الفصل الثامن : نحو الأسفل

54 4 1
                                    

صمت يسكت الأنفاس ، جو رهيب و نظرات ثاقبة.

يترك (الخفاش) سيدة الجريمة شاردة بالجدار و يصعد السلالم متوجها نحو السطح.

قدح من الكآبة يسقي ملامحه : غيوم ذابلة بالرمادية ، شمس مغتالة ، موشكة على الغروب و رياح عاتية كالعادة.

جالس على حافة السطح ، يفكر في كل ما حصل معه ، يتذكر كيف لوالديه أن يطرداه بمجرد أنه يدمن العزف ليلا.

يتذكر قول أبيه : "عليك أن تتعالج ، أنت مريض ، أتعلم مامعنى مريض ! أنت تزعج الناس و بما فيهم نحن ! أنت مجرم ! أطفال الحي مرتعبون من سمفونيات الرعب التي لا يحلو لك عزفها إلا ليلا ! ..."

و لكن ،ماذنبه إن كانت مخاوفه أكبر من أن تكون في لحن مميت ؟

ماذنبه إن كان -و بعد واحد و عشرين سنة من الموت المنتظر - قد ٱكتشف ما يخيف أكثر من نغمة مشؤومة ؟

ماذنبه ، إن كانت الحياة أبشع من تلك الألحان الدميمة بالجمال.

ينظر للوحة الرماد المنصوبة أمامه.

يشاهد الغيوم المشبعة بالألم.

يشعر بذاك الوجع ينتشر في زوايا كيانه المعذب.

إن كان الجمال من الطبيعة ، فالعذاب من الطبيعة أيضا ...

يلمح الغربان تحلق بعشوائية فتولد كلماته :

- ليتني كنت غرابا !

يتوقف عن النطق ليكمل :

- مابالي ، لما لم أقل أني أريد أن أكون حمامة على الأقل !؟

- لأن الحمام لم يعد رمز الحرية يا "خفاش" لأن الغراب بشؤمه يتناسب مع الواقع.

يوشك (الخفاش) أن يستدير لكن (سيدة الجريمة) تسبقه و تمسك بأكتافه بينما هو مازال جالسا على حافة السطح.

لم يجزع منها و لا من تصرفها ، كل ما فعله هو حفظ ٱنتظام أنفاسه ثم القول :

" مللت الحياة ، لا أريد الإستمرار - "

و ما هي إلا بضع ثوان حتى دفعته (سيدة الجريمة ) نحو الأسفل.

***

حين تأخذ حذرك تسمى قلة ثقة .
و حين تثق بأحدهم ، يغدرك.
هذه خلاصة مأساة هذا للزمان التعيس .

***

يتبع ...

غراب مغتربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن