الفصل الثاني : قمامة

188 10 3
                                    


ستبقى وحيدا ، في مكان مقرف ، في ظلمة مخيفة ، و إن لم تكن تخاف الظلام فأنت ستخاف من ضوء الظلام ، من صوت الظلام.

ستسمع سمفونيات الديدان التي تهشم لحمك المتعفن ، و صوت الصراصير الليلية.

ستسمع كل هذا و لن تسمع شيئا من هذا.

لربما ، لربما أرى
لربما أسمع.
لربما .. لربما .

اللعنة ! كرهت هذا الكلمة ..
كرهت العيش في الشك.

لا أحد يدرك مصيره ، لا أحد.

و أفضل حل لختم هذه المأساة هو عدم تكاثر الجنس البشري ، و المشي بخطوات بطيئة نحو الإنقراض.

أظن أنه لا كذب ولا زور و لا مسرحيات في المقابر.

أناس ، مثلي ، ألقبهم خفافيش الواقع ، جيران الموت .

خفافيش الواقع ، يكرهون النهار لما يخفيه و يحبون الليل بما يظهره.

خفافيش الواقع يعلمون أن الحقيقة مرة رغم عذوبتها.

خفافيش الواقع يدركون أننا كلنا في جوف صدورنا ، نشعر أننا " زومبي" .

ليتني كنت زومبي مثل الأفلام ، لكنت ٱلتهمت بعضا من العقول المليئة بمصبات القمامة.

وهو كذلك ، سأبدأ بعقلي ، لا أحد يعلم ثوراته ما خلفت ، لا أحد.

هو مصب عالمي للقمامة الرخيصة ، القمامة التي تتجمع حولها ملايين من الذبابات بغية التذوق.

يقولون أن العمل يجعلك سعيدا ، هو لا يفعل إلا أن يلهينا عن التعاسة بضعا من اللحظات المسروقة.

و أنا أعمل في التفكير المستمر ، هذه مهنتي و موهبتي و محنتي أيضا.

هكذا ، التفكير و لو كان لا يحمل غير خراب المدن المتمركزة في كياني العاتم.

هكذا أنسى تعسي ، أفقد عقلي ، أنا أفقد عقلي.

أنا على حواف الجنون اللذيذ.

أنا مجنونة لحد تفكيري أن آخذ كل الناس معي نحو المقبرة التي مازالت منذ قرون تسكنني.

تلك المقبرة الكريهة التي تنبعث منها صرخات من أفواه لا تستكين.

لم يخبرني أحد ما أفعل حين أريد الكلام و يتوسد الصمت فمي.

لم يخبرني أحد ما أفعله حين أصرخ بفم مغلق و لا أقدر إغلاق ذاك الفاه اللعين المغروس بسكاكينه في صدري.

لم يخبرني أحد كيف اقتلع تلك الكتلة اللعينة من جمجمتي.

لم يخبرني أحد ماذا أفعل حين يهيم بي النقص و الوجع.

لم يخبرني أحد ما أفعله حين تنصب حمى الفكر خيمتها داخل اوطاني.

ملل .. هذا غاية في الملل.

ملل ركيك يجعلك تحزن دون سبب أو ربما تمثل الحزن.

ملل يعيشك في وهم لا متناهي الأبعاد أو ربما ملل يزداد ٱتساعا كلما غصت في مساحاته المضيعة.

أنا ، ممللة حد الهلاك
مملة حد الألم .
لدرجة أني لا أقرأ الكلمات بعد كتابتها لأتجنب سيط القلم.

ملل .. ملل .. ملل ، لا هو جريمة.

جريمة في حق نفسك أن تخلق من الملل إلهاما و من الإلهام فنا تعلم أنه سيقتلك في أي لحظة.

تعلم أن طاقتك التي تتضاعف بهذا الفكر الممل ، ستقضي عليك ، و تنطفئ.

أنت تعلم جيدا ، تعلم أنك لن تستمر ، لا بل ستستمر إلى أن يفوت الأوان .

أنت تعلم ، كلنا يعلم أن كل شيئ سيستمر.

كل فكرة ستتعظم و تقدس من شدة التركيز عليها.

أنت تعلم .. أنت تعلم كل هذا.

أجل تعلم ، بينما أنا لا أفقه الآن شيئا غير أني أفكر مجددا و مجددا.

مدو جزر و "بوم" ، طوفان ، زلزال ، اعصار ، فخراب معتاد ، فتعاسة مغرية.

فتفكير مجددا.

***

يتبع ...



غراب مغتربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن