يرجع (الخفاش) الصحف التي تحمل نفس الخبر داخل الحقيبة الجلدية و يضعها في مكانها ، فوق الخزانة.
حيرة كبرى ، و هلع رهيب .
ساعة فساعتان ، فثلاث ، و مازال حائرا.
السابعة مساءا ، يصعد لحجرة طبيبته السابقة .
يفتح الباب ليتفاجأ ب(سيدة الجريمة) متكئة على مكتبها :
- ظننت أني سأجدك تكتبين !
- أنا لا أكتب إلا ليلا .. أم أنك نسيت .
- أجل .. أجل ، تذكرت.
نظراتها الثاقبة لما وراء الملامح ، تكشف لها أن الشخص الواقف أمامها يخفي شيئا :
- تريد قول شيئ ما ، أم أجعلك تنطق غصبا عنك ..
يبتلع ريقه متوترا ، فهو أشد العالمين بصديقته حين تغضب .
لا فرق بينها و بين المجانين :
- لا أريد قول أي شيئ و إنما محتاج أن أبوح بما أخفي.
- هكذا إذا ، إحتياج دون إرادة .. حسنا ، أنا في الأسفل ، فكر جيدا ،و أخبرني.
يشاهدها تنزل الدرج ببطئ شديد و ها هو يسمع صوت ٱنفتاح ثم ٱنغلاق الباب الخارجي.
تهدأ أنفاسه المضطربة و يسكن نبضه المتسارع .
***
كل ردة فعل و كل فعل مقصود و لو كان غير ذلك لما حدث ، لأن عفوية المواقف ، هي صميم الحقيقة.
***
جالسة على أحد درجات الدرج الصخري ، تفكر كعادتها ، و تفتقر لضمادات جروحها التي تركتها في حجرتها.
تنفث دخان السيجارة ، مستمتعة بأنفاس الموت و مذاق التهلكة.
تفكر في ذاك البعيد ، في ذاك الذي لم يوجد.
أطياف دمع بارد ، يشكل أسطرا على محياها المتجهم.
و كأن الطبيعة تمقت بكاءها ، تهب ريح صرصر فتجفف كل ما خلفه الوجع من لغة.
هي تفكر ، دائما تفكر في كل الإحتمالات.
تتوقع كل شيئ ، هي فقط تفكر في أشخاص لم يوجدوا و لن يوجدوا.
هي تستمتع بمسرح مقام بين جدران جمجمتها.
مسرح لا تتوقف عروضه إلا لحظات معدودة.
يفتح باب المنزل و يخرج خفاشها ، فيتخذ جانبها مكانا متذمرا :- و ما الممتع في التواجد على صخرة جامدة بينما البرد ينهش أطرافك و أنت بملابس خفيفة و دون حذاء أيضا !
أنت تقرأ
غراب مغترب
Misterio / Suspensoالحياة .. هي تلك المقبرة التي تجمع العائدين و المهاجرين عنا . الحياة .. هي تلك التي تجبر الحمام أن يكون غرابا ، أو على الاقل : أن يلبس قناع السواد. الحياة .. تقتلنا و تتركنا تحت رحمة الموت المتنفس بالوجع. ... الحياة .. هي مقبرة الغربان .. هي مقبر...