★ تحت كنف البيجوز ★

1.4K 160 210
                                    


ثلاثة، إثنان، واحد.

خطوة للخلف، خطوة للأمام.

حركاته متعثرة، حركاتي واثقة.

أحّرجُ وقتٍ من حياته، أمّتعُ وقتٍ من حياتي.

هو مبتدأ وأنا محترفة.

لكننا، بطريقةٍ ما، نقفز. نستمتع. تلفني رائحته البحرية، ودوما تجد ذراعيه طريقًا إلى خصري، يشدني نحوه، نحو صدره، حتى عندما لا يفترض به فِعلها، كأنما تلك الحركة قد أصبحت غريزة لا يملك سواها وهي كل ما يعرفه، بينما الابتسامة الساذجة تعلو وجهه الفاتن، وأنا أواصل الاهتزاز بحيوية، أرقص بصخب، أضحك بصوتٍ عالٍ. لأن هذا كل ما عرفته. هذا كل ما تبقى لنا للاحتفال به.

قد نكون مختلفين أو متناقضين، قد نكون الكثير من الأشياء المتضاربة التي لا يفترض بها أن تجتمع؛ لكن رغم هذه الحقيقة، يمكننا دومًا خلق مساحةٍ لنا وإحداث شرخٍ بالزمان والمكان حتى نتواجد من أجل بعضنا البعض.

دلكتُ ببطء بنصر يُسراي، وأنا أتنهد مسترخية كليًا، والابتسامة تعلو وجهي بينما أسترجع تفاصيل حصة الرقص التي حضرتها مع ديلان ليلة حفل التخرج. تلك الليلة التي خرقّنا فيها قوانين جنازة مراهقة كل أمريكي، لأننا رسمنا فيها عالمًا صغيرًا خاصًا بنا، في عالمٍ فرض علينا نمط حياةٍ أثقل من فكاهة دونالد ترامب، وأبشع من ذوق ماكرون.

لكن، كما كل الذكريات تلاشت مع الهبوط المفاجئ للطائرة. فتحت عيناي بآلية، أستعيد وعيي لحظة ملامسة العجلات لمسارِ الهبوط.

إنها فرنسا.

إنها باريس.

وإنها الثالثة صباحًا، يا له من وقتٍ مثير للوصول. تنفستُ بصوت مسموع، عينايّ مثبتتان نحو الأمام، قلبي يضرب جدران صدري بإيقاعٍ متسارع. واقع أم وهم؟ لا أعلم. الفرق بينهما سيبقى غامضًا إلى أن تشرق الشمس، إلى أن تواجهني تداعيات قراراتي، إلى أن يصبح الهروب مستحيلًا.

تحت وطأة صوت إحدى المضيفات الرنان بترحيبها بنا في باريس، استندتُ للحظة على ظهر المقعد ونظرت عبر النافذة حيث بدت أنوار المطار كأنها نقاط مضيئة تغرق في بحرٍ من الظلام.

بدأ الركاب في التحرك بانتظام. وقفتُ، متأبطة حقيبة يدي الصغيرة، وسحبت حقيبة السفر اليدوية الوحيدة من المكان المخصص فوق مقعدي، فكل شيء آخر أرسلته مسبقًا مع والدتي، التي اهتمت بالعديد من الإجراءات من أجلي.

خطوتُ وسط الحشد المتزاحم في الممر الضيق، تتبعني همهمات الركاب وصوت عجلات الحقائب وهي تُسحب فوق الأرضية، بينما تشير الإضاءة الموجهة إلى بوابة الخروج. نسمةٌ باردة لفحت وجهي فور مغادرة الطائرة، نسمةٌ ليست فقط بسبب الطقس، بل بسبب وقع اللحظة المثيرة للرهبة ذاتها.

كاراميلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن