كان النهار يحتضر، والشمس توشك على الانحدار خلف الجبال، تاركةً السماء مشتعلةً بدرجات من البرتقالي والذهبي. وقف لاوتزي، بهدوئه المميّز، يراقب المشهد بعينين ثاقبتين، حتى وقعت عيناه على حصانين يتحرّكان ببطء عند أطراف الطريق.
كان كي شينغ يمتطي أحدهما، ظهره مستقيم كعادته، وابتسامة غامضة تعلو شفتيه. إلى جانبه كان هوا هوا، صامتًا كأنه ظل مرافق لصديقه، يتبعه بلا أسئلة.
ربّما لأنّه ما من داعٍ لطرحِ سؤالٍ أصلًا .. حينما لا تتوفّر الإجابات.خطى سريعًا نحو الحصانين ليلاحقهما، صوته القوي اخترق ضجيج المكان: "كي شينغ! إلى أين تظنّ أنّك ذاهب؟".
توقف كي شينغ ببطء، كأن صوته لم يفاجئه أبدًا. التفت بخفة، ونظر إليه، تلك النظرة التي تحمل دائمًا مزيجًا من السخرية والعفويّة. ابتسم بخفة قبل أن يقول: "إلى أيّ وجهة يأخذني الطريق .. لا مكان محدّد يحتاجني".
تجمّد لاوتزي في مكانه للحظة، ملامحه ظلت جامدة، لكن داخله كان يغلي بأسئلة لا يستطيع التعبير عنها. استعاد صوته سريعًا وقال بحدّة، محاولًا الحفاظ على نبرة السيطرة: "لقد أخبرتك أنّني سأعيّنك مرافقًا شخصيًّا لي. هل تظنّ أنّه يمكنك التملّص بهذه السهولة؟"
ضحك كي شينغ، ضحكة قصيرة لكنها كانت كافية لتزيد من توتّر الأجواء : "مرافق شخصي؟ أم تحتاج إلى تحقيقٍ شاملٍ معي؟ هذا لا يناسبني. يا صاحب السموّ".
كانت تلك الكلمات أشبه بضربة خفيّة للاوتزي. لم يكن يتوقع من كي شينغ أن يردّ بهذه الصراحة، ومع ذلك لم يُظهر شيئًا. اكتفى بالنظر إليه بتمعن، محاولًا قراءة ما وراء تلك الابتسامة.
بدا كي شينغ وكأنه يستمتع بالصمت، لكنه سرعان ما قطعه قائلاً بابتسامة تحاول تلطيف الجوّ : "لكنّني أذكرك أنّك مدين لي بوجبة غداء. لو لم أكن هنا وساعدتك في القبض على هؤلاء الرجال، لما كانت مهمّتك بهذه السهولة. أليس كذلك؟"
لوّح بيده بطريقة أقرب إلى الوداع الساخر، عيناه تضيقان بمرح بينما يضيف: "لا تنسَ ذلك، يا صاحب السموّ". ثم التفت إلى هوا هوا قائلاً: "هيّا، لنغادر"
دفع هوا هوا حصانه إلى الأمام بصمت، بينما انطلق كي شينغ خلفه، تاركين وراءهما سحابة من الغبار تملأ الهواء.
ظلّ لاوتزي واقفًا في مكانه، يراقب ظهور الحصانين تتلاشى مع المسافة. كان وجهه جامدًا، لكن عينيه كانتا مثقلتين بالتفكير.
[ لِمَ دومًا يظهر في وقت الحاجة؟، وأين يختفي؟ ]
كان يحسّ أنّه يحمل في داخله سرًّا عميقًا، سرًّا يجعله يظهر كظلٍّ ثمّ يختفي قبل أن يُكشف. كلّ حركة، كلّ كلمة، كل نظرة منه تحمل شيئًا لا يمكن تفسيره. ومع ذلك، كان هناك جزء في داخله يرفض أن يترك تلك الأسئلة تؤثّر عليه أكثر.

أنت تقرأ
دفترُ وِين كِي شينْغ.
Fantasiكي شينغ الّذي فقد ذاكرته يشعر بالخوف ممّا كتبه داخل دفتره السرّي ويحاول الهرب من ماضيه للنجاة بحياته، تحت اشتداد الضغوطات من مساعديه لإستكمال ما بدأوا به. لا مجال للتراجع الآن، لقد أصبح عدوًا للإمبراطور و لِوليّ العهد!. -كي شينغ يبدو غريب الأطوار-