكأنه عائد من الماضي، وعيناه، رغم الثبات الظاهري، كانتا تشعان بشيء غير مريح. كانت اليد التي تمسك السيف تطوي درعًا بشكل لا يمكن تفسيره، كما لو كانت محبوسة في لحظة من الزمن لا يمكن تحريكها أو تغييرها.

فجأة، لامس نظرتها شيء غريب. كانت اليد الأخرى للتمثال ممسكة بشيء ما. لم تستطع ياسمين تحديد ماهيته في البداية، لكن بمرور الوقت، بدأت الصورة تتضح: كان هناك مفتاح قديم، مُزين بنقوش معقدة، ويبدو أنه يتوهج بلون ذهبي خفيف، كما لو كان يحاول أن يلفت انتباهها. كان هذا المفتاح، كما شعرت، هو الجزء الذي كانت تبحث عنه طوال هذا الوقت. كان يحمل إجابة كل الأسئلة التي كانت تدور في ذهنها.

اقتربت ياسمين من التمثال بحذر، وهي تدرك أن هذه اللحظة قد تكون الفاصل بين الحقيقة والوهم. كانت الأصوات في المكان تكاد تكون غير موجودة، باستثناء صدى خطواتها التي تملأ الغرفة الصامتة. كان الجو ثقيلًا، وكأن كل شيء في هذه الغرفة يضغط على صدرها، في انتظار لحظة ما. مع كل خطوة كانت تقترب من المفتاح، كانت تشعر بشيء غريب يزداد بداخلها، شيء كان يتولد من الأعماق، كما لو أن هذا المفتاح هو المفتاح ليس فقط للغز المدينة، ولكن لأسرار عميقة كانت تكمن في قلبها.

وبينما كانت تمد يدها نحو المفتاح، لامس خيط من الضوء وجهها. كان الضوء القادم من خلف التمثال كأنما يكشف شيئًا خفيًا، كان يشع من الداخل بطريقة غير طبيعية، وكأن هذا المفتاح نفسه يحمل قوى غامضة. أمسكته بحذر، وكانت يديها ترتجفان بشدة، وكأنما كل جزء منها كان يعلم أن هذه اللحظة ستغير كل شيء.

فور أن لمست المفتاح، اهتزت الأرض تحت قدميها. كان الاهتزاز قويًا لدرجة أن ياسمين تراجعت خطوة إلى الوراء. ثم بدأ التمثال يهتز أيضًا، وفجأة تحركت قطعة من الجدار القريب منها. كان يبدو أن المكان كله كان في حالة تغير، كما لو أن شيئًا قد بدأ يتحرر، وكأن الجدران نفسها كانت تتحرك لتحرير سر قديم.

سقطت قطعة كبيرة من الجدار، وكشفت عن فتحة مظلمة كانت مخفية خلفها. كانت تلك الفتحة تتجه نحو نفق ضيق، مظلم للغاية، لكنه كان يحمل معه وعدًا بكشف شيء عميق. شعرت ياسمين بقشعريرة تسري في جسدها. لم تكن متأكدة من ما سيحدث في هذا النفق، ولكن لم يكن لديها خيار آخر سوى المضي قدمًا. كانت تعلم أن هذا هو طريقها الوحيد للوصول إلى الحقيقة.

مع كل خطوة كانت تخطوها في الممر الضيق، كان الهواء يصبح أكثر كثافة، وكان السكون يعم كل شيء. لم يكن هناك سوى صوت خطواتها التي كانت تتردد في المكان المظلم. بدأت الجدران تتغير شيئًا فشيئًا، وكأنها كانت تُخبرها أن هذا المكان كان يخبئ شيئًا غريبًا، شيئًا غير طبيعي. كان الزمن يبدو وكأنه قد تجمد في هذا المكان، وكأنها كانت على وشك اكتشاف شيء يخص الماضي بشكل غير قابل للتفسير.

وصلت أخيرًا إلى نهاية النفق، وهناك كانت الغرفة التي لم تكن تعرف وجودها. كانت الغرفة محاطة بالجدران المظلمة، ولكن في وسطها كان هناك صندوق قديم، مُغطى بالغبار. كان يبدو أن هذا الصندوق كان موجودًا هناك منذ مئات السنين، وكأن الزمن قد توقف حوله. لم تكن ياسمين متأكدة من ماهيته، لكن شعورًا غريبًا انتابها بأنها إذا فتحت هذا الصندوق، ستكتشف سرًا سيغير كل شيء.

دون أن تتردد، بدأت في رفع الغطاء. كان الصندوق ثقيلًا، وصوت خشبه كان يتردد في المكان، وكأن كل شيء في الغرفة كان ينتظر هذه اللحظة. وعندما فتحته أخيرًا، اكتشفت شيئًا لم تتوقعه أبدًا: كان هناك ورقة قديمة، مكتوبة بخط عربي قديم، ومعها مفتاح آخر، يبدو أنه كان مرتبطًا بشيء أكبر من مجرد هذا المكان.

كان الخط على الورقة واضحًا، رغم قدمها. كانت الكلمات تروي قصة مدينة غرناطة القديمة، وكيف أن هذه المدينة كانت تحتوي على قوة قديمة كانت تحكمها. لكن المثير في الأمر أن الورقة ذكرت شيئًا غريبًا: كانت المدينة نفسها تعتبر مركزًا لطاقة خارقة، طاقة كان يمتلكها فقط أولئك الذين يستطيعون فك الرموز التي خلفها الأجداد.

قرأت ياسمين الكلمات بصوت مرتفع، وحينما وصلت إلى آخر السطر، بدأت الأرض تهتز من جديد. هذه المرة كانت الهزات أقوى وأكثر عنفًا. كان هناك شعور غريب بالضغط يملأ المكان، وكأن شيئًا ضخمًا ينهار في الأسفل. وُلد في قلب ياسمين شعور بأن المدينة نفسها كانت تستعد للانفجار، أو ربما كانت تستعد للكشف عن سرها الكبير.

سارعت إلى الصعود إلى السطح، وكان الظلام يغطّي المدينة. ومع ذلك، كان الضوء الساطع من خلف الجبال يلفت انتباهها، وكان الظل الذي رآته من قبل في الحلم يلوح أمام عينيها. هذا الضوء كان يرمز إلى بداية شيء أكبر، بداية ما كان ينتظرها في قلب التاريخ.

أخذت نفسًا عميقًا، وفي تلك اللحظة، علمت ياسمين أن كل شيء كان قد بدأ، وأن الطريق الذي سلكته لن يؤدي إلا إلى اكتشاف كبير، اكتشاف كان سيتغير بسببه كل شيء.

ظل الاندلسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن