عندما فتحت ياسمين الباب، شعرت بأن الزمن قد توقف لحظة. كان الصوت الذي سمعته عند تحريك القفل كأنه صدى لآلاف السنين، وكأن التاريخ نفسه قد بدأ في العودة إلى الحياة. زادت وتيرة تنفسها، وتردد صدى خطواتها في الممر الذي امتد أمامها. كان المكان مظلمًا تمامًا، وكأن الظلال تراقبها من كل جانب.
لكن فضولها دفعها للاستمرار. دخلت الغرفة، وعينيها تتنقلان في الظلام. كان الهواء في الداخل أكثر برودة، كأنه محمّل بذكريات الماضي، وكلما اقتربت من وسط الغرفة، كانت الأحاسيس تتسارع في قلبها. كانت هناك رائحة قديمة، رائحة من الزمن الذي مضى، رائحة التاريخ الذي كان قد دفن تحت طبقات من الرمال والرماد.
فجأة، بدأ الضوء يسطع من زاوية الغرفة. لم يكن ضوء الشمس، ولا كان ضوءًا طبيعيًا. كان ضوءًا غريبًا، كأنه ينبعث من قلب الأرض نفسها. اقتربت ياسمين من مصدر الضوء بحذر، وكان قلبها ينبض بشدة، تملأه مشاعر متضاربة بين الخوف والفضول.
وفي وسط الغرفة، كان هناك هيكل معدني، يشع بضوء أبيض مائل إلى الأزرق. كان يشبه تمثالًا، لكن ليس تمثالًا تقليديًا. كان شكله غير محدد، كما لو أن الأشكال قد تم دمجها مع بعضها البعض، لتكوين شيء من المستقبل، أو شيء من الماضي البعيد. كان كأن هذا الهيكل قد تم صنعه من عناصر غير مألوفة، على الأقل بالنسبة لها. بدا وكأنه يحمل مفتاحًا لفتح بوابة غير مرئية، بوابة إلى عالم مختلف.
لكن ما لفت انتباهها أكثر كان النص الذي كان محفورًا على الهيكل. لم يكن النص باللغة العربية أو بأي لغة مألوفة لها. كان النص محفورًا بخط غريب، ينساب كأنما جاء من زمن لا يعرفه أحد، أو ربما هو لغة قديمة قد ضاعت مع مرور القرون. شعرت ياسمين بحيرة شديدة، وأخذت تتأمل النص، تبحث عن معناه.
لحظة من التفكير مرَّت، ثم فجأة انطلقت من الهيكل طاقة غريبة، كأن الضوء المنبعث منه قد تفاعل مع طاقتها الداخلية. بدأت الأرض تهتز تحت قدميها، وسماع صرير خفيف، وكأن الممرات القديمة قد بدأت في إعادة تشكيل نفسها. بدأت الجدران تهتز بشكل غريب، وكأن المكان بأسره كان يعيد نفسه في دورة زمنية غامضة.
وفي تلك اللحظة، شعرت ياسمين بشيء غريب. كانت قد اكتشفت حقيقة مذهلة. الهيكل، أو ما كان يشبه التمثال، لم يكن مجرد قطعة أثرية عادية. كان بوابة إلى شيء أكبر. كانت تقف الآن على عتبة سر قديم، سر كان من المفترض أن يظل مخفيًا إلى الأبد. كان هذا الهيكل مرتبطًا بحركة التاريخ، بحركة القوى التي كانت تحكم هذه الأرض ذات يوم.
بينما كانت تقف هناك، مشدوهة أمام هذا الاكتشاف المذهل، بدأ الهواء يزداد كثافة. شعرت وكأن التاريخ كان يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام عينيها، وكأن أسرار الأندلس قد بدأت تتنفس من جديد. لكن السؤال الذي ظل يدور في ذهنها كان: ما هو الثمن الذي ستدفعه مقابل هذه المعرفة؟ وهل كانت مستعدة للمواجهة القادمة؟
بينما كانت تفكر في العواقب المحتملة لاكتشافها هذا السر، بدأ الضوء في الغرفة يتوهج أكثر فأكثر، وسمعت همسات في الهواء، كأن أصواتًا قديمة تحاول الوصول إليها. كانت الأصوات تتزايد، وكأنها تأتي من خلف الجدران، كأنها كانت تحكي قصة قديمة، قصة من عصر بعيد، قصة ضاعت عبر الزمن.
وفي اللحظة التي كانت على وشك اتخاذ خطوة أخرى، تحرك شيء ما داخل الهيكل المعدني. كان الضوء يتسارع بشكل مذهل، كأن شيئًا غير مرئي كان يبدأ في الظهور. وعيني ياسمين اتسعتا من الدهشة.
كانت قد اكتشفت شيئًا أكبر مما كانت تتخيل، لكن هل كانت مستعدة لحقيقة ما كان يختبئ وراء هذا السر؟
أنت تقرأ
ظل الاندلس
Short Storyفي عام 1491م، قبل عام من سقوط غرناطة، تجد ياسمين، الفتاة النبيلة من عائلة مرموقة في غرناطة، نفسها في قلب المؤامرات السياسية والخيانات المشتعلة داخل المدينة. عثر والدها على خريطة سرية تقود إلى كنز يحتوي على أسرار علمية وفنية قد تغير مصير الأندلس. ولك...