الجبل الأبيض 13

12 1 0
                                    


13

بدأت الشمس تسحب أشعتها أمام قدوم الظلام الذي غطى الجبل الأبيض بلحافه الأسود؛ كانوا ثلاثة ورابعهم هلال؛ كلهم آذان صاغية؛ متلهفون لسماع صوت سيد وهو يقرأ عليهم الوثيقة التي تحكي تاريخ عُمَان؛ حتى لا تفوتهم الكلمات؛ المرتبة والمنظمة والتي كتبت بمنهجية علمية حديثة؛ بدأت بمصدر كلمة عمان.

تدخل نبيل: ذكرتني أستاذ سيد وماذا تعني كلمة عمان؟

رد عليه سيد: عرفَت عُمان مراحل تاريخية مختلفة؛ بحيث سميت بأكثر من اسم منها مجان ومزون وعُمان وكان لكل اسم سببه وبعده الحضاري و التاريخي .

فاسم "مجان" أطلقه السومريون؛ وقد ارتبط بما اشتهرت به عمان من صناعة السفن وصهر النحاس. واسم"مزون" فإنه ارتبط بوفرة الموارد المائية في عُمان وهو مأخوذ من المُزن وهي السحاب المحمل بالمطر. أما"عمان" فيعود إلى عُمان بن ابراهيم الخليل.

استأذن شاكر من سيد وسأله: ترى من أين وفد العمانيون؟

أجابه سيد: لقد وفدت قبائل عربية كثيرة إلى حاضرة عُمان؛ واستقرت بها منذ أمد بعيد؛ وكانت أول هجرة منظمة وقوية هي تلك التي كانت تحت قيادة مالك بن فهم الذي كان ينتمي إلى القبائل الأزدية.

استرسل قائلا: وكانت لعمان علاقات قديمة بالعالم القديم؛ فقد اشتهر العُمانيون بالملاحة واتصلوا مع آسيا وإفريقيا منذ زمن بعيد؛ وكان لهذه الزيارات مع إفريقيا وآسيا آثارها الإيجابية كما كانت له بعض الآثار السلبية؛ فانفتاح عمان أمام تلك الدول جعل حكام تلك الأقطار يعرفون مكامن الضعف والقوة فيها؛ حيث تعرضت للاستعمار عدة مرات.

تدخل نبيل وقال: ومن هذا ابن الوسخة الذي استعمر عمان.

أجابه سيد ضاحكا: لقد ظلت عمان تحت سيطرة الفرس لمدة طويلة من الزمن؛ إلى أن نزحت القبائل العربية بعد انهيار سد مأرب؛ وحررتها من الحكم الفارسي؛ وغيروا اسمها من مزون إلى عمان.

وساد صمت برهة من الزمن؛ كان فرصة لكي يلتقط سيد أنفاسه من هذا السيل المتراكم من الأسئلة؛ وفي أثناء هذا الصمت استغل شاكر هذه الفرصة لكي يسأل عن علاقة العمانيين بالاسلام.

رد عليه سيد بانشراح بعدما قرأ في الوثيقة الأدوار الإيجابية و الخدمات التي قدمها العمانيون للاسلام و المسلمين:

عند بداية الدعوة الاسلامية استجاب أهل عمان للدعوة الاسلامية؛ فدخلوا الإسلام طواعية وسلما؛ وذلك عندما بعث محمد عليه السلام عمرو بن العاص الى جيفر وعبد ابني الجلندي بن المستكبر ملك عمان حينذاك ليدعوهما الى الإسلام؛ وقد استجاب الأخوَان للدعوة وأسلما طواعية؛ وأخذا يدعوان وجوه العشائر والقبائل الى الإسلام فاستجاب أهلها لدعوة الحق عن قناعة ورضى؛ وأول من لاقى الرسول صلى الله عليه وسلم هو مازن بن غضوبة؛ ونتيجة لهذا الاتصال انتشر الإسلام في عمان انتشارا واسعا.

وقد أثنى رسول الله على أهل عمان لأنهم آمنوا بدعوته مخلصين دون تردد أو خوف أو ضعف وقد دعا لهم قائلا ((رحم الله أهل الغبيراء آمنوا بي ولم يروني)) كما دعا لهم بالخير والبركة، وأشاد بهم الخليفة ابوبكر الصديق؛ وما لبثوا أن لعبوا دورا رائدا في تثبيت دعائم الدعوة ونشر راية الإسلام شرقا وغربا.

وعندما انتهى سيد من قراءة الوثيقة قطب جبينه وبدت عليه علامات الحزن و الحسرة؛ لِما عرفته عمان من حروب داخلية وفتن طائفية؛ عجلت بفناء كثير من الحضارات؛ ومقتل أعداد كثيرة من السكان.

وأمام هذا الصراع الدموي الطويل ما كان عليهم إلا أن يحملوا ما استطاعوا حمله؛ وقد أضناهم التعب؛ فلقي كثير منهم حتفه على قارعة الطريق؛ واروهم أقاريبهم التراب؛ ومن بقي على قيد الحياة واصل المسير؛ صعودا إلى الجبل الأبيض.

أنهى سيد قراءة الوثيقة بذهول مستغربا لما حدث في عمان من أحداث عصيبة عصفت بها في متاهات الحروب؛ التي أحرقت الأخضر واليابس. أحس بشعور غريب يداهمه وبألم كبير؛ لما عرفته أرض عمان من مذابح ومن اضطرابات كثيرة ساهمت في ضعف الدولة؛ ونزوح أسر وعائلات كثيرة؛ بالاضافة إلى ما عرفته الساكنة العمانية من أمراض وأوبئة فتاكة زهقت بأرواح الكثيرين.

تدخل شاكرقائلا: لقد كان الجبل الأبيض للعمانيين "سفينة نجاة" لمَا ضاع مجدافها، فبات يصارع أمواج البحر الأحمر اللعين، لكي ينقذ ما تبقى من أهل عمان، حيث عصمهم من الدمار و الهلاك، وجمعهم في حضنه الدافئ ليؤنسوا بعضهم البعض، لقد لفهم بذراعيه وضمهم إلى صدره ليمنعهم من الهرب أو الارتماء في البحر الجارف على سفح الجبل، لأن أغلبهم شيوخ قابعين في بيوتهم الصغيرة يسند بعضهم البعض، لايعرفون إلا الهرب والانكماش على أنفسهم، يرتعدون من صوت الرعد والأمطار والأعاصير، يخافون من رؤية الدماء وهي تسيل أمامهم وكأن عقدة الخوف وإراقة الدماء باتت هاجسهم الوحيد.


الجبل الأبيضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن