الجبل الأبيض 12

18 1 0
                                    


12

اشترط هلال قبل أن يقدم الصندوق للأساتذة، أن يرافقهم إلى سكناهم، قبلوا بذلك، ومكث يلازمهم مثل ظلهم، وفي نفس الوقت حارسا للذخيرة الثمينة عندما استلموا الصندوق، نظر إليهم نظرة أمل وارتياح، خطر بباله أن هؤلاء الرجال الثلاث هم المنقذ من الضلال و المخرج من الظلام الدامس، إنها الفرصة المتاحة الثمينة التي ستخرج سكان الجبل الأبيض من هذا الظلام إلى العالم المتحضر، كأنه يريد منهم أن يطلعوا على التاريخ القديم ويقرؤونه بعيون جديدة تنصف سكان الجبل الأبيض، وتخرجهم من تخلفهم وبدائيتهم وتدخلهم في ركب حضارة القرن الحادي و العشرين.

عادوا إلى كهفهم ظافرين بما غنموا، وكانوا يتحينون الفرصة السانحة للاستمتاع بما يحتويه الصندوق من أسرار. وبلهفة ارتمى "سيد" على الوثيقة؛ تظهر عليها علامات التقادم والاصفرار بفعل عامل الرطوبة التي تسبب فيها حبس مجاري الهواء داخل هذه المغارة التي تقبع في قلب الجبل؛ مكتوبة على ورق البردي، فتحها وتمعن فيها بشكل جيد؛ قطب حاجبيه وقال : إنها وثيقة مكتوبة باللغة العربية، إنها توثق لأحداث تاريخية وحقب تعود لغابر الأزمان، يبدو أنها سجل تاريخي لأمة قديمة قدم الدهر.

بعد ذلك بدأت العديد من الأسئلة تتساقط عليهم كأنها أمطار موسمية تحل بالمكان؛ أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة؛ إنهم وسط هذا الكم الهائل من المعلومات التاريخية القديمة؛ شلال معان يختصر زمنا طويلا من القهر و الظلم والظلام.....

تساءل الأساتذة الثلاث.....ما السر في تواجد هذه الكائنات البشرية في هذا المكان المرتفع من الأرض، وما الدافع إلى صعودهم إلى الجبل الأبيض والاستقرار فيه؛ والرضى بهذه الحياة التعيسة وسط الوحوش والحيوانات المفترسة.

تساؤلات كثيرة كانت تطرح تباعا تأكد الجميع أن الإجابة عنها قابعة في هذه الوثيقة السرية التي قدمها الزعيم"هلال" لهؤلاء الأساتذة؛ وثيقة تكشف عن أسرار كثيرة يخفيها سكان الجبل الأبيض؛ أصر هلال زعيم القبيلة إخفائها؛ أو قد يكون هلال إلههم في السماء هو الذي أوصى بذلك.

قال سيد: إنها مفارقة غريبة تحدث أمامنا؛ إذا كان سكان العالم في القرن الحادي و العشرين قد ارتقوا بالعلم و الحضارة إلى أوجها؛ فإن سكان الجبل الأبيض قد ارتقوا إلى قمة الجبل الأبيض بدل العلم و الحضارة، إنها فعلا مفارقة بين الاتقاء العلمي و الاتقاء في المكان؛ حيث الجبل هو المنقذ من الدمار .

تساءل شاكر: لعل صمتهم الطويل فيه سر عميق؛ وصمتهم هذا هو الذي جعلهم يفقدون قدراتهم الكلامية؛ حتى أنهم أصبحوا كائنات بشرية عجماء يشتركون مع الحيوانات في كثير من الأشياء.

واستطرد قائلا: يبدو أنهم عندما عطلوا ملكة اللغة؛ تعطلت بشكل مباشر معها ملكة العقل؛ نظرا لارتباط اللغة بالفكر؛ فعندما هربوا من أرضهم ضيعوا اللغة لأن اللغة هي عالم الإنسان؛ وحدود اللغة هي حدود العالم.

الجبل الأبيضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن