الفصل السابع : خطر داهم

61 4 2
                                    

عينان زمرديتان تشعان بعد غروب طويل.

الثالثة بعد منتصف النهار :

جالسة على كرسيها المهترئ ، تمسك بكتابها اليتيم و سيجارتها المشتعلة بينما قدح من القهوة الباردة ، يجاورها فوق الطاولة.

تهجر (سيدة الجريمة) كتابها للحظات لتشاهد (خفاشها) ممدودا على الأريكة ، كجثة هامدة بعينين مفتوحتين :

- قولي أنك لم تقطعي أطرافي ، أنك لم تنتزعي جلدي ، قولي أن هذا مجرد كابوس، بصوته المرتعب يستنكر أفكاره الدموية.

- يمكنك التأكد بنفسك ..

يحدق (الخفاش) بكل جسده و لا يجد شيئا يدعو للريبة ، هي لم تفعل له شيئا :

- إذن ، دماء من الجافة تلك ؟

- من شدة جبنك ، حاولت الهرب مجددا و حين ٱعترضتك ، جزعت فأغمي عليك و نزف رأسك فور ٱصدامه بالآرضية !

- ألم تتكبدي عناء مسح الدماء ؟!

- تعودت ألا أخفي آثار ما يحصل ...

يفتح عينيه على مصراعيهما ، مصرخا :

- تعودتي ؟ بحق السماء مالذي تخفينه ؟ أمتعودة أنت على سفك الدماء و ترك أثرها أم ماذا ؟

- عادة في كل شيئ ، ليس مع الدماء فقط.

- حبا بالرب ، مالذي تخفينه داخلك ؟

- فراغ ... هو فراغ ضبابي ، ترى منه عينان بلون الدماء و ثغر بلون السماء.

تنهيدة طويلة المدى تنبعث من داخل (الخفاش) الجاهل :

- رجاءا ! جملة مفيدة واحدة ! أريد شيئا بمعنى !

ترجع (سيدة الجريمة) لكتابها الخاص ، متجاهلة تراهات ذاك الذي يجلس جانبها.

هدوء ظاهري ، صمت مضجر و أنفاس مضطربة ، يشتد ب(الخفاش) الملل فيطرح سؤاله :

- متى آخر مرة إبتسمتي فيها ؟

تنظر له بحاجب مرفوع ، مجيبة :

- كنت طفلة صغيرة لا تعرف معنى الحزن ، فٱبتسمت !

يحدق بها ، غاضبا من ردها المختزل :

- و متى آخر مرة إبتسمتي فيها هكذا ، يقول راسما على محياه ٱبتسامة عريضة ، فتجيبه:

- عند المصور ، طلب مني ذلك ، و أعطيته نقودا أيضا !

يتجهم وجه (الخفاش) ثم ينفجر ضاحكا فتبادره (سيدة الجريمة) :

- أعلم .. مثيرة للشفقة ، مثلك تماما .

تختفي الضحكة من عينيه قبل ثغره و يجيبها :

- أجل .. أنا كذلك . كلنا كذلك ، مثيرون للشفقة . لن أتكلم مجددا إلا حين أتعلم فن الرد الجارح .

تحدق في عينيه اللامعتين بالإنكسار ،يقف ناويا الخروج من المنزل ، فتنطق ليتمعن في كلامها :

- كلامك الجارح لن يزيد الجرح إلا عمقا و من تعود على الوجع ، الكلام لا يشكل خطرا عليه.

***

الخطر .. ليتنا نشعر بذاك الخطر اللطيف بعنفه على طفولتنا.

ليتنا حبسنا في زنزانة الخوف من الأشباح و "الزومبي" ، ليتنا حبسنا في زنزانة الزمن الجميل ، الأحمق.

ياليت مخاوفنا بقيت محصورة في صوت الرياح العنيفة و عواء الذئاب.

ليت رهابنا بقي بسيطا ، بقي مختصرا في وحوش ما تحت السرير.

ليتنا لم نعلم ما هو أفضع ، ما هو أقسى من كل هذا.

ليتنا بقينا ضعفاء أمام مخاوف الطفولة ، لكنا لم نجدد مخاوفنا.

إعرف يا صديقي أن من يتجاوز شيئا يخافه فهو يحط على شيئ أكثر رعبا و كلما ٱجتزت خوفك ، خلق لك ما يرعبك أكثر فأكثر . لذلك ٱحتفظ بخوفك الحاضر و ٱبقى مكانك ، أفضل من أن تموت بسكتة شيطانية.

***

يتبع ...

غراب مغتربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن