الفصل الخامس : نوايا حسنة

109 3 3
                                    

يرجع (الخفاش) الصحف التي تحمل نفس الخبر داخل الحقيبة الجلدية و يضعها في مكانها ، فوق الخزانة.

حيرة كبرى ، و هلع رهيب .

ساعة فساعتان ، فثلاث ، و مازال حائرا.

السابعة مساءا ، يصعد لحجرة طبيبته السابقة .

يفتح الباب ليتفاجأ ب(سيدة الجريمة) متكئة على مكتبها :

- ظننت أني سأجدك تكتبين !

- أنا لا أكتب إلا ليلا .. أم أنك نسيت .

- أجل .. أجل ، تذكرت.

نظراتها الثاقبة لما وراء الملامح ، تكشف لها أن الشخص الواقف أمامها يخفي شيئا :

- تريد قول شيئ ما ، أم أجعلك تنطق غصبا عنك ..

يبتلع ريقه متوترا ، فهو أشد العالمين بصديقته حين تغضب .

لا فرق بينها و بين المجانين :

- لا أريد قول أي شيئ و إنما محتاج أن أبوح بما أخفي.

- هكذا إذا ، إحتياج دون إرادة .. حسنا ، أنا في الأسفل ، فكر جيدا ،و أخبرني.

يشاهدها تنزل الدرج ببطئ شديد و ها هو يسمع صوت ٱنفتاح ثم ٱنغلاق الباب الخارجي.

تهدأ أنفاسه المضطربة و يسكن نبضه المتسارع .

***

كل ردة فعل و كل فعل مقصود و لو كان غير ذلك لما حدث ، لأن عفوية المواقف ، هي صميم الحقيقة.

***

جالسة على أحد درجات الدرج الصخري ، تفكر كعادتها ، و تفتقر لضمادات جروحها التي تركتها في حجرتها.

تنفث دخان السيجارة ، مستمتعة بأنفاس الموت و مذاق التهلكة.

تفكر في ذاك البعيد ، في ذاك الذي لم يوجد.


أطياف دمع بارد ، يشكل أسطرا على محياها المتجهم.

و كأن الطبيعة تمقت بكاءها ، تهب ريح صرصر فتجفف كل ما خلفه الوجع من لغة.

هي تفكر ، دائما تفكر في كل الإحتمالات.

تتوقع كل شيئ ، هي فقط تفكر في أشخاص لم يوجدوا و لن يوجدوا.

هي تستمتع بمسرح مقام بين جدران جمجمتها.

مسرح لا تتوقف عروضه إلا لحظات معدودة.
يفتح باب المنزل و يخرج خفاشها ، فيتخذ جانبها مكانا متذمرا :

- و ما الممتع في التواجد على صخرة جامدة بينما البرد ينهش أطرافك و أنت بملابس خفيفة و دون حذاء أيضا !

غراب مغتربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن