الجبل الأبيض 1

239 9 1
                                    

1

في عز الأزمة وضيق ذات اليد؛ خرج شاكر يبحث عن كوة في سديم الظلام؛ لعلها تفتح له باب الأمل؛ وتُحسن مستواه الاجتماعي،وفي لحظة لم تكن في الحسبان أطل الفرج بعنقه من أرض سلطنة عمان؛التي انبعث منها فيضٌ من السعادة التي ملأت قلبَه ومنحته مساحةً شاسعةً من الأملِ؛ وكثيرا من التعلقِ بالمستقبل؛ وحُب الناس؛والرغبة في التشبث بالحياة؛ بعد أن أوصد عليه القدرُ كل مسربٍ للرحمةِ.

كان شاكر في غيثَان الشباب؛ مازال ماءُ الفتوة يتلألأ من طراوة الحياة: قصيرُ القامةِ؛ متوقذ الذكاءِ؛ كانت جميع تقاطيعِ وجههِ تُعبر عن رصانة وتفكير؛ يمتزجان بالعاطفة والطيبوبة؛ لم يكن يعلم أن تكوين أسرة صغيرة يحتاج إلى كثير من المصاريف؛ وإلى مزيد من الصبر؛ ينبغي عليه تحمل كل إكراهات الحياة ومصاعبِها. كان طموحا؛ وطموحُه دفعه إلى مضاعفةِ مصاريفه، ففتح على نفسه منافذ كثيرة من الرغبات والمتطلبات، لكن يده لم تَكُن تطالُ ما يتمناه قلبُه؛ فغالبا ما تُصفع رغباته بضيق اليد.

وهكذا؛ وأمام هذا الوضع الجديد فتح على نفسه باب القروض الصغيرة التي أصبحت تنهش راتبه الشهري الضئيل؛ وكأنه فتح على نفسه باب جهنم؛ حيثُ تكاثرت عليه الديونُ؛ ولم يعد في استطاعته تلبية حاجياتِه ومتطلباتِ أسرتِه الصغيرةِ؛ بل لم يعد قادرا على تدبير بعضِ أساسيات البيت من مأكلٍ ومشربٍ، مما دفعه الأمر إلى مزيد من الاستدانة؛ إلى درجة أنه بدأ يستلف من الأصدقاء والمقربين؛ ولهذه الأسباب لم يكن له من مخرج لأزمته؛ إلا البحث عن حل نهائي يُسدد به كل ديونه؛ ويخرجه من أزمته التي بدأت تتفاقم يوما بعد يوم.

بات التفكير في السفر بعيدا عن الوطن ضرورةً مُلِحةً؛ لأن أرض الوطن ضاقت به؛ ولم يَعد يستطع تحقيق مُتطلباتِه المتزايدة والمتكاثرةِ؛ والتي هي في حقيقة الأمر متطلبات كل شاب في بداية حياتهِ الزوجية؛ متطلباتٌ تفرضُها الرغبةُ في تأسيس وبناء أسرة ترغب في العيش الكريم والحياة الشريفة؛ وفي التوفرِ على بيت بسيط يأويهم و يصونُ كرامتَهُم ويَعفيهِم من الإيجار الشهري الذي يلتهمُ نصفَ راتبِه؛ ناهيك عن مصاريف الماء والكهرباء ومصاريف أخرى.

حل فصل الربيع؛ وأسفرت الأرض عن مُحياها؛ وأبدت زينتَها الخضراء؛ تَسر الناظرين؛ حيث السماء صافية والجو بديعٌ؛ طبيعةٌ خلابةٌ ينتعشُ بها الإنسانُ وتُدخلُ في نفسه بارقةَ أملٍ؛ لكن جمالَ الطبيعة ورونقَها لم يُثر اهتمام شاكر لأن باب الخضرةِ والجمالِ كان مغلقا أمام عينيه بمسحةٍ من سواد الحياة وقتامةِ الواقعِ.

فكر في تقديم طلب إلى وزارة التربية والتعليم من أجل الالتحاق بإحدى دول الخليج كأستاذ معارٍ؛يريدُ أن يبيعَ بضاعته المعرفية التي كسدت؛ في بلاد لم يحترم قومٌ منهم مهنةَ الأنبياءِ؛ لتنوير عقولِ أبنائِها الغضةِ في المجال القرائي والمعرفي؛ مقابلَ راتبٍ شهري مشجعٍ و محفزٍ على حب الحياة؛ ويضمن العيش الرغيد لهُ ولأولادِه.

الجبل الأبيضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن