صمت يسكت الأنفاس ، جو رهيب و نظرات ثاقبة.
يترك (الخفاش) سيدة الجريمة شاردة بالجدار و يصعد السلالم متوجها نحو السطح.
قدح من الكآبة يسقي ملامحه : غيوم ذابلة بالرمادية ، شمس مغتالة ، موشكة على الغروب و رياح عاتية كالعادة.
جالس على حافة السطح ، يفكر في كل ما حصل معه ، يتذكر كيف لوالديه أن يطرداه بمجرد أنه يدمن العزف ليلا.
يتذكر قول أبيه : "عليك أن تتعالج ، أنت مريض ، أتعلم مامعنى مريض ! أنت تزعج الناس و بما فيهم نحن ! أنت مجرم ! أطفال الحي مرتعبون من سمفونيات الرعب التي لا يحلو لك عزفها إلا ليلا ! ..."
و لكن ،ماذنبه إن كانت مخاوفه أكبر من أن تكون في لحن مميت ؟
ماذنبه إن كان -و بعد واحد و عشرين سنة من الموت المنتظر - قد ٱكتشف ما يخيف أكثر من نغمة مشؤومة ؟
ماذنبه ، إن كانت الحياة أبشع من تلك الألحان الدميمة بالجمال.
ينظر للوحة الرماد المنصوبة أمامه.
يشاهد الغيوم المشبعة بالألم.
يشعر بذاك الوجع ينتشر في زوايا كيانه المعذب.
إن كان الجمال من الطبيعة ، فالعذاب من الطبيعة أيضا ...
يلمح الغربان تحلق بعشوائية فتولد كلماته :
- ليتني كنت غرابا !
يتوقف عن النطق ليكمل :
- مابالي ، لما لم أقل أني أريد أن أكون حمامة على الأقل !؟
- لأن الحمام لم يعد رمز الحرية يا "خفاش" لأن الغراب بشؤمه يتناسب مع الواقع.
يوشك (الخفاش) أن يستدير لكن (سيدة الجريمة) تسبقه و تمسك بأكتافه بينما هو مازال جالسا على حافة السطح.
لم يجزع منها و لا من تصرفها ، كل ما فعله هو حفظ ٱنتظام أنفاسه ثم القول :
" مللت الحياة ، لا أريد الإستمرار - "
و ما هي إلا بضع ثوان حتى دفعته (سيدة الجريمة ) نحو الأسفل.
***
حين تأخذ حذرك تسمى قلة ثقة .
و حين تثق بأحدهم ، يغدرك.
هذه خلاصة مأساة هذا للزمان التعيس .***
يتبع ...
أنت تقرأ
غراب مغترب
Misterio / Suspensoالحياة .. هي تلك المقبرة التي تجمع العائدين و المهاجرين عنا . الحياة .. هي تلك التي تجبر الحمام أن يكون غرابا ، أو على الاقل : أن يلبس قناع السواد. الحياة .. تقتلنا و تتركنا تحت رحمة الموت المتنفس بالوجع. ... الحياة .. هي مقبرة الغربان .. هي مقبر...