ليل - الفصل الرابع والأربعون

308 15 4
                                        

ليل - الحكاية الثالثة لثلاثية قدر النساء

الفصل الرابع والأربعون - بقلمي منى سليمان  

* شبح الماضي *  

(ابني الغالي نادر...
أعلم جيداً أنني لم أكن الأب المثالي لك، ذات يوم سقطت بدوامة حب المال وتناسيت حقوقك، ركضت خلف الصفقات وتخليت عنك فكانت النتيجة سقوطك بدوامة الشيطان، لم تجد من يُعلمك الخطأ والصواب، لم تجد من يُحاسبك ويُوجهك، تركتك يا بني فريسة للشيطان وانقضت سنوات عمرك وأيامك بين الخمر وأحضان فتيات الليل لكنني لم أتوقع يوماً أن يصل بك الحال لطعن صديقك في شرفه...
رفع نادر رأسه عن الرسالة وهو يكاد لا يصدق ما قرأه للتو، أحقاً طعن أحدهم في شرفه، ومن الصديق الذي يتحدث والده عنه؟ خوف قاتل تملكه لدرجة جعلته يخشى استكمال القراءة لكن فضوله لمعرفة من يكون وماذا فعل كان أكبر من خوفه فاستجمع شجاعته وأخذ نفساً عميقاً ليُكمل ما بدأه
(السنوات مرت وأنت لا تتذكر أي شيء وعندما سألتني عن سبب فقدانك للذاكرة أخبرتك أنك تعرضت لحادث سير لكن ذلك لم يحدث، فقدانك للذاكرة حدث بعد إصابتك بتلف ببعض خلايا المخ ناتج عن تعرضك للتسمم بفعل تسرب غاز البوتاجاز بشقتك الخاصة، أعلم أنك تتساءل الآن لِمَ كذبت عليك، والإجابة ببساطة أنني لم أقدر على مواجهة حقيقة أنني السبب الرئيسي في الضياع الذي قادك لإلقاء نفسك بين أحضان الشيطان، ففضلت الانتظار لوقت رحيلي لأُخبرك من خلال رسالتي بكل شيء، قبل عدة سنوات كنت أجلس بمكتبي بالشركة وأُتابع عملي إلى أن قاطعني اتصال وارد من حارس العقار الذي كنت تعيش فيه بمفردك

- الو
- الحقني يا سالم بيه

كان صوت حارس العقار كفيل بزرع الخوف بقلبي فخرج صوتي بصعوبة وسألته عن ما حدث ليُجيب بهلع: طلعت شقة نادر بيه علشان عربيته قافلة على عربية تانية فلقيت ريحة الغاز خارجة من باب الشقة، فضلت أخبط ومفيش رد وفي الأخر فتحت بالمفتاح اللي الباشا سايبه معايا و

قاطعته بصوت مرتعش وقلب على وشك الفرار من بين الضلوع خوفاً من سماع إجابة سؤالي: ابني جراله حاجة؟

- لسه عايش بس غايب ورايح في دنيا تانية

وقعت في حيرة من أمري هل أفرح لأنك مازلت على قيد الحياة أم أبكي خوفاً من فقدانك نتيجة غيابك عن الوعي لكن صوت الحارس سرقني من حيرتي وسدد إلي صدمة

- بس الهانم اللي كانت معاه لقيتها ميته والسكان بلغوا البوليس والإسعاف
- هانم مين؟
- الهانم اللي بتيجي لنادر بيه كل يوم
- أنا جاي حالاً

تركت مكتبي كالإعصار وانطلقت بالسيارة بسرعة جنونية وأنا أدعو الله لكي لا ترحل وتتركني وبعد أقل من عشر دقائق وصلت إلى الشقة ورأيت رجال الإسعاف يحاولون إنقاذ حياتك لكن المفاجأة الحقيقية أنني رأيت رزان زوجة صديقك الوحيد جثة هامدة إلى جوارك...
رفع نادر رأسه مرة أخرى عن الرسالة ليمسح الدموع التي أغرقت وجنتيه لكن دموعه كانت أشبه ببحر مُتلاحق الأمواج فما عرفه عن نفسه ليس بالهين، وبالرغم من كل ذلك استعاد السيطرة على نفسه بصعوبة واستكمل طريق معرفة من يكون وماذا فعل...

ليل - منى سليمان (الحكاية الثالثة لثلاثية قدر النساء) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن