كان الليل قد خيم على غرناطة، والمدينة تغرق في سكون غريب، كما لو أنها كانت تنتظر حدوث شيء عظيم. في غرفة صغيرة داخل القصر، جلست ياسمين أمام السجل القديم الذي وجدته في أعماق الأرض. أوراقه المصفرة كانت مليئة بالرموز والأسرار، وكأن كل كلمة مكتوبة فيها تحمل عبئًا من التاريخ المفقود. عينها تتنقل بين السطور، وكلما قرأت أكثر، ازدادت تلك الأسرار تعقيدًا. ما كان يبدو مجرد سجل قديم، تبين لها أنه ليس فقط سجلًا، بل هو مفتاح لفهم حقائق لم تجرؤ المدينة على مواجهتها.
أخذت نفسًا عميقًا، وحاولت أن تركز ذهنها على الكلمات. كانت الأحداث التي قرأتها حتى الآن تعود إلى العصور التي تلت سقوط الأندلس، وهي أحداث كانت قد أخفيت عمدًا. كان السجل يشير إلى خطة سرية وضعها آخر حكام غرناطة، الخطة التي كان الهدف منها الحفاظ على سر عظيم، سر يمكن أن يغير مصير المدينة بل والعالم بأسره. ولكن من هم هؤلاء الحكام؟ ولماذا قرروا دفن هذه الحقيقة في أعماق قصر الحمراء؟
بينما كانت تحاول فك شفرة الكلمات، شعر قلبها ينبض بشدة. لقد اكتشفت شيئًا مهمًا. كانت الحروف التي تظهر أمامها، رغم صعوبة تفسيرها، تشير إلى مكان آخر، إلى نقطة من المدينة لم تكن قد اكتشفتها بعد. كانت هناك غرفة أخرى، أعمق وأكثر سرية من تلك التي وجدت فيها السجل. وبحسب السجل، كانت هذه الغرفة تحت الحديقة المفقودة، وهي مكان كان قد تم إخفاؤه بإحكام، ولم يتبقى له أثر منذ سقوط غرناطة.
صوت جرس بعيد قطع تفكيرها. كان الصوت ضعيفًا لكنه حمل في طياته شيئًا من التوتر، وكأن هناك أمرًا جللًا على وشك الحدوث. نظرت ياسمين إلى الساعة على الحائط، التي كانت تشير إلى منتصف الليل. ثم نظرت إلى السجل مرة أخرى. كانت الفكرة التي تراودها أكثر وضوحًا الآن. عليها أن تذهب إلى الحديقة المفقودة.
عندما قامت من مكانها، شعرَت بقلق يملأ قلبها. لم يكن الطريق الذي ستسلكه طريقًا عاديًا. كان الطريق المؤدي إلى سرٍ قديم، وحقيقة قد تغير وجه التاريخ. تذكرت تلك اللحظات التي مرَّت بها في القصر، والهمسات التي كانت تسمعها بين جدرانه. كان كل شيء الآن يلتقي في هذه اللحظة، وفي هذا المكان.
خرجت ياسمين من الغرفة، وبدأت السير في ممرات القصر الطويلة. كان كل شيء هادئًا جدًا، وكل خطوة تخطوها كانت تزيد في نفسها الإحساس بأنها على وشك فتح باب لا يمكن الرجوع عنه. ومع كل خطوة، كانت تزداد اقتناعًا بأن أسرار المدينة كانت مخبأة في مكان بعيد، بعيد جدًا، وأن هذه الرحلة لن تنتهي بسهولة.
وصلت أخيرًا إلى الحديقة المفقودة، التي كانت تقع خلف أحد الأجنحة المظلمة في القصر. كانت الحديقة مهجورة، مليئة بالأشجار والنباتات التي كانت تلتف حول بعضها البعض، وكأنها كانت تحاول إخفاء شيء ما. كل شيء في المكان كان يبدو غير عادي. كانت الأرض غير مستقرة، والجدران مغلفة بالطحالب، والهواء مليء برائحة الرطوبة.
بينما كانت تتجول في المكان، شعرت بشيء غريب. كان هناك شيء ما تحت الأرض، شيء كان يهمس باسمها. اقتربت من زاوية الحديقة، حيث كان يوجد تمثال قديم، تمثال لفرسان يحملون رموزًا غريبة. كانت هذه الرموز نفسها التي شاهدتها في السجل وفي المخطوطات. كان هناك شيء غير عادي في هذا التمثال، وكأن العينين المنحوتتين فيه تتبعانها.
لم تتردد، بل اتجهت نحو التمثال بحذر. ومع كل خطوة كانت تقترب منها، كانت الأرض تهتز بشكل طفيف تحت قدميها. وعندما وضعت يدها على التمثال، شعرَت بشيء غريب. كان هذا التمثال يخفي شيئًا، شيء عميق في قلب الحديقة.
ضغطت على التمثال بحذر، وفجأة تحرك التمثال بالكامل. انفتح أمامها جزء من الأرض، كاشفًا عن ممر ضيق مظلم. لم تكن ياسمين تعرف ما الذي ينتظرها في هذا الممر، لكن قلبها كان مليئًا بالحماس. كانت قد وصلت إلى اللحظة الحاسمة.
تسللت إلى الممر، وكان الهواء باردًا، محملاً بروائح قديمة ومطبوعة في الزمن. كانت الخطوات تتردد في الممر الضيق، وفي رأسها كانت تدور آلاف الأسئلة. ماذا ستجد في النهاية؟ وما الذي سيحدث إذا اكتشفت السر؟
بينما كانت تتنقل في الممر، بدأ المدى الضيق يضيق أكثر، لكنها كانت تشعر بأن شيئًا عظيمًا كان في انتظارها في النهاية. وعندما اقتربت من آخر الممر، رأت بابًا صغيرًا في الجدار. كان الباب مغلقًا بإحكام، ولكن كان هناك شيئًا غريبًا في تصميمه. كان عليه رموز مشابهة لتلك التي كانت قد رأتها في السجل، في التماثيل، وفي كل مكان ارتبطت به هذه الرحلة.
وضعت ياسمين يدها على الباب، وشعرت بنبض قلبها يزداد. هذا هو المفتاح الذي تبحث عنه، وهذه هي اللحظة التي لن تُنسى أبدًا.

أنت تقرأ
ظل الاندلس
القصة القصيرةفي عام 1491م، قبل عام من سقوط غرناطة، تجد ياسمين، الفتاة النبيلة من عائلة مرموقة في غرناطة، نفسها في قلب المؤامرات السياسية والخيانات المشتعلة داخل المدينة. عثر والدها على خريطة سرية تقود إلى كنز يحتوي على أسرار علمية وفنية قد تغير مصير الأندلس. ولك...