الفصل السادس
أقفلت فيكى على نفسها باب الغرفة الفخمة, ثم علقت سترتها و خلعت حذاءها.
نزعت الإيشارب الحريرى الأسود و نظارتيها الشمسيتين. و بعد أن غسلت وجهها, مشطت شعرها, أخيراً, أستحمت فى الحوض الكبير المذهب الذى كان مزيناً أيضاً بطواويس. عند ذلك أحست بأنها نظيفة و كانها ملكت نفسها مجدداً.
ارتدت القميص الفضفاض و أندست تحت الأغطية الحريرية, لتراودها الأفكار الغريبة.
حلمت بـ رواندا و أصدقائها. كانت ملاحقة بصوت رواندا و بوجهها المتعب.
ثم و بطريقة ما تحولت هى إلى روندا نفسها, و كذلك الرجل القاسى الذى كانت متعلقة به قد تحول هو أيضاً ليصبح جيل.
و كانت ترجوه: "هلا أحببتنى؟ هلا أحبتنى؟"
استفاقت فيكي فجأة و قلبها يخفق بقوة. لاحظت بعد قليل أنها لم تستفق بسبب الحلم بل بسبب الطرق على الباب.
"ماذا؟" تساءلت بارتباك. كان أحدهم يطرق على الباب.
هل كان جيل الرجل القاسى الذى رأته فى منامها؟
نهضت و اتجهت نحو الباب. "ماذا؟ من الطارق؟ ماذا تريد؟"
لم يجب فى بادئ الأمر, ثم سمعت صوته الساخر بعض الشئ. "عندى هنا طبقان من معكرونة البريمافيرا - لقد أحضرهما موزس. إذا كنت تريدين طعاماً حقيقياً, تعالى و خذيه. أمامنا ساعة قبل موعد الأستعراض."
لفظ كلمتى موعد الأستعراض ببعض السخرية. و جفلت فيكى, و هى تتذكر السرعة التى سوف تكون بها بين ذراعيه من جديد. هبطت معنوياتها أكثر عندما تذكرت ذلك الكابوس حيث تحولت إلى روندا, الفيرة, روندا القليلة الحيلة.
و قالت بتعجرف, و معدتها تُطلق أصواتاً غريبة: "لست بجائعة."
فقال مشمئزاً: "أنت تكذبين. حسناً. لن أتوسل إليك. سوف أضعه قرب الباب, تضورى جوعاً. وازدادى قسوة فذلك لا يهمنى بشئ."
كانت فيكى ترفض أن يهتم بها هذا الرجل. لكنه الآن على بابها, مقدماً لها مساعدته و اهتمامه, مغرياً إياها.
ورددت: "لست جائعة."
ظنت أنها سمعته يقسم. كان هناك صوت وقع أقدام, ثم صليل ثم وقع أقدام مرة ثانية' ثم مزيد من الصليل. "هاك." قال جيل. إنه أمام بابك. كان موزس لطيفاً بإحضارهما و تحمل المشاكل. فهم لا يدفعون له للتفتيش و الحمل. إذا كانت هذه طريقتك لشكره, فأحتفظى بها لنفسك."
سمعت وقع أقدامه تبتعد مرة أخرى. انتظرت وقتاً خالته طويلاً, لتزمجر معدنها مرة أخرى, و قد استبد بها الجوع.
كانت رائحة الطعام الساخن تفوح من تحت الباب. و كانت شهية لدرجة أنها لم تستطيع تحملها.
فى الجهة الثانية, كان جيل يتمتع بوجبته بينما وقفت هى, جائعة بسبب كبريائها و عنادها.
و فكرت فيكى: "يا إلهى, إنه طعام فقط كان بإمكانى أحضاره بنفسى' إلا أنه على حق. إذا كان موزس قد تحمل مشقة إحضاره, فلا يجب علىّ إهداره."
بدت تضعف, ففتحت الباب قليلاً و تنازلت صينية ذهبية عليها صحون مذهبة تحتوى على معكرونة البريمافيرا مع سلطة خضار شهية.
فى اللحظة نفسها نظرت حولها و انتابها شعور قوى عندما التقت عيناها عينى جيل السوداوين.
كان قد جلس على إحدى كراسى غرفة الطعام قرب طاولة مغطأة بغطاء ناصع البياض. و كان حاجباه الداكنان يعطيان نظرة قاسية.
ابتسم بسخرية و حياها رافعاً فنجان القهوة.
"إذا لم تكن الآنسة خفيفة الظل. إنها جائعة أخيراً, كلى يا حبيبتى الآنسة خفيفة الظل, و أبقى دائماً ناعمة رقيقة كما أنت."
احمرت وجنتى فيكى. كانت تدرك بشئ من عدم الأرتياح أنه رآها للمرة الثانية خلال هذا اليوم من غير تبرجها. "إنه لمن المخجل هدر الطعام, هذا كل ما فى الأمر." قالت ذلك و هى تلتقط الصينية و تدخل الغرفة. "أشكر موزس عنى."
"إننى قد أقوم بأى شئ لإرضاء حاجاتك." قال لها ذلك رافعاً فنجانه لتحيتها مرة ثانية.
استدارت و دخلت غرفتها مغلقة الباب وراءها و محدثة صليلاً قوياً كما لو أرادت أخباره بأنها فى الداخل و هو فى الخارج.
حملق جيل فى الباب الموصد الذى كان يفصل بينه و بينها. مع ان الطعام كان شهياً إلا أنه لم يلمسه.
كانت صورة وجهها خالى من مساحيق التجميل ما تزال تحوم فى خياله. كان كلما رآها يتذكر زهرة. ليس زهرة تعيش فى بيوت البلاستك و تحتاج إلى رعاية, ليس برعماً فى حديقة, بل زهرة وحشية تدبرت نفسها فى العيش فى مكان خفى, و استطاعت الحفاظ على جمالها.
قبل القدوم إلى فيغاس لهذه الحفلة التنكرية المجنونة تصور عدداً لا بأس به من السيناريوهات مع هذه الفتاة. لكن أية واحدة منها لم تتناسب مع شخصيتها.
عندما نظر إلى وجهها العارى من الزينة, أو عندما قبلها, شئ ما فى داخله هدد بالخروج عن سيطرته. لم يشعر هكذا منذ ميللى. لماذا؟ كان هناك شئ غير جمالها, فقد تعرف إلى نساء أكثر روعة. لم تكن شخصيتها, فهى متقلبة, متهيبة, مليئة بالإدعاء.
باحثاً عن كلمة أفضل, تساءل ما إذا كان مبهوراً بشخصيتها. كانت تجمع الرقة و الخشونة معاً. كانت تبدو بحاجة إلى كل شئ, لكنها مستقلة لدرجة أنها تكره نفسها عندما تقبل العون.
على الرغم من كل ذلك, أحس أن خلف ابتسامتها الساخرة و المترفعة توجد اسرار و الكثير منها. و صمم على معرفتها. لكى يفهمها, عندها فقط سوف يختفى الغموض و سوف تتحرر من الخوف الذى يغمرها.
و كلما كان ذلك أسرع كان أفضل. ما يهمه من فتاة كان أقصى طموحاتها هو بيع مستحضرات التجميل فى غوسبورغ, نيو جيرسى؟ فتاة تكره العمل الاستعراضى و هدفها جعل الحياة آمنة و مملة؟
أراد إخراجها من تفكيره. فقد أغضبته و جعلته يغضب من نفسه, أيضاً. كان عليه أن يتوقف عن الأهتمام بها. و سوف يوقفه باية طريقة.
كان روتش قد حدد لـ فيكى الثياب التى عليها ارتداؤها فى كل مرة تظهر فيها. و قد أعطيت لهذا المساء سروالاً طويلاً من المخمل الأبيض ملاصقاً للجسد و بلوزة قطنية تصل إلى الورك مطرزة بخرز ذهبى.

أنت تقرأ
روايات احلام/ عبير:التظاهر
Romance"لتحب و تحترم......" تركزت نظرة الكاهن على فيكى! و أخذت إنطباعاً باهتاً فى أنه سألها أن تتعهد بالحب و احترام الرجل الواقف إلى جانبها. أومأت برأسها و هى تشعر بعدم إستطاعتها الكلام. شد جيل على يدها. "أجل أتعهد." أستطاعت أخيراً أن تقول. و من مكان ما زع...